صور مغربية ملتقطة من شرفة باريسية تواجه كورونا بنداء الروح

الرباط – معتمدا على موهبته الرئيسية في اقتناص اللحظات الدقيقة بعدسة الكاميرا، حول المصور الفوتوغرافي المغربي حمزة محيمدات أيام الحجر الصحي البطيئة والقاسية إلى أعمال فنية طرحها في معرض بعنوان “نداء الروح في زمن كورونا”.
وفي لقطات مجالها بين الشرفة والغرفة يستعرض محيمدات (28 عاما) تجربته الشخصية التي امتزجت فيها مشاعر الوحدة والغربة والقلق من الفايروس الجديد خلال أسبوعين قضاهما في الحجر الصحي داخل فندق بمدينة باريس، حيث علق هناك أثناء الموجة الأولى لجائحة كورونا عام 2020 بينما كان في زيارة للسياحة الثقافية.
وقال محيمدات إنه بعد افتتاح المعرض في الرباط مطلع هذا الأسبوع “يجسد المعرض صورا تحمل هاجسا نفسيا تعبيريا، جاء في فترة كنت محاصرا بين أربعة جدران حاولت أن أصور فيها كل تلك المعاناة”.

نداء الروح في زمن كورونا
وأضاف أنه فكر حينها في الاشتغال على تقنية (أوتو بورتريه) أو “التصوير الذاتي” ليعبر بها عن حالته النفسية في تلك الفترة، ويُحمل الصورة عدة أبعاد لتجمع ما بين الفني والفلسفي والحركي.
وأكد أن أهم ما خرج به من هذه التجربة هو أن “المشاكل والمعاناة يمكن أن تتحول إلى لحظات فنية”.
ولأن التجربة ساهمت في تعظيم رؤيته لقيمة الحياة، قرر محيمدات إهداء معرضه إلى “أرواح المبدعين والفنانين شهداء كورونا” الذين غيبهم الموت خلال العامين الأخيرين ليضطر ذووهم ومحبوهم إلى توديعهم دون تأبين أو بالأحرى دون المراسم الجنائزية المعتادة في المغرب بسبب الإجراءات الاحترازية المطبقة.
وتردد على المعرض المقام في بهو مسرح محمد الخامس بالرباط كتاب ونقاد وإعلاميون وفنانون من بينهم الفنان التشكيلي والناقد شفيق الزكاري الذي وصف تجربة محيمدات بأنها “متقلبة.. تختلف احتسابا للزمان والمكان، في ارتباطها بالموضوع والحالة النفسية للذات المبدعة” حيث وثق الأحاسيس التي داهمته كما داهمت بقية العالم في وضع استثنائي غير متوقع وغير مشهود بغموض مستقبله ورهبته.
ويستمر المعرض الذي تأجل عدة مرات بسبب الموجات المتتالية للتفشي حتى السابع عشر من أكتوبر الجاري.
ولكن من ناحية أخرى نجد مفارقة كبرى حيث ساهمت الأوقات المتاحة التي فرضتها الظروف الصحية في تطوير ثقافة الإبداع لدى الكثير من المصورين الفوتوغرافيين الذين وجدوا أنفسهم مضطرين للالتفات إلى ذواتهم وعوالمهم الضيقة وتوثيق التفاصيل اليومية من داخل المنزل، عبر الدخول إلى عالم التصوير الفوتوغرافي في ظل التدابير الاحترازية للحد من انتشار فايروس كورونا المستجد.
ونجح محيمدات في هذا التمشي بابتكاره معاني متعددة من وحدته التي فتحها على عدة أفكار بين الخوف والترقب والأمل وغيرها من التأملات التي صاغها من ظلمة الوحدة والعزلة والترقب. فقد وجد نفسه صدفة معلقا بين جدران غرفة فندق صغيرة بالعاصمة الفرنسية، ولم يكن لديه سوى الكاميرا ليعيد تشكيل تلك الفترة من حياته بطريقة أخرى.
غرفة صغيرة غارقة في صمت كورونا الرهيب، ونافذة تآكلت صباغتها تطل على شارع من شوارع باريس، حيث تقابله عمارة سكنية، تعارف مع بعض سكانها عن بعد، كان هذا هو الفضاء المحدود الذي أبدع فيه صوره الفنية التي تشكل نقلة في تجربته الفنية من صيغة “الكارتبوسطال” إلى صيغة التصوير الذاتي، التي مزج فيها بين صور متعددة يشكل فيها جسده حضورا أساسيا، مع الاشتغال على الفضاء الخارجي المنعكس على زجاج النافذة، في مواجهة تداعيات الوباء والحجر الصحي في الغربة.
وقد وجد الفنان نفسه بعيدا عن أهله ووطنه تتقاذف روحه أمواج القلق والخوف واللايقين التي اكتسحت العالم بأسره في تلك الأيام الرهيبة، دون أن يجد بجانبه غير آلة التصوير صديقا وحيدا يفجر من خلالها أحاسيس فياضة ومتداخلة في صور معبرة ومفعمة بـ”نداء الروح” الذي اختاره عنوانا لهذا المعرض.
وتعرض قطاع الفن للدمار بسبب الإغلاق المستمر للمتاحف والمعارض والمكتبات والمسارح ودور السينما، وتكافح حتى أكثر المؤسسات احتراما من أجل الوقوف على قدميها. وهو وضع انعكس على الفنان بشكل كبير، لذا فإن مثل هذه المعارض ستكون فرصة لاستعادة النشاطات الفنية في المغرب وعودة للأمل من خلال استذكار لحظات كانت فارقة في تاريخ جل شعوب العالم.
ويذكر أن المعرض نظم بتعاون مع مسرح محمد الخامس والمديرية الجهوية لقطاع الثقافة بجهة الرباط – سلا – القنيطرة تحت شعار “وفاء للفنانين والمبدعين شهداء كورونا”، حيث تتصدر المعرض لافتة تتضمن صور وأسماء مجموعة من الفنانين والكتاب والصحافيين الذين توفوا بسبب الوباء.