صورتان

السبت 2014/12/13

يعاني البعض ممن خبر مهنة التدريس من ضغوط نفسية كبيرة، بسبب حجم المسؤوليات الملقاة على عاتقه وخوفه من الوقوع في أخطاء بتقديمه معلومات قد تكون قاصرة أو تعامله بصورة غير تربوية مع سلوك التلاميذ غير المرغوب فيه. إلا أن معلمي المدارس الابتدائية يعانون ضغوطاً نفسية مضاعفة، بسبب صعوبة تلقين المادة الدراسية للمراحل الدراسية الأولية، إضافة إلى صعوبة التعامل مع الأطفال وتقويم سلوكهم، حيث تتجزأ العملية هنا إلى تعليم وتربية تكاد لا تستبين الخط الفاصل بينهما.

في حادثة ليست الأولى من نوعها تناقلتها الصحف الأسبوع الماضي، خضعت فتاة صينية للجراحة في الرأس دخلت على أثرها في غيبوبة بسبب إصابات وضربات حادة تلقتها من معلمتها خلال ساعات الصباح الأولى في مدرستها الابتدائية.

الفتاة الرقيقة ذات السبع سنوات، سقطت مغشياً عليها في منزل أسرتها بعد عودتها من المدرسة وتكتمها على خبر العقاب الرهيب الذي تكبدته على يد معلمة الصف، التي نبهتها بلغة مغلفة بالتهديد على عدم تقديم شكوى. وبعد إجراء تحقيق إداري بسيط مع تلاميذ الصف، تبين أن الفتاة المسكينة لم ترتكب جرماً واضحاً سوى حديث قصير تبادلته مع زملائها أثناء الدرس، أدى إلى استفزاز المعلمة “الذئبة” بطريقة غير مبررة لتشدها من شعرها وتصفعها صفعة دوى صداها بين جدران الصف الأربعة، وحين تملك الصغيرة الصمت والدهشة جراء الألم المباغت تضاعف غضب المعلمة، لتشدها من شعرها بقوة أكبر وتصفعها على جانب رأسها في الجدار المقابل.

نشرت بعض الصحف صورة الفتاة الجميلة وهي مفعمة بالأمل والحياة قبل وقوع الاعتداء عليها، مقابل صورتها وهي في المستشفى بعد إجراء العملية الجراحية الدقيقة بعد أن اتخذت قراراً بعدم العودة إلى الدراسة، وشتان بين الصورتين.

في الصين، وبسبب عدد السكان المهول، فإن مثل هذه الحوادث “الصغيرة” تمر مرور الكرام وتقيد الانحرافات في سلوك عديد من الأفراد الراشدين ضد مجهول.

يحدث هذا أيضاً في بعض البلدان العربية بصورة متواصلة بأشكال وصور مختلفة، لكن السبب هنا لا يمت بصلة إلى عدد السكان الذي بدأ يتناقص باطراد مع تعاقب مرور الحكومات المستبدة والدموية على رقاب الشعوب البريئة، فظاهرة “تغوّل” بعض المعلمين في مدارسنا العربية مردها إلى شحنات الغضب التي تكاثرت واستفحلت في نفوسهم بفعل الفقر والجهل والتخبط وغياب الرقابة وعدم وجود قوانين رادعة وتسيّد مفاهيم خاطئة في طرق التربية، فلم تجد لها متنفساً سوى العقاب الذي يأتي في صور صادمة وأحياناً دامية ولأتفه الأسباب. ولا يتردد بعض هؤلاء في ضرب الأطفال بالعصا أو صفعهم وركلهم حتى أمام كاميرت الفيديو، كأسلوب تأديبي لتفادي تكرار الخطأ متناسين أن الطفل كالراشد تماماً من حقه أن يرتكب الأخطاء، بسبب قلة تجربته في الحياة فمن دون ارتكاب الأخطاء، كيف له أن يتعلم الصواب؟

أثبتت النظريات التربوية والنفسية بصورة قاطعة أن الضرب هو أسلوب فاشل، لما يسببه من آثار مدمرة على صحة الطفل النفسية، إذ يفقده ثقته بنفسه وبالآخرين وينمي في داخله بذور الحقد والعدوانية، ومع التكرار يصبح الأمر خارجا عن السيطرة، حين يعتاد الطفل الضرب كشيء مسلم به ولعله يتخذه كأسلوب حياة، فيبادر بضرب أصدقائه في اللعب وضرب كل من يقف في طريق تحقيق رغباته في الكبر وربما يتحول إلى مرب فاشل في المستقبل.

21