صوت أم كلثوم يعيد الحياة لتماثيل محمود مختار

قدمت فرقة الرقص المسرحي الحديث المصرية أحدث عروضها الفنية “حلم نحات” في أربع ليال متتالية بأوبرا القاهرة والإسكندرية، والعرض من تصميم وإخراج الفنان المصري وليد عوني. تناول معالجة فنية لأعمال النحات المصري محمود مختار، من خلال حركية راقصة للقيم الفنية المميزة لأعمال النحات، وسرد بصري لسيرته الذاتية عبر توظيف أعماله الفنية في سياق راقص.
وتستلهم أعمال النحات محمود مختار قيم الموروث الفني الفرعوني جنبا إلى جنب مع الطبيعة المصرية، وخاصة الريفية، إذ اشتهر بالعديد من أعماله المستلهمة من الريف المصري كالفلاحة وحاملة الجرة وغيرهما، ومن أبرز أعماله التي تحولت إلى تماثيل ميدانية تمثال “نهضة مصر” المواجه لجامعة القاهرة، وتمثالا الزعيم الوطني سعد زغلول في كل من القاهرة والإسكندرية.
استطاع المشاركون في عرض “حلم نحات” عبر مجموعة من التشكيلات الحركية الاقتراب من روح الأسلوب الفني الذي ميّز تجربة مختار في النحت على الحجر، حتى بدا الراقصون كأنهم فريق من التماثيل دبت فيهم الحياة، واستطاع مخرج العرض وليد عوني توظيف الإضاءة على نحو لافت، الأمر الذي أضفى أجواء من الإبهار البصري.
أما أكثر ما لفت الانتباه في عرض “حلم نحات” هو الموسيقى المصاحبة التي انتقاها مخرج العرض بعناية، حيث تنوعت الموسيقى بين الأغاني الشعبية القديمة ونماذج من التراث الموسيقي لكوكب الشرق أم كلثوم، كما تضمن العرض أغنيتين نادرتين لسيدة الغناء العربي وهي لا تزال بعد في بداية طريقها الفني، من بين هذه الأغنيات طقطوقة “يا كروان والنبي سلم” ومطلع أغنية “الحب كان في سنين” وهما من تلحين أحمد صبري النجريدي، وسجلتهما أم كلثوم في عام 1926، ويعدّ النجريدي من أول الملحنين الذين تعاملوا مع أم كلثوم، ولحن لها عددا من الأغنيات التي عدّت في وقتها خروجا عن القوالب السائدة، إذ تميزت بابتعادها عن المبالغة في الزخرفة الموسيقية والنغمية.
وليد عوني يرى في البحث في تراث كوكب الشرق أم كلثوم ما يفضي إلى اكتشاف المزيد من النماذج النادرة
ويرى مخرج العرض وليد عوني أن البحث في تراث كوكب الشرق قد يفضي إلى اكتشاف المزيد من النماذج النادرة، ويعتبره إهداء لروح أم كلثوم في ذكراها التي مرت هذه الأيام، كما أن المزج بين أغاني أم كلثوم وبين أعمال واحد من أبرز الفنانين المصريين، وهو النحات محمود مختار رغم اختلاف الأداء الإبداعي لديهما جعل العرض فريدا، فكلّ منهما يحمل قناعة ذاتية بوحدة الفنون وقدرتها على استنهاض الهمم، فقد ظهر كلا الفنانين معا في فترة تتسم بالسخاء الإبداعي على المستوى الثقافي، وتنامي الروح الوطنية والتحررية لدى شعوب الشرق.
ويشار إلى أن فرقة الرقص المسرحي الحديث تأسست عام 1993، وحصلت الفرقة على عدة جوائز، منها جائزة أحسن عرض سينوغرافي في مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي، كما مثلت مصر في مهرجانات دولية متخصصة منها مهرجان قرطاج الدولي بتونس، ومهرجان بروج في بلجيكا، ومهرجان الرقص المعاصر في الدار البيضاء ومهرجان الرباط الدولي في المغرب.
ويركز المخرج وليد عوني في عروضه الراقصة على القيمة الفكرية بنفس القوة التي ركز فيها على المهارات الجسدية، وقد تتابعت عروض فرقته وتطورت منذ إنشائها لتعالج مواضيع بوليسية كعرضه الذي قدمه قبل سنوات تحت عنوان “أغاثا كريستي”، أو لترسم مسار شخصيات فنية وسياسية واجتماعية عن طريق الإبداع الجسدي، كما في عروض مختار، وشادي عبدالسلام، وتحية حليم، ونجيب محفوظ، وقاسم أمين.