صنّاع الفرحة فقط

كلوب، هذا المدرب المحبوب من الجميع سواء تعلق الأمر بعائلة ليفربول وأنصاره أو الفرق الأخرى، كلوب الذي لا تقل نجوميته في ليفربول عن نجومية صلاح وماني وفيرمينو وفان ديك، هو صانع الفرحة الدائم في معسكر “الريدز”.
الأحد 2019/09/29
كلوب ضاحكا في أحلك الظروف

من النادر في عالم كرة القدم أن يتماهى المدرب مع اللاعب في النجومية، من الصعب أن يدوم بقاء بعض المدربين لفترات طويلة مع فرق بعينها، فالنتائج غالبا ما تحسم المصير، والقطيعة تكون الغالبة في معظم الأحوال.

لكن في إنكلترا يحصل دائما العكس، ففي الدوري الممتاز لا تنبني العلاقة بين النادي والمدرب على النتائج فقط، بل ترتبط أساسا بقدرات الجهاز الفني ومدى توافقها مع مبادئ النادي.

حصل هذا الأمر في السابق مع السير أليكس فيرغسون الذي أشرف على تدريب مانشستر يونايتد طيلة أكثر من ربع قرن، ثم سار أرسين فينغر على دربه عندما قاد أرسنال لأكثر من عشرين عاما.

واليوم قد يتكرّر المشهد، قد تعاد الفكرة ويكتب السيناريو ذاته لكن بأبطال جدد وواقع مختلف، اليوم في إنكلترا بدأت ملامح أسطورة جديدة في ليفربول تتشكّل، بات الجميع هناك مقتنعا أشد الاقتناع بأن الألماني يورغن كلوب هو أسطورة هذا الزمان والقائد الأجدر بإعادة الفريق الأحمر إلى منصات التتويج بلقب الدوري الممتاز بعد أن نجح في الموسم الماضي بإحراز لقب دوري الأبطال.

كلوب، هذا المدرب المحبوب من الجميع سواء تعلق الأمر بعائلة ليفربول وأنصاره أو الفرق الأخرى، كلوب الذي لا تقل نجوميته في ليفربول عن نجومية صلاح وماني وفيرمينو وفان ديك، هو صانع الفرحة الدائم في معسكر “الريدز”.

الحديث عن هذا المدرب الضاحك والمبتسم دائما سواء في حالة الفوز أو الخسارة، يعود إلى سببين أولهما حصوله مؤخرا على جائزة أفضل مدرب في العالم وفق الفيفا، وثانيهما سرده لبعض تفاصيل مسيرته الحياتية، التي صنعت منه أحد “أعظم” وأفضل المدربين في هذا الزمان.

كلوب بدأ مسيرته من “الصفر”، لم يكن لاعبا مميزا أو نجما ساعدته نجوميته على أن يباشر تدريب الفرق الكبرى بعد الاعتزال، بل على العكس من ذلك تماما لم يكن سوى لاعبا مغمورا وهاويا، كان يشتغل صباحا كي يضمن لنفسه قوت يومه. غير أن دروس الحياة صنعت له المجد على مراحل، عاش ظروفا صنعت منه شخصا مختلفا، مندفعا، محبا للحياة، ضاحكا في أحلك الظروف.

يقول كلوب إن اللحظة الفاصلة في حياته تجلت لحظة ميلاد طفله وهو في سن العشرين، لقد أصبح مسؤولا عن حياة أخرى، تجرّد من كل النزوات والتصرفات الطائشة لمن هو في سنه، وعاد همّه الوحيد هو الاهتمام بالطفل الوليد.

يقول كلوب إن تلك المرحلة من حياته غيّرت فيه الكثير، غيّرته نحو الأفضل، والأكثر من ذلك أنها جعلته يدرك ماهية كرة القدم، فهذه اللعبة ليست سوى مدعاة للفرح والتفاؤل، أما اللاعبون والمدربون فإنهم لا يتحكّمون في الحياة ولا يصنعون الموت.

هم مجرد صنّاع الفرح، لذلك استقامت لديه الأحوال سواء في حالة الفوز أو الخسارة، فهو يحتفل بالانتصار بابتسامة عريضة ويتقبل الهزيمة أيضا بالابتسامة ذاتها.

اتخذ هذا الأمر شعارا ومبدأ أساسيا في حياته، حاول أن ينشر ما علّمته إياه الحياة حوله، أتيحت له فرصة تدريب نادي ماينس الألماني، فقضى هناك فترة طويلة، نجح خلالها بفضل نظرته المتفائلة للغاية في هذه الحياة، في أن يحقّق نتائج باهرة.

لقد صنع لنفسه اسما معروفا في ميدان التدريب بألمانيا، لتتاح له فرصة تدريب نادي بوروسيا دورتموند القوي، وهناك واصل رحلة صنع المجد لنفسه ولفريقه، ظلت ابتسامته العريضة عنوانه الدائم وشعاره الأول، بثّ كل هذه المشاعر المتفائلة صلب الفريق. فنجح وتألق، وافتك الإعجاب من مناصري الفرق الأخرى قبل محبي فريقه، لقد أصبح بكل بساطة محبوبا من الجميع.

كلوب لم يفكر يوما في أن يصبح ضمن صفوة أفضل المدربين في العالم، لم يفكر سوى في الاستمتاع بهذه الحياة أولا ثم الاستمتاع بمهنته كمدرب ثانيا، كان يرغب دائما في أن يصنع الفرح، حتى في لحظات الانكسار كان يرغب بشدة في أن ينفض غبار التبرّم والحسرة ويحوله إلى آليات لصنع الفرح.

كلوب تحدّث في هذا السياق عن تجربته مع ليفربول وتحديدا عمّا حصل في الموسم الماضي، عندما تعرّض الفريق الأحمر لهزيمة بثلاثية كاملة ضد برشلونة ضمن دوري الأبطال، عن تلك الهزيمة قال كلوب إنها الأسوأ في مسيرته.

لكنه طوّعها واستغلها كي يصنع النجاح والفرحة، لقد بثّ في قلوب لاعبي ليفربول عقب تلك المباراة كل مشاعر الأمل والروح الانتصارية العالية، قال لهم تمتّعوا ونافسوا في لقاء العودة وكأنكم تخوضون معركة حياة وليس مباراة كرة قدم.

كل هذه المشاعر تجسّدت على أرض الملعب، فنجح ليفربول وصعد للمباراة النهائية ونال اللقب، ومعه نال كلوب كل عبارات الإشادة والتنويه، نال أيضا جائزة الأفضل، واستحقّ معها أن ينال لقب صانع الفرح وملهم السعادة في الحياة.

23