صنع امرأة وفق مقاييس ذكورية

“أقدم رجل من تايوان على قتل زوجته وطفليه ثم انتحر، بعد أن رفضت شريكة حياته إجراء عملية تجميل لتكبير صدرها للمرة الثانية”.. خبر نشر منذ فترة قصيرة، وبعيدا عن مدى مصداقيته وطرافته أو غرابته، فهو يحمل في طياته رؤية ومقاييس جديدة تخص جسد المرأة، تتحكم فيها مشارط جراحات التجميل.
وقد حمل الأدب منذ زمن بعيد رؤى استشرافية صورت امرأة نموذجية نحتت وفق مخيال كاتبها لتكون لصيقة بواقع بدأ يأخذ مسارا خاصا به بفضل الجراحات التجميلية، وأذكر أن توفيق الحكيم أبدع بقلمه امرأة “بجماليون” الذي صنع لنفسه صورة امرأة حملت بكل ما فيها من تفاصيل جسدية وملامح من نسج تصوره الخاص لنصفه الثاني. وّجه بجماليون إزميله بكل ما يحمله من شوق وحنين لنحت أنثاه وتكفلت الآلهة ببث الروح فيها لتسلبها إياها من بعد غيرة وكمدا، وهكذا كشف الكاتب المصري في مسرحيته الفلسفية عن صراع بين الموجود والمنشود، مؤكدا على أن المثالية مفقودة في الحب مهما بلغت المرأة من كمال!
وعلى الرغم من أن بطل الحكيم شخصية ورقية، إلا أنه يعكس سلوكا ذكوريا لا يرضخ للطبيعة البشرية، بل يبحث عن مقاييس تناسب “برستيجه” داخل عالم يقدس الجمال ومتشبع بأن “الله جميل ويحب الجمال”، فيحث أنثاه على إعادة تشكيل أجزاء من جسدها بالنفخ والزيادة والتكبير، دون اهتمام بالتبعات الصحية والنفسية عليها، لاسيما وأن دراسة علمية حديثة، وهي الأولى من نوعها، حذرت، مؤخرا، النساء من اللجوء إلى تكبير حجم أردافهن بزرع السيليكون، حيث يصبن بسرطان نادر في الدم، وذلك بعد مرور عام من إجراء العملية.
لكن كيف لرجل لم يجرب متاعب مشارط الجراحين تقص وتلصق وترقع جسده على أمل أن يتفتق من شرنقته على جمال لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر بقلب بشر، أن يدرك حجم معاناة المرأة وهي تعمل على استرضائه بصريا!
حمل الأدب منذ زمن بعيد رؤى استشرافية صورت امرأة نموذجية نحتت وفق مخيال كاتبها لتكون لصيقة بواقع بدأ يأخذ مسارا خاصا به بفضل الجراحات التجميلية
ولا أظن أن ابن القارح كلف نفسه عناء التفكير في مصير جاريته، فكل ما كان يشغل العجوز الشهواني أن يحل معضلة هزال دبر محظيته داخل أسوار جنة أبي العلاء الافتراضية، “ها هو.. يفاوض الباري عزّ وجل، بين سجدتين، على حجم مؤخرةِ الحوريّة عندما رآها هزيلةَ الدّبر، ويخطر في نفسه، وهو ساجدٌ، أن تلك الجاريةَ على حسنها ضاويةٌ، فيرفع رأسه من السجود وقد صار من ورائها ردفٌ يضاهي كثبان عالج (رمالٌ على الطريق إلى مكّة) فيهال من قدرة الله اللطيف الخبير”.
هذا العالم من اللذات الحسيّة المثيرة للغرائز الذي كبل به الكاتب العباسي شخصيته القصصية، يبرز مدى انشغال ذكور المجتمعات العربية بشكل خاص بجمال المرأة وبروز مفاتنها، على حساب توجهاتها الفكرية. أذكر حوارا يلخص هذا التوجه في علاقة الرجل بجسد المرأة، جمع بين أيقونة الجمال مارلين مونرو وعالم الفيزياء الألماني ألبرت أينشتاين، حيث قالت مونرو له “ما رأيك أن نتزوج وننجب ولدا فائق الجمال مثلي وفائق الذكاء مثلك! فأنا أجمل امرأة وأنت أذكى رجل”، فأجابها “وهل تعتقدين أن هذه الصفقة ناجحة؟”، ردت “نعم!”، فقال لها “ماذا لو أنجبنا ولدا بقبح وجهي وغباء عقلك”.
ولو أن هذا الحوار جمعهما اليوم لأجابت بكل ثقة “لا عليك يا عزيزي، ستطوع الطبيعة هذا الخليط وتقومه، ليصبح بفضل أمهر الجراحين بجمالي أو يفوق، وبفضل التطور التقني في مستوى ذكائك أو يفوق”!
لا شيء يخضع اليوم تقريبا لقانون الطبيعة، فالعلم اندس بين النطفة والبويضة ليعدل في الأجنة داخل الأرحام، أفيعجز عن تقديم خدماته لسيدة تبحث عن تقاسيم جديدة تنأى بها عن التجاعيد أو تعيد إليها شبابا ولّى الأدبار، أو تسترضي غرائز زوج يبحث عن أرداف تضاهي كثبان عالج؟