صفقة غير معلنة تدفع بطالبان نحو العودة إلى الحكم

الرئيس الأميركي يريد مغادرة قوات بلاده لأفغانستان مقابل عدم السماح للإرهابيين باستغلال الأراضي الأفغانية لشن هجمات على المصالح الأجنبية في المنطقة وهو مطلب لم تتردّد طالبان في الاستجابة له على الفور.
الجمعة 2019/03/01
السماح بالاختلاط في المدارس جزء من تلميع الصورة

تعكس ليونة حركة طالبان وإشادة الولايات المتحدة بتقدم مفاوضات السلام ملامح صفقة مع تأجيل التنفيذ بين الطرفين، تعيد الحركة المتشددة بمقتضاها إلى سدة الحكم أو المشاركة فيه على الأقل، على أن لا تسمح للمتمردين باستغلال الأراضي الأفغانية لمهاجمة المصالح الأجنبية. ويفند التوجس المستمر للحكومة المركزية في كابول من مفاوضات تدفع بها إلى الهامش، تصريحات واشنطن المستمرة بأنها لن تستثني حلفاءها من عملية السلام وأنهم سيكونون جزءا منها وهو ما لا تؤكده تطورات المفاوضات “المثمرة” وزخمها المتصاعد.

بدأت معالم الصفقة الأميركية غير المعلنة مع حركة طالبان تتوضح تدريجيا مع تصاعد زخم المفاوضات وتقدمها بشكل غير مسبوق نظريا، على مستوى التفاؤل الملفت للانتباه للمسؤولين الأميركيين كما لنظرائهم في طالبان، وميدانيا بعد أن شرعت الحركة المتمردة في تحسين صورتها داخل أفغانستان في تطور أشبه ببرنامج انتخابي سابق لأوانه.

وكشف إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب المفاجئ، لحلفائه في كابول وحتى جنرالات جيشه، باعتزامه تقليص عدد الجنود الأميركيين المتواجدين في أفغانستان، معالم الترتيبات الأميركية الجديدة التي تسعى إلى التخلص من المستنقع الأفغاني عبر دفع حركة طالبان المتعطشة إلى العودة لحكم تعتبره سرق منها منذ تسعينات القرن الماضي بعد الإطاحة بها من طرف القوات الأميركية.

وأهدى ترامب بإعلانه الذي يبدو أن حكومة كابول لم تكن على علم به، متمردي طالبان نصرا دون مقابل، كما يصفه الداخل الأفغاني، إلا أن ذلك كان بداية ابتلاع حركة طالبان للطعم.

والتقط مسؤولو طالبان الإشارات الأميركية بسرعة وسارعوا إلى توظيف تصريحات الرئيس ترامب على أنها نصر لهم يجب استغلاله من أجل العودة إلى سدة الحكم.

ذبيح الله مجاهد: إذا حلّ السلام وعادت طالبان فلن تكون بنفس أساليب الحكم القديمة
ذبيح الله مجاهد: إذا حلّ السلام وعادت طالبان فلن تكون بنفس أساليب الحكم القديمة

ومع إبداء المفاوض الأميركي للسلام في أفغانستان زلماي خليل زاده انفتاحا كبيرا وليونة غير معهودة في المفاوضات بعد قبوله إدراج بند الانسحاب التام للقوات الأميركية من كابول على جدول الأعمال وتصريحاته أنه لا يوجد محظور أو خطوط حمراء في التفاوض، اندفعت طالبان بكل قواها في المفاوضات بعد أن استشعرت حماسا أميركيا وجدية غير مسبوقة في التوصل إلى سلام.

وعمّقت استجابة الطرف الأميركي لمطالب طالبان بإقصاء ممثلين عن الحكومة المركزية في كابول من المفاوضات، قناعة الحركة المتمردة بجدية الطرح الأميركي والرغبة الجامحة بالخروج من أفغانستان بأقل أضرار ممكنة.

ويريد الرئيس الأميركي مغادرة قوات بلاده لأفغانستان مقابل عدم السماح للإرهابيين باستغلال الأراضي الأفغانية لشن هجمات على المصالح الأجنبية في المنطقة وهو مطلب لم تتردّد طالبان في الاستجابة له على الفور.

وفي وقت سابق كشفت صحيفة وول ستريت جورنال عن دبلوماسي غربي لم تكشف عن اسمه، أن الإدارة الأميركية قد دفعت نحو تأجيل الانتخابات الرئاسية الأفغانية إلى 20 يوليو القادم أي أكثر من ثلاثة أشهر على موعدها المقرر سابقا، بشرط أن تسفر عنها حكومة انتقالية تعمل إلى حين تشكيل حكومة ائتلافية تضم في ثناياها حركة طالبان.

والتقطت طالبان المقترح الأميركي بإشراكها في تشكيل حكومة انتقالية في كابول، عبر توجيه خطاب لين للداخل الأفغاني المتوجس من الحركة وقد اعتبره بمثابة حملة انتخابية سابقة لأوانها.

وتحاول طالبان إظهار أنها تغيرت منذ أيام الوحشية التي أظهرتها في التسعينات عندما حظرت الموسيقى ومنعت تعليم البنات ونفذت إعدامات علنية في ملعب لكرة القدم في كابول، تزامنا مع التحركات المتزايدة نحو السلام.

ويبقى الداخل الأفغاني المتخوف من سياسات الحركة المتشددة، الجزء الأهم في استراتيجية طالبان الداخلية، حيث تسعى إلى تهدئة الخواطر والانفتاح أكثر على المجتمع الأفغاني في جزء من مطالبه على الأقل.

وقال المتحدث باسم الحركة ذبيح الله مجاهد لرويترز في مقابلة “إذا حل السلام وعادت طالبان فلن تكون بنفس الأساليب القاسية كما كانت في 1996″، مشيرا إلى العام الذي سيطرت فيه الحركة على السلطة في كابول قبل الإطاحة بها من خلال الغزو الذي قادته القوات الأميركية في 2001.

وبينما يرجح أن تظل أفغانستان معتمدة على المساعدات الأجنبية لسنوات، تدرك طالبان أنه لا يمكنها العودة إلى الماضي عندما اجتاح مقاتلوها كابول بعد فوضى الحرب الأهلية في التسعينات، لكن الحركة تصر على أنه ستكون هناك عودة إلى تفسيرها المتشدد للشريعة الإسلامية.

ومع ذلك يشك الكثير من الأفغان في ادعاءاتها أنها مالت إلى اللين حتى في الوقت الذي تتوق فيه إلى نهاية للحرب.

طالبان تحاول إظهار أنها تغيرت منذ أيام الوحشية التي أظهرتها في التسعينات عندما حظرت الموسيقى ومنعت تعليم البنات ونفذت إعدامات علنية

وتسيطر طالبان التي تغلب عليها عرقية البشتون، أقوى العرقيات في جنوب وشرق البلاد، على مناطق واسعة من الريف الأفغاني وتجمع فيها الضرائب وتدير المحاكم وتسيطر على التعليم.

وبالنسبة للكثير من سكان الريف المحافظ في أفغانستان يوفر حكم طالبان استقرارا يرحب به السكان وتناسب عقوباتها الصارمة وقيودها المشددة على حقوق النساء التقاليد السائدة في الكثير من المناطق.

ويعتقد الكثير من الأفغان أن طالبان ستعود إلى سابق عهدها إذا عادت إلى الحكم، حيث قالت مالينا حميدي وهي مدرسة في إقليم بلخ لوكالة رويترز “أثق بنسبة مئة بالمئة أنه حال عودة طالبان إلى السلطة فستكون طالبان نفسها التي حكمت أفغانستان في التسعينات”.

وكان الجانبان اختتما الجولة الماضية من المفاوضات مع “مسودة اتفاق” ركزت على وعود طالبان بمنع تحول أفغانستان إلى قاعدة خلفية لهجمات إرهابية ضد دول أجنبية.

لكن لم يتم وضع جدول زمني لانسحاب القوات الأميركية ولا وقف لإطلاق النار، وهما المسألتان اللتان أعاقتا مساعي السلام في الماضي، فيما أعربت الحكومة الأفغانية عن مخاوفها من تهميشها في المحادثات.

وتتوجس كابول من ترتيبات أميركية في البلاد تتجاوزها وتدفع بها نحو الهامش، مع مواصلة طالبان سيطرتها ميدانيا وتحقيق اختراق في المفاوضات مع الأميركيين كان صعب المنال إلى حين.

5