صراع حام في قصر أردوغان: وزير الداخلية يهدد نفوذ صهر الرئيس

وزير الداخلية سليمان صويلو تمكن من تعزيز مكانته وتغيير مسار معركة السلطة داخل الحزب الإسلامي الحاكم، لكن هل سيرضى زوج ابنة الرئيس بتهميشه وإقصائه؟.
الأحد 2020/04/19
من يكسب معركة السلطة

إسطنبول - كشفت استقالة وزير الداخلية التركي سليمان صويلو، قبل التراجع عنها، وجود صراع كبير في محيط الرئيس رجب طيب أردوغان، وأن الأخير يتعمد تغذية هذا الصراع لضمان ولاء المحيطين به. وفيما دأب أردوغان على وضع ثقته في صهره وزير المالية بيرات البيرق، فإنه في المقابل يعمل على تقوية مسؤولين آخرين مثل وزير الداخلية الذي اشتهر بقمع حركة فتح الله غولن وحزب الشعوب الديمقراطي الموالي للأكراد وإطلاق التهديدات للسياح العرب والأجانب.

وعلى الرغم من أنّ صويلو (59 عاماً) لم ينضم إلى صفوف حزب العدالة والتنمية الإسلامي الحاكم إلا في العام 2012، إلا أنّه اشتهر بدوره في إفشال محاولة الانقلاب العام 2016 فتمّ تعيينه على إثر ذلك وزيراً للداخلية، ولتستمر أسهمه في الصعود منذ ذلك الحين حتى بات على خلاف قويّ مع صهر الرئيس الطامع في خلافة أردوغان.

ويستبعد متابعون للشأن التركي أن يتخلّى عن صهره الذي يرعى مصالح العائلة وحلفائها من رجال الأعمال النافذين في حزب العدالة والتنمية، لكنه يحرص على أن يحتفظ بوزير الداخلية صاحب الشخصية القوية والقبضة الحديدية الذي يحتاجه لمواجهة أي تظاهرات او احتجاجات اجتماعية غاضبة على سياساته.

وأدار صويلو، الذي يتميّز بسطوته ونبرة خطاباته القاسية، عمليات التطهير الأمنية الواسعة ضد مؤيدين مفترضين للانقلابيين، وأوقف واعتقل عشرات الآلاف من الأشخاص بحجة المشاركة في الانقلاب، لتتوسع عمليات القمع تلك بعد ذلك وتطال معارضين مؤيدين للقضية الكردية وناشطين في المجتمع المدني وصحافيين أتراك وأجانب.

واعتبرت صحيفة “تاغس شبيغل” الألمانية أنّ وزير الداخلية التركي، ومن خلال استقالته التي تحمّل فيها المسؤولية كاملة عمّا حصل من فوضى في أعقاب قرار حظر التجوّل الفجائي نهاية الأسبوع الماضي، قد عزّز من مكانته كخليفة مُحتمل لأردوغان، ومُنافس شرس لصهره وزير المالية بيرات البيرق، أحد أقوى الشخصيات التركية وأكثرها طموحاً، وهذا ما أصبحت تُشير إليه أيضاً استطلاعات الرأي.

في أعقاب الهلع الذي أصاب الأتراك إثر إعلان حظر التجوّل قبل ساعتين فقط من موعد تطبيقه، احتشد ما يزيد عن ربع مليون تركي في إسطنبول أمام محلات البقالة في مشهد فوضى لا مثيل له. وفي حين قال صويلو في البداية إنّ القرار جاء من أردوغان نفسه، إلا أنّه لاحقا تحمّل المسؤولية كاملة وقدّم استقالته.

ورأت صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية من جانبها أنّ صويلو برز أقوى من أيّ وقت مضى في أعقاب استقالته المرفوضة، وأظهر أنه قادر على تحمّل المسؤولية، مُشيرة إلى أنّ الرأي العام والناخبين اليمينيين حمّلوا أردوغان المسؤولية، ولذلك أصبح صويلو يتمتع اليوم بمزيد من القوة.

وحذّر متابعون للشأن التركي من أن استراتيجية أردوغان القائمة على فرّق تسُد قد تقود إلى خسارة حليف جديد قوي مثل وزير الداخلية تماما مثلما افتقد قبله أسماء بارزة مثل حليفه الرئيس السابق عبدالله غول، ورئيس الحكومة أحمد داود أوغلو، فضلا عن وزير الاقتصاد السابق علي باباجان الذي يعد أحد مهندسي صعود الاقتصاد التركي في فترة من الفترات.

صويلو أدار عمليات تطهير أمنية واسعة ضد المعارضين لأردوغان
صويلو أدار عمليات تطهير أمنية واسعة ضد المعارضين لأردوغان

وفيما قوبل قرار صويلو بموجات متناقضة من الدعم والانتقادات، إلا أنّه ألقى الضوء أيضاً على الصراعات الداخلية في محيط أردوغان. ولفت عدد من المراقبين السياسيين إلى أن خصومة قوية تفرّق بين صويلو ووزير المالية النافذ صهر الرئيس.

وفي حين اعتبر حزب الشعب الجمهوري أكبر أحزاب المعارضة التركية استقالة سليمان صويلو مُجرّد مسرحية من ترتيب القصر الجمهوري وتحديداً من أردوغان نفسه، فقد أشادت الأحزاب القومية بوزير الداخلية التركي ورحّبت برفض استقالته.

وأعرب دولت بهجلي، زعيم حزب الحركة القومية التركي المُتحالف مع حزب العدالة، عن سروره لرفض أردوغان استقالة وزير الداخلية، مُشيداً بـ”الأداء الناجح من قبل صويلو في منصب وزارة الداخلية بشخصيته الحازمة والحكيمة”.

ورحبت زعيمة الحزب الصالح المعارض ميرال أكشينار، بما أبداه الوزير من تحمّل للمسؤولية قائلة “يتطلب من الشخص أن يكون ناضجاً ويتحمل المسؤولية لكي يقبل أن ما فعله كان خاطئاً. أشكر السيد سليمان صويلو لتصرفه الذي يدل على نضجه. وأتوقع من وزير المالية ووزير الزراعة اللذين أثبتا أنهما علامة للفشل المتكرر، أن يُظهرا النضج ذاته”.

أما زعيم حزب الوطن المعارض دوغ بيرنشيك فكتب في تغريدة له “إن استمرار السيد سيلمان صويلو في منصبه وزيرا للداخلية قرار صائب جدا في سبيل تحقيق أمن الدولة التركية. علينا ألا ننسى أننا في مركب واحد في كفاحنا ضد فايروس كورونا وفي حربنا ضد إرهاب حزب العمال الكردستاني وتنظيم فتح الله غولن”.

وبالنتيجة، فإن صويلو يُمثّل أحد مراكز السلطة الهامة داخل الحزب الإسلامي الحاكم، ويبدو أنّه تمكّن من تعزيز مكانته وتغيير مسار معركة السلطة داخل الحزب باستقالته، وأجبر أردوغان على الانحياز له علناً، لكن هل سيرضى زوج ابنة الرئيس بتهميشه وإقصائه؟

وقال مسؤول في حزب العدالة والتنمية لرويترز، مُشترطاً عدم نشر اسمه، “بغض النظر عمّا يقوله أيّ شخص، فإن لدى صويلو السلطة، وقد تمّ تعزيز تلك السلطة بالفعل في قضية الاستقالة”.

1