"صراع المصالح" يستنزف الفريق اللبناني المفاوض مع صندوق النقد

استقالة عضو ثان في فريق التفاوض اللبناني مع صندوق النقد الدولي تشي بأن الأمور تتجه إلى طريق مسدود، وأن فرص حصول لبنان على دعم من الصندوق تتضاءل، وهو ما يعني أن البلاد تتجه نحو الانهيار خصوصا وأنه ليس هناك أي طرف دولي متحمس لتقديم أي مساعدة.
بيروت – قدم عضو لبناني كبير بفريق التفاوض مع صندوق النقد الدولي استقالته من منصبه مديرا عاما لوزارة المالية، بسبب موقفه من “طريقة تعامل الزعماء السياسيين مع الأزمة المالية” التي يرزح تحت ثقلها لبنان.
وباستقالة آلان بيفاني، يكون ثاني عضو بفريق لبنان في محادثات الصندوق يتخذ هذه الخطوة خلال الشهر الحالي.
وقال بيفاني في مؤتمر صحافي عقده الاثنين “قدمت استقالتي لأننا وصلنا إلى طريق مسدود وارتفعت نسبة المخاطر إلى مستوى لم يعد من الممكن التعامل معه بصمت”.
وأضاف “اخترت أن أستقيل لأنني أرفض أن أكون شريكا أو شاهدا على الانهيار، ولم يعد الصبر يجدي اليوم”، متابعا “نقف اليوم أمام مرحلة مفصلية وقد ظهرت النيات بوضوح وانكشف من يهرب من المسؤولية ومن يسير بعكس قناعاته وبات الصراع حادا بين أصحاب المصالح وبين ضحايا هذه المنظومة والساعين إلى التغيير”.
ولم يحدد مدير عام وزارة المالية المستقيل الجهات التي تهرب من المسؤولية أو أصحاب المصالح. وأشار بيفاني إلى أن “المشروع الذي يفرض على اللبنانيين سيأخذ منهم مرة أخرى قدرتهم الشرائية وسينتقلون لمزيد من الفقر وارتفاع البطالة وزيادة الانكماش الاقتصادي… وكان من المفترض أن نكون اليوم منهمكين في عملية استرداد ما أخذ من الناس”.
ولفت مدير عام وزارة المالية إلى أن “المقاربة التي اعتمدتها خطة الحكومة وضعت تقويما صحيحا وتم إقرارها بالإجماع وحصلت على ترحيب من المؤسسات المالية بالجدية اللبنانية في مقاربة الأمور”، مضيفا أن “الخطة تناولت ضرورة استرداد الأموال المنهوبة وضرورة الإصلاح الشامل للنظام“.
وأوضح بيفاني “يبدو أن النظام استخدم شتى الأنواع لضرب الخطة الحكومية، وأظهروا بأننا فاسدون، ولكن ستكون للقضاء الكلمة الفصل لهذه الاتهامات الرخيصة”. وحذّر “من تحويل دولارات المودعين إلى ليرات بالقوة”، مشددا “حذار من تجميد أموال المودعين لفترة طويلة كي تفقد قيمتها ويصعب الاستفادة منها“.
ويواجه لبنان أسوأ أزمة مالية منذ الحرب الأهلية بين عامي 1975 و1990، حيث فقدت الليرة نحو 75 في المئة من قيمتها منذ أكتوبر الماضي، ولم يكن أمام حكومة حسان دياب من خيار سوى اللجوء إلى صندوق النقد الدولي في ظل عزوف المجتمع الدولي على تقديم أي مساعدات لاعتبارات اقتصادية تتعلق بعدم التزام لبنان بإجراء إصلاحات جوهرية، وأيضا سياسية في ظل سيطرة حزب الله المصنف تنظيما إرهابيا لدى العديد من الدول على القرار اللبناني.
ووقّع رئيس الوزراء حسان دياب ووزير المالية غازي وزني في 1 مايو الماضي طلبا رسميا، لحصول لبنان على برنامج تمويل من صندوق النقد، بعد إقرار الحكومة الخطة الاقتصادية، والتي تضمّنت ضرورة حصول لبنان على دعم بقيمة 10 مليارات دولار ابتداء من العام 2020 حتى العام 2024.
وتشهد المفاوضات بين صندوق النقد ولبنان تعثرا في ظل الأرقام المتضاربة التي قدمتها كل من الحكومة ومصرف لبنان المركزي حول حجم الخسائر في النظام المالي وكيفية توزيعها.
وصرحت مديرة صندوق النقد كريستالينا جورجيفا، الجمعة الماضي، أنه ليس لديها أي سبب حتى الآن لتوقع تحقيق تقدم في المفاوضات مع لبنان، موضحة أن مسؤولي الصندوق مازالوا يعملون مع هذا البلد، لكن لم يتضح ما إذا كان من الممكن أن تتوحد قيادات البلاد والأطراف الفاعلة والمجتمع حول الإصلاحات الضرورية لتحقيق استقرار اقتصادها والعودة إلى مسار النمو.
وأشارت جورجيفا إلى أن جوهر القضية يكمن في إمكانية التوصل إلى وحدة للهدف في البلاد، ما يمكن بالتالي من دفع الأمور إلى الأمام، وتطبيق مجموعة من الإصلاحات الشديدة الصعوبة لكنها ضرورية، وقالت “كل ما يمكنني قوله هو أننا نضع أنسب الأشخاص لدينا للعمل مع لبنان، لكننا حتى الآن ليس لدينا أي سبب للقول إن هناك تقدما”.
وقالت جورجيفا “الوضع في لبنان يفطر قلبي” لأن هذا البلد له ثقافة قوية في ريادة الأعمال، ويستقبل لاجئين من فلسطين وسوريا ما يستوجب مساعدته في تخفيف أزمة إنسانية كبيرة.
وتبدي أوساط سياسية لبنانية تشاؤما حيال إمكانية التوصل إلى اتفاق مع الصندوق وسط عدم استبعاد استقالات جديدة في الأفق ضمن الفريق اللبناني المفاوض.
وكان هنري شاوول مستشار وزارة المالية قدم استقالته في وقت سابق من هذا الشهر قائلا إن الساسة والسلطات النقدية والقطاع المالي “يعمدون إلى صرف الأنظار عن حجم” الخسائر والشروع في “أجندة شعبوية”.