صدمة ترامب.. هل سرّعت بوقف الحرب في لبنان

في نوفمبر 1986، نشرت مجلة لبنانية تقريرًا يفيد بأن الولايات المتحدة كانت تبيع أسلحة سرًا لإيران، مقابل إطلاق سراح رهائن أميركيين محتجزين لدى جماعات موالية لإيران في لبنان. والأبرز في القضية، أن عائدات مبيعات الأسلحة تمّ تحويلها بشكل غير قانوني إلى قوات “الكونترا” المناهضة للشيوعية في نيكاراغوا، حسبما أكدت مصادر إستخباراتية أميركية التقرير، وهذه كانت بمثابة “صدمة” للكونغرس.
هو شهر نوفمبر، وتحديدًا 26 منه ولكن من العام 2024، واللاعب هو الأميركي والإيراني، والأكثر أنّ الموضوع هو هو، قصة مختطفين. وكأن التاريخ يعيد كتابة أحداثه، رغم التغييرات في بعض سيناريوهاتها اليوم، لاسيما وأن المختطفين الإسرائيليين ومنهم أميركيون هم في قطاع غزة على أيدي جماعة موالية لإيران، وهي حركة حماس.
أعلن رئيس مجلس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الثلاثاء 26 نوفمبر، خلال خطابه المتلفز بأننا “نغيّر الشرق الأوسط” وهناك 3 أسباب لوقف النار مع لبنان الآن، وهي “التركيز على التهديد الإيراني، إراحة القوات وتجديد مخازن السلاح، كسر وحدة الساحات وفصل غزة عن لبنان“.
وكان نتنياهو قد أعلن بعد اجتماع المجلس الوزاري المصغر “الكابينيت”، عن الموافقة على وقف إطلاق النار مع لبنان، على أساس ما جاء في التسوية التي نصّتها الإدارة الأميركية عبر مبعوثها الخاص آموس هوكشتاين.
رفع نتنياهو السقف عاليًا، من خلال ما طرحه حول تغيير الشرق الأوسط، لاسيما وهو يخوض حربا دخلت عامها الثاني على سبع جبهات. وبحسب المنطق الذي طرحه نتنياهو، يتبيّن أن الحرب لم تنته رغم الهدوء على الجبهة الشمالية، وأن الوجهة العسكرية الإسرائيلية المقبلة ستتمحور على تطويق القوة الإيرانية الصاعدة، لاسيما في ما يخصّ عرقلة ملفها النووي.
يرسم الرجل صورة أشبه بـ”السوريالية” لليوم الثاني بعد وقف الحرب في لبنان، مرتكزًا على قناعة أن جيشه استطاع أن يفكّك وحدة الساحات التي بنتها إيران من خلال أذرعها في المنطقة. لكن ما أفادته القناة 13 العبرية، الاثنين 25 نوفمبر، من أن الحكومة الإسرائيلية زوّدت الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب بمعلومات مغلوطة، تفيد بمقتل معظم الرهائن في قطاع غزة، تجنبا للضغط عليها لإبرام صفقة مع حماس وحزب الله، غيّر معالم الصورة لدى نتنياهو، لا بل أيقظه من أحلام اليقظة.
◙ نتنياهو رفع السقف عاليًا، من خلال ما طرحه حول تغيير الشرق الأوسط، لاسيما وهو يخوض حربا دخلت عامها الثاني على سبع جبهات
"الصدمة" التي أصابت ترامب دفعت به إلى إعلان استيائه، حيث فوجئ الرجل بمعرفة أن “نصف المحتجزين في غزة ما زالوا أحياء”. هذه الصدمة غير المتوقعة وتّرت العلاقة بين نتنياهو وترامب، ونقل موقع “إكسيوس” عن ثلاثة أشخاص مطلعين قولهم إن الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ، عندما اتصل بترامب لتهنئته على فوزه في الانتخابات، أخبره بأن تأمين إطلاق سراح المحتجزين الـ101 “قضية ملحة“.
وأضافت المصادر أن هرتسوغ نقل رغبته أيضًا إلى الرئيس المنتهية صلاحيته جو بايدن عندما التقاه في البيت الأبيض في 11 نوفمبر، حيث طلب من الرئيس العمل مع ترامب بشأن هذه القضية إلى حين تولي الأخير منصبه.
من هنا، تبدأ القضية التي بدأت فصولها تتضح، لاسيما وأن الأمور أخذت مجرى معاكسًا للصورة التي رسمها نتنياهو للمنطقة. حيث بدأت الأحداث تتغيّر بطريقة واقعية مغايرة لأحلام هذا الرجل، وما توصل إليه المفاوض اللبناني، المتمثل في رئيس مجلس النواب نبيه بري، بالتنسيق التام مع المفاوض الأميركي، أتى لقطع الطريق أمام طموحات نتنياهو، والذهاب نحو حرب مفتوحة في المنطقة أي مع طهران.
لم يكن أحد ليتوقع أن تسير المفاوضات إلى خواتيمها بالطريقة التي حصلت، فهذا يؤكّد على مدى التنسيق التام في اللقاء البيضاوي الذي جمع الرئيس بايدن مع الرئيس ترامب في 13 نوفمبر. وإن طمأنة بايدن بتسليم السلطة “بسلاسة” إلى ترامب، شكلت كرة ضغط من قبل الإدارتين على نتنياهو وفريق حكومته من اليمين المتطرف للقبول بالتسوية.
لا يمكن إلا التوقف عند اعتبار نتنياهو أن “تجديد مخازن السلاح” هو من أبرز أسباب قبول الهدنة مع لبنان، لأن هذا يبرز مدى الضغط الأميركي في هذا الموضوع. وفي ظلّ خروج تسريبات أكّدت على رفع إدارة بايدن من مستوى التهديدات لنتنياهو، على مبدأ وقف تمويل حربه وتعطيل الجسر الجوي لتسليحه.
سارت الأمور بخلاف أحلام نتنياهو في ضرب مفاعيل إيران النووية، ذلك الهاجس الذي رافقه منذ عام 2012 مع إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما التي لم تتجاوب مع مطالبه. واليوم أيقظته من “أحلام اليقظة” إدارتا بايدن وترامب، اللتان تعملان على إخماد نيران المنطقة، لأنّ الاستعداد لمواجهة الصين يبقى هو الأبرز والأهم.
يتمايز ترامب عن سلفه بادين، لاسيما من جهة توتير العلاقة مع روسيا، والاستمرارية في تقديم الدعم العسكري واللوجستي لأوكرانيا، وهذا ما يقلق الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، لكنهما يلتقيان في العداء الواضح تجاه الصين، وإنّ في التعيينات التي قام بها ترامب لتشكيل فريق عمله في البيت الأبيض، أكثر من دلالة واضحة، بأن المرحلة القادمة هي مرحلة الصراع في جنوب شرقي آسيا، أي في بحر الصين الجنوبي وما أكد عليه ترامب من فرض ضرائب إضافية على السلع الصينية، كأول إجراءات سيوقّع عليها فور تسلمه زمام الأمور، سيشكل بداية الصدام المستقبلي بينهما.