صحافيو "بي.بي. سي" بالقاهرة يحتجون على ممارسات تمييزية بحقهم

القاهرة - دخلت أزمة العاملين في مكتب هيئة الإذاعة البريطانية (بي. بي. سي) في القاهرة منعطفًا جديداً مع بدء الإضراب الثالث في غضون ثلاثة أشهر احتجاجاً على الأوضاع “التمييزية” التي يتعرضون لها، ما وضع الصحافيين أمام احتمالات متباينة في ظل اتجاههم نحو المزيد من التصعيد الذي تقابله ردود فعل خشنة من جانب الإدارة في لندن، مثلما كان الوضع في الإضرابين السابقين.
ويختبر الإضراب الحالي، والذي بدأ الاثنين ويستمر عشرة أيام، قدرة الصحافيين والعاملين بمكتب “بي بي سي” في القاهرة على انتزاع حقوقهم وسط عدم تجاوب من الهيئة البريطانية مع مطالبهم، وتجاهلها للتصعيد السلمي، وترى بإمكانها إخماد غضبهم في ظل أوضاع صعبة يعانيها سوق العمل الإعلامي في مصر.
واحتج عاملون على ما يعتبرونه تدنياً في رواتبهم، وتدهوراً لأوضاعهم المعيشية، وسلوكاً تمييزياً تنتهجه المؤسسة بحقهم فيما يخص السياسات المالية.
وعلى الرغم من دخولهم في إضراب عن العمل إلا أنهم أكدوا “انفتاحهم على الحوار” مع إدارة الهيئة البريطانية، ودعوا إلى “اتخاذ خطوات جدية من أجل حوار بناء يحل الأزمة وينهي الممارسات التمييزية ضد مكتب القاهرة”.
وعلى عكس ما تُظهره هيئة الإذاعة البريطانية من حرص على حقوق العاملين لديها في عواصم مختلفة واستجابتها لأصوات تنتصر لتسوية المشكلات، يواجه العاملون في مكتب القاهرة حالة من الانسداد بشأن الحصول على تطور إيجابي يشير إلى إمكانية حل أزمتهم، وهو ما طرح تساؤلات عديدة حول موقف المحطة البريطانية من مكتب القاهرة الذي بدأ العمل فيه منذ حوالي عقدين.
وقال بيان صدر عن العاملين المضربين في مكتب القاهرة، ويبلغ عددهم 77 صحافيًا وعاملاً، “المؤسسة أضاعت فرصاً عديدة للتفاوض الجاد وإيجاد حلول خلال ثلاث جلسات عُقدت بين إدارة المؤسسة ونقيب الصحافيين المصريين في مقر النقابة، ولم تقدم المؤسسة خلالها أي خطوة جدية لحل المشكلات، واعتمدت على سياسة إضاعة الوقت والمماطلة للتهرب من الاستجابة لمطالب العاملين العادلة، ولجأت إلى إجراءات عقابية ضد العاملين بسبب مطالبتهم بحقوقهم عبر خصم أيام الإضراب من رواتبهم”.
وأكد نقيب الصحافيين المصريين خالد البلشي أن مواقف الهيئة البريطانية غير متوقعة وليست مفهومة، ومع أنها دخلت في تفاوض مع الصحافيين الذين أضربوا من قبل في مكتب اسطنبول بتركيا، إلا أنها ترفض الدخول في أي مفاوضات طالما استمر إضراب العاملين في مكتب القاهرة، ما يزيد الموقف تعقيدا.
وأضاف في تصريح لـ”العرب”أن التحركات التي تقودها نقابة الصحافيين لا تتوقف بحثًا عن حل، وأن إدارة الهيئة البريطانية تفاعلت مع الأزمة قبل الإضراب الثاني، لكنهم لم يقدموا حلا إيجابيا، ومع انتهاء الإضراب الثاني عبرت الإدارة عن رغبتها في التفاوض وقدمت عروضا يمكن وصفها بالسيئة للحل، وعمدت الهيئة الضغط على العاملين عبر الاستعانة بمحررين يعملون “كمراسل حر” والاتجاه لمكاتب أخرى لإنجاز أعمال مكتب القاهرة.
وأشار إلى أن إدارة بي بي سي لا تتعامل مع ما يحدث في مكتبها بالقاهرة على أنه حدث يستحق التوقف عنده، وهو أمر لا يتماشى مع قواعد الهيئة البريطانية ولم تعتد عليه، وذهبت إلى أبعد من ذلك حينما خصمت من رواتب العاملين أيام الإضراب الثاني الذي استمر ثلاثة أيام بالمخالفة للقانون، وهو ما يدفع نحو تقديم شكوى ضدها إلى مكتب العمل المصري والتوجه بشكوى أخرى إلى إدارتها.
الإدارة البريطانية ترى أن هناك أزمة في أوضاع الصحافة بمصر، وترى أنها تتعامل مع العاملين في مكتبها وفقًا لطبيعة السوق المصري
وكشف البلشي أن الصحافيين المضربين عن العمل يعتزمون مد إضرابهم الذي يستمر عشرة أيام لفترة مماثلة، حال لم تتم الاستجابة لمطالبهم، لافتا إلى أن العاملين في مكتب القاهرة سيخطرون إدارة الهيئة بالإضراب الجديد بعد أن أخطروا نقابة الصحافيين بالقاهرة.
وقد تحمل الأيام المقبلة جديداً مع انعقاد اجتماع داخلي بالهيئة البريطانية تزامنًا مع بدء الإضراب الثالث، لكن لم يتواصل أحد من جانبها مع النقابة المصرية حتى الآن.
وتشير حالة التعتيم والتجاهل من جانب إدارةبي بي سي إلى أن الأزمات التي لا تنتهي بين الهيئة البريطانية والحكومة المصرية قد تدفعها نحو مزيد من التشدد مع العاملين في مكتب الاقهرة، وربما يقود ذلك للتضحية بهم وإغلاق المكتب والاعتماد على مراسلين متفرقين، كما هو الحال بالنسبة لفضائيات ومكاتب إعلامية عربية وغربية لم تعد تعمل من القاهرة لخلافات مزمنة مع الحكومة.
وما يدعم ذلك أن الإدارة البريطانية ترى أن هناك أزمة في أوضاع الصحافة بمصر، وترى أنها تتعامل مع العاملين في مكتبها وفقًا لطبيعة السوق المصري، وهو ما يعني أنها تريد أن ترسل إشارات بأنها تتعامل مع موظفي مكاتبها المنتشرين حول العالم وفقًا للأوضاع السياسية في كل دولة.
وتعرضت الهيئة البريطانية لهجوم من جانب بعض وسائل الإعلام المصرية جراء تشددها في أزمة العمالة الحالية، وحضر ما يوصف بمواقفها التمييزية بين العاملين في بعض التقارير التي تناولت الموقف الراهن من الصحافيين المصريين بمكتبها.
وأوضح أستاذ الإعلام بجامعة قناة السويس (شرق القاهرة) حسن علي أن قدرة العاملين على الصمود في وجه التحذيرات المستمرة التي يتلقونها حاسمة بالنسبة لمستقبل مكتب الهيئة البريطانية في القاهرة، وأن الإضراب الحالي سيكشف إذا كانت الإدارة قادرة على مواصلة عملها من مصر عبر مراسلين ومذيعين من دول أخرى وإغلاق مكتب القاهرة، أم أنها ستكون مضطرة إلى الليونة والبحث عن حل للأزمة.
وذكرفي تصريح لـ”العرب” أن إدارة الهيئة في لندن لم تكن تدرك أن نقابة الصحافيين المصرين ستكون داعمة للإجراءات التي أقدم عليها العاملون في المكتب، وأن مجلس نقابة الصحافيين السابق لم يوفر الحماية الكاملة للعاملين في “بي بي سي” أو غيرها من الصحف المصرية، والتغير الحاصل حاليًا في مواقف النقابة المصرية يمنح قوة للجماعة الصحافية في مواجهة التجاوزات ضد أعضائها.
تدرس نقابة الصحافيين المصرية اتخاذ إجراءات من شأنها ممارسة ضغوط على الهيئة البريطانية، وتتجه نحو عقد اجتماع يحضره جميع أعضاء مجلس النقابة داخل مكتب “بي بي سي” في القاهرة، وتأسيس صفحة على مواقع التواصل الاجتماعي لدعم المضربين.
وناشد نقيب الصحافيين المتحدثين والمشاركين في أي برامج حوارية أو إذاعية مع منصات الهيئة البريطانية المختلفة بالتضامن مع موقف العاملين في مكتب القاهرة.
وشدد البلشي في تصريح لـ”العرب” على أن هذه الإجراءات تهدف إلى إنهاء حالة التعتيم التي تُصر عليها الهيئة البريطانية، بما يسهم في دحض إشارات سلبيةتحاول إرسالها عبر تعاطيها مع الموقف، تستهدف منها تهديد العاملين بمستقبلهم المهني.
وتصر بي بي سي على منح العاملين في مكتب القاهرة رواتبهم بالعملة المحلية (الجنيه)، ما اعتبره الصحافيون تمييزا ضدهم، لأن رواتبهم لا تتجاوز 20 في المئة من قيمة رواتب العاملين في المكاتب التابعة للهيئة في دول أخرى بالمنطقة، ولا تراعي مع تعرض له الجنيه المصري من انخفاض كبير أمام العملات الأجنبية.