صحافيون فلسطينيون ينتقدون الإعلام الإسرائيلي ويتخذونه مصدرا

تتصاعد الانتقادات داخل الوسط الإعلامي الفلسطيني بسبب اعتماده بشكل مكثف على النقل والترجمة من الإعلام الإسرائيلي لتحقيق سبق صحافي، حيث تأتي هذه الأخبار في إطار المصادر الرسمية ويتم التعاطي معها بمصداقية عالية، وتنتشر على نطاق واسع.
رام الله – يتهم الصحافيون والإعلاميون الفلسطينيون الإعلام الإسرائيلي بأنه مضلل ويتبع للمؤسسة العسكرية الأمنية الإسرائيلية، ورغم ذلك فإن المحتوى الإسرائيلي يحتل مساحة كبرى في وسائل الإعلام الفلسطينية على اختلاف أنواعها.
وتعتمد وسائل الإعلام الفلسطينية على النقل من الإعلام العبري في العديد من زواياها، وتخصص مترجمين من العبرية إلى العربية، كما يهتم عدد من الخبراء بنقل وتحليل مضامين بعض الأخبار والتصريحات للقادة الإسرائيليين.
وأثار تفشي هذه الظاهرة الجدل في الوسط الإعلامي الفلسطيني المحلي بشأن مدى المسؤولية الوطنية والمهنية والاجتماعية بمنح الأخبار الإسرائيلية مساحة واسعة في الإعلام المحلي الفلسطيني ونشر كل ما يقع تحت أيدي الصحافيين من هذه الأخبار، لتحقيق ما تعتبره بعض وسائل الإعلام “سبقا صحافيا”.
وقد يصل النقل إلى ترجمة مقالات الكُتاب الإسرائيليين ونقلها كاملة دون تعليق أي توضيح يتوافق مع الرؤى الفلسطينيّة.
وتضم معظم المواقع الفلسطينية الإخبارية زاوية للترجمات والأخبار الواردة في الإعلام الإسرائيلي، حيث تأتي هذه الأخبار في إطار المصادر الرسمية ويتم التعاطي معها بمصداقية عالية، وتنتشر على نطاق واسع دون وجود رقابة على المحتوى المنشور.
ويؤاخذ خبراء في الشأن الإسرائيلي وإعلاميون فلسطينيون على بعض المؤسسات الإعلامية العاملة في الأراضي الفلسطينية نشرها لجميع ما يَرد في الإعلام الإسرائيلي دون التأكد من الخبر عبر مصادره المتعددة، ودون تحليل مضمونه ونشره بطريقة مجردة.
ويقولون إن الخبر منذ نشره على المواقع الإخبارية الإسرائيلية تسارع جميع وسائل الإعلام الفلسطينية لنقله إلى منصاتها، وتبني عليه توقعات وحتى تعليقات من سياسيين وصناع قرار، الأمر الذي يساهم في إيصال الدعاية الإسرائيلية إلى الجمهور الفلسطيني في كل مكان وبجهد فلسطيني.
الإعلام الإسرائيلي يتمتع بمصداقية أعلى بالنسبة إلى المواطن باعتباره يملك مساحة حرية أكبر من الفلسطيني
ويتحدث صحافيون أن الفصائل الفلسطينية باتت تستقوي بالمصادر الإخبارية الإسرائيلية لمهاجمة بعضها الآخر، خاصة حماس وفتح، حيث تقتبس وسائل الإعلام التابعة لحماس ما تريد من الإعلام الإسرائيلي للنيل وتجريم الطرف الآخر لخدمة مصالح ذاتية، وهو ما ترد عليه فتح بنفس الطريقة، بالترجمة عن الإعلام الإسرائيلي.
ويطالب السياسيون والصحافيون الفلسطينيون على السواء بمقاطعة وسائل الإعلام الإسرائيلية، ودعت وزارة الإعلام الفلسطينية ونقابة الصحافيين إلى منع الظهور والتعامل والتعاطي مع وسائل الإعلام العبرية، إلا أن هذه القرارات والدعوات لم تلقَ استجابة من أصحاب القرار والقيادات الفلسطينية في مختلف الفصائل.
ولا يكاد يمر يوم دون ظهور شخصية قيادية فلسطينية أو مسؤول في السلطة الفلسطينية أو حتى مواطنين عبر القنوات العبرية بمختلف أنواعها.
ويقول الفلسطينيون الداعون للمقاطعة إن الظهور الفلسطيني في وسائل الإعلام العبرية يمنح إسرائيل ميزة على المستوى الدولي ويظهر حالة الضعف الفلسطيني ويروج من خلالها للرواية التي يريد أن يطرحها عبر شاشته التي لا تتوقف عن نشر كل ما تريده الحكومة الإسرائيلية.
ويستشهدون بالإعلام الإسرائيلي بأنه يراقب كل كبيرة وكل صغيرة تنشر في الإعلام الفلسطيني ولا ينقل جل ما يتداوله، بل ينقل ما يعزز جبهته الداخلية وما يتفق مع مبادئه ويستغل الثغرات الإعلامية، على عكس بعض المؤسسات الإعلامية الفلسطينية التي تنقل كل ما يأتي أمامها من أخبار إسرائيلية لتحقيق ما تعتبره إنجازات
صحافية.
في المقابل يرى البعض الآخر أنه من الغباء مقاطعة الإعلام الإسرائيلي بشكل كامل، بل يتوجب العمل على إعداد ناطقين باللغة العبرية ولديهم إلمام بالثقافة العبرية ليكونوا قادرين على إيصال الرسائل المطلوبة بما يتناسب مع المجتمع الإسرائيلي.
ويؤكدون على أهمية إعداد السلطة الفلسطينية ناطقين قادرين على مخاطبة الإعلام العبري والوسائل المختلفة بعيدا عن أسلوب الردح التقليدي المتبع خلال السنوات الماضية بطريقة احترافية وذكية تتناسب مع القضية الفلسطينية.

وتعتمد السياسة الإعلامية الإسرائيلية على إبراز بعض الأخبار وإخفاء البعض الآخر، حيث تفرض المؤسسة العسكرية تعميما إعلاميا على الحوادث التي تمس بأمنها وتحظر تداول ما تصرح به بعض الفصائل والاكتفاء بالرواية الرسمية وعدم إعطاء الخبر صدى كبيرا.
ويدرك الإعلام الإسرائيلي جيدا طبيعة الإعلام الفلسطيني ويعتمد عليه لنقل بعض الأخبار، حيث يضع العناوين التي تجذبه والمحتوى الذي من السهل نشره وتفشيه في الشارع ويمرر من خلاله ما يريد.
وحتى في ما يتعلق بالمواطن الفلسطيني فبالنسبة إليه وسائل الإعلام الإسرائيليّة تتمتّع بمصداقيّة أعلى باعتبار أن الصحافة الإسرائيليّة تملك مساحة حريّة أكبر من وسائل الإعلام الفلسطينيّة التي لم تسلم من الرقابة سواء في رام الله أو قطاع غزة.
وكان العديد من الصحافيين الفلسطينيين قد بادروا إلى دراسة اللغة العبرية، في سبيل الاطلاع على الأخبار بصورة أفضل والحصول عليها من مصادرها والاطلاع مباشرة على ما تنشره وسائل الإعلام العبرية.
ورغم أن العديد منهم كانوا قد أشاروا إلى أنهم اتخذوا هذه الخطوة لمعرفة ماذا يقوله الإعلام العبري، وتجاوز مرحلة ما يقولونه ليصلوا إلى القدرة على التحليل، إلا أنه في الواقع لم يتغير الكثير بالنسبة إلى الإعلام الفلسطيني وما يزال الإعلام العبري مصدرا رئيسيا للأحداث، خاصة المتعلقة بحوادث القتل والاشتباكات بين الجانبين، حيث تعتمد الأخبار بالمطلق على المصادر العبرية.