صباح الغضب

السبت 2015/03/28

نستمع لنشرات الأخبار مساء ونطّلع على مشاهد الدمار ونقرأ قوائم القتلى والجرحى والمهجرين والمشردين، ونحمد الله لأننا ما زلنا مختبئين في زوايا قوائم الموت أو على هوامشها وبأن شظاياه الطائشة تركتنا إلى أجل غير معلوم. هذا الأمر سرعان ما يتبدد مع بداية يوم جديد، ليعاود القلق عمله المعتاد في فرش أرصفة اللاشعور بالخوف والترقب وهو أمر لا مفر منه، لكن البعض لا يستسيغ مذاق الخوف هذا فيتحايل عليه بإفراغ شحنات غضبه عشوائيا على عباد الله الأبرياء الذين يتصادف وجودهم عند أول الصباح في المكان والزمان الخطأ.

ربة بيت رقيقة ترفع سماعة الهاتف الأرضي أو تفصل هاتفها الجوال عن شاحنه الساخن لتتصل بمقدم برنامج طبخ (شيف) وهي نصف نائمة، لتسكب فوق دهشته حصصا غير متساوية من السباب والشتائم مستخدمة ألفاظا سوقية باذخة تخترق مطبخه الأنيق وتحيل حمرة التفاح إلى سواد باذنجاني داكن، أما جارتها التي تسكن على بعد خمس بنايات ونصف ساعة من النوم القلق فسلاحها الفتاك قائمة من التهم الجاهزة التي تشكك في نظافة أدوات المطبخ التي يستخدمها المسكين وتضيف عليها رشة من سخريتها اللاذعة من بقايا الطعام الذي (شاط) سهوا في الإناء المقدس، كما يتصل جارها العربي الذي يقطن على مسافة قذيفة من حدود الخارطة الملاصقة لها ليفرغ شحنات غضبه في مقدمة برامج طبخ بريئة ويتهمها بالتفاهة وتضييع وقت المشاهد في أمور ثانوية، دون أن يتحمل -هو نفسه- عناء التقاط (الريموت كونترول) ليبتعد بشخصه الكريم عن الخوض في أمور تافهة ويختار ما يشاء من برامج الحوار السياسية بقنابلها الموقوتة لتطمين مزاجه المتعكر.

يخطئ من يعتقد بأن برامج الطبخ، التي تتسابق الشاشات العربية على تبنيها منذ فترة ليست بالقصيرة، هي مجرد لحظات استراحة قصيرة تمتد في الفراغ الواقع بين فترات بث طويلة مليئة بالأخبار والبرامج السياسية المملة التي لا تسترد وطنا ولا تمسح دمعة يتيم. هذه البرامج تسترعي اهتمام شرائح كبيرة في المجتمع من ضمنها الرجال والأطفال أيضا عدا فئة واسعة من النساء اللاتي يبحثن عن مساحة صباحية حرة ومفيدة لبداية يوم ناجح، حيث ذهبت نتائج أحدث الدراسات النفسية إلى أن هذا النوع من البرامج يسهم في تحسين المزاج الداكن وتلوينه، مشهد تحضير الطعام بذاته وابتسامة مقدم البرنامج المسترخية والخلفية الموسيقية الرائقة وخيال المشاهد الكسول الذي يترك أصابعه تعبث بحرية في مكونات الطبخة عن بعد والرائحة المنبعثة من زوايا التلفاز، بل والمذاق الاعتباري للألوان المستلقية بدلال في الطبق بصورته النهائية.

البث مباشر في هذه النوعية من البرامج التي تعتمد على التفاعل بين الجمهور ومقدمي البرامج، يتم توظيفه في الأساس كمساحة حرية لتبادل وجهات النظر (المطبخية) بين طرف واضح يظهر داخل حدود الشاشة الفضية وطرف آخر شبه افتراضي يقبع في الظل من الطرف المقابل، في انتظار تلقي نصائح مجانية بنفس راضية. فماذا يحدث إذا لم تستجب بعض النفوس البشرية الأمارة بالسوء إلى جلسة التنويم المغناطيسي هذه؟ وكيف تفشل كل دفاعات القائمين على قنوات أهل الطبخ في ترويض ذئاب الكراهية والعنف اللفظي غير المبرر، الذي يطلق سهامه مشاهدون لم يغسلوا النعاس جيدا من وجوههم الغارقة في ظلمة الليل؟

21