صالون الفنّ والصداقة بمراكش.. الحلم والإبداع بصفة جماعيّة

الرسم والفنّ يرتبطان بالمشاعر والذاكرة البصريّة التي ينميها السفر والقراءة ومن تجارب الآخرين ومعارفهم الفكريّة، إذ يتخفّف الفنّان من التخطيطات والالتزامات المعتادة مما يساهم في تطوير تجربته.
الجمعة 2019/11/15
خلق مُشترك دون حواجز أو خلفيّات أو إدّعاءات

مراكش ـ انتظم بين 3 و10 نوفمبر 2019 في مدينة مرّاكش صالون الفنّ والصداقة، وهي تظاهرة فنيّة تشكيليّة جمعت فنّانين من المغرب ودول عربيّة وأجنبيّة أخرى داخل إقامة فنيّة خاصة.

من بين أهمّ الأسماء المشاركة: علي رشيد من العراق والذي كان ضيف شرف الدورة الأولى، محمّد العامري من الأردن، عبداللّه الهيطوط وفؤاد الشردودي وبشير آمال وعزيز أزغاي وشفيق الزوغاري وعبدالعزيز لغراز من المغرب، نجاة الذهبي ومحمّد أمين بن حمّودة من تونس، عادل يوسف من أذربيجان وبندورا من مقدونيا وغادة الحسن من السعوديّة. 

نُظّم هذا الصالون بمبادرة شخصيّة من الفنّانة المغربيّة منية بوطالب ومساعدة الفنّان المغربي بشير أمال.

 وفي محاولة لتغيير مفهوم السامبوزيومات التجاريّة التي يتمّ تنظيمها في الوطن العربي، تمّ تنظيم جلسات حواريّة بين الفنّانين المشاركين والذين يتميّزون بامتلاكهم لمواهب أخرى في الشعر والنقد والفلسفة.

 تقول منية بوطالب «أردت من هذا الصالون أن يكون لقاء عفويا بين الفنانين لذلك اعتمدت في اختيار الأسماء على علاقات الصداقة التي تجمعهم في الواقع، وقد ساعدني في ذلك الفنان العراقي علي رشيد والمغربي بشير أمال. ساعدني هذا الصالون على تطوير تجربتي الفنية بدليل العمل الذي أنجزته والذي يختلف تماما عن ممارستي التشكيلية السابقة. فكلّ ما يعنيني هو التركيز على مفهوم المشاركة والخروج من الفضاءات المغلقة والمنعزلة، يكفينا ما يحدث في العالم من شرّ ولنتشارك حبّنا للفنّ، كلّ بطريقته الخاصة».

في محاولة لتغيير مفهوم السامبوزيومات التجاريّة
في محاولة لتغيير مفهوم السامبوزيومات التجاريّة

أثّثت الصالون جلسات حواريّة كان أهمّها جلسة حول «واقع الحروفيّة العربيّة» بحضور حروفيين مغاربة مهمين كمحمد بستان الذي تحدّث عن تجربته الصوفيّة بالحرف والمعنى، وكيف طوّر صوره المدمّرة للكتابة العاديّة للدخول في عوالم الحلاّج الغيبيّة.

كما أدار الفنّان والكاتب المغربي حسّان بورقيّة جلسة حواريّة بعنوان "ما هو الإبداع الفنّي؟ وكيف نبدع" ويستشهد بالمقولة الشهيرة لنيتشه "لقد اخترعنا الفنّ لكي لا نموت من الحقيقة"، مُبيّنا أهميّة القراءة في التاريخ والتعرّف على التجارب المتفرّدة للمبدعين علّنا ندرك معنى وجودنا.

 تطرّق بورقيّة إلى عظمة الشعر والشعراء ومكانة بدر شاكر السياب وأبوالقاسم الشابي في الشعر الحديث وأهميّة النظر بعمق إلى جذور الفنّ ومراجعه التاريخيّة، يقول «لو طُلِب منّي يوما أن أشرب قوام عمل ما لقلت مع الشاعر التونسيّ أبوالقاسم الشابي، يجب فهم ما نعيشه اليوم من فنون من خلال الرجوع باستمرار إلى المحدثين والقدماء، فلا وجود لما يسمى بالقطيعة الفنيّة بل هناك تطوّر، من الضرورة الاستئناف بالنظر في الفنون تاريخيّا ثم الاستمرار بالرؤية إليها في المستقبل، من الضرورة النظر في أعمال رافييل وشيريكو وكارافاج وميكال انجلو وغيرهم، ثمّ رؤية النور المتأتي من الماضي، ذلك النور الوحيد والحقيقيّ».

يذكّرنا هذا الصالون بتلك الصالونات الأدبيّة التي نشأت بداية عصر النهضة في أوروبا، وتواصلت كتقليد مثمر ومنتج لحوار بين مبدعين نتجت عنها حركات فنيّة وأدبيّة أهمّها التيّار السرياليّ الذي بدأ بعد اجتماع كتّاب وفنّانين حول فكرة واحدة مجنونة. ترتكز فكرة صالون «الفنّ والصداقة» على جمع مجموعة من الفنّانين التشكيليّين لمدّة معيّنة وداخل فضاء حميميّ يسمح لهم بتبادل خبراتهم ونقاش قضايا مشتركة تهمّ الفنّ التشكيلي العربي والعالمي. وقد قام الفنانون خلال الإقامة بزيارات منظمة إلى أروقة فنيّة مختلفة للاطلاع على الحركة التشكيليّة المغربيّة المعاصرة بمرّاكش، وتجدر الإشارة أيضا إلى المبادرة الواعدة التي قام بها صاحب رواق  Designe&C، حيث سيقع تنظيم معرض جماعي يضمّ كامل اللّوحات التي أُنجزت خلال الملتقى وذلك في شهر ديسمبر 2019.

تركيز على مفهوم المشاركة والخروج من الفضاءات المغلقة والمنعزلة
تركيز على مفهوم المشاركة والخروج من الفضاءات المغلقة والمنعزلة

يثبت هذا اللقاء أنّ الرسم والفنّ يرتبطان بالمشاعر والذاكرة البصريّة التي تتغذّى بالسفر والقراءة ومن تجارب الآخرين ومعارفهم الفكريّة، إذ يتخفّف الفنّان من التخطيطات والالتزامات المعتادة مما يساهم في تطوير تجربته وسط تبادل جدّي وتشارك صادق.

يختبر المشاركون طبيعة وظروفا جديدة فيسمح العمل مع مجموعة فنّانين بنفس الوقت باختبار مشاعر مختلفة وممارسة مجموعة من التقنيات الجديدة والأساليب المغايرة، مع اكتساب القدرة اللاّمشروطة على الانفتاح العفويّ وسط فضاء مغاير عن المرسم الخاص والمغلق.

رفع الفنّانون المشاركون شعار «لنحلم ونفكّر ونبدع بصفة جماعيّة»، وخلق مُشترك دون حواجز أو خلفيّات أو ادّعاءات.

يقول الفنّان فؤاد الشردودي في تصريحات لـ"العرب" «أؤمن أنّني كائن بسيط عليه أن يؤدي رسالته الخاصة في هذه الحياة دون تعقيدات ثمّ يَمُرّ، ليس علينا أن نكون كاملين بل يكفي أن نتقبّل أقدارنا ونستثمر فيها بسلاسة وتلقائيّة: بكلّ بساطة أنا ابن هذا الكون، أنا وليد هذه اللحظة، أنا أعيش هذه اللحظةُ».

لقاء عفوي بين الفنانين
لقاء عفوي بين الفنانين