صالون أقلام الثقافي يسعى لاستكمال مسيرة صالون العقاد الشهير

منبر فكري وثقافي لاكتشاف وصقل المواهب وتبادل الفكر والخبرات.
الثلاثاء 2023/11/28
فرصة حوارية جادة ومثمرة للمنتج الأدبي والثقافي

تمثل الصالونات الأدبية مجالا هاما لصقل المواهب وتحفيز المبدعين وخلق جو من النقاشات المثمرة التي تضيء على التجارب الأدبية والفكرية، وتساهم في خلق جو من التثاقف والاحتكاك بين مختلف التوجهات، ومنها ظهرت أسماء أدبية هامة على مر التاريخ، وفي محاولة لاستعادة دور هذه الصالونات التي تراجعت اليوم، تأسس مؤخرا في مصر صالون أقلام الثقافي.

عرف المشهد الثقافي المصري قديما وحديثا الصالونات الأدبية والمقاهي الثقافية وأيضا الجماعات الأدبية، وقد انتشرت على نطاق واسع خلال القرن العشرين وذلك بمشاركة المئات من الأدباء والنقاد والمثقفين والكتاب والإعلاميين، وأخذت أسماء مختلفة، أسماء كثيرا ما كانت تحمل اسم مكان التجمع أو الشخصية التي تستضيف اللقاءات.

ومن بين هذه الصالونات التي اشتهرت صالون مي زيادة، وصالون عباس محمود العقاد، وكازينو بديعة ومقهى ريش حيث كان يلتقي نجيب محفوظ وعدد من الأدباء، ومقهى الندوة الثقافية التي كان يجتمع فيها الناقد فاروق عبدالقادر مع عدد من الأدباء والمسرحيين، ومقهى ريكس بشارع عمادالدين التي جمعت “جماعة نصوص 90” وضمت نقادا وأدباء، وندوة الروائي محمد جبريل التي كان يقيمها بجريدة المساء التي تميزت باستقبالها للأدباء الشباب، وندوة جماعة فجر التي ترأسها الشاعر يسري العزب والقاص عبدالعال الحمامصي والكاتب محمد السيد عيد، وأيضا صالون الفنانة التشكيلية لوتس عبدالكريم.. وغير ذلك الكثير.

الصالونات الأدبية

نشأت المصري: صالون أقلام نعتبره امتدادا لصالون العقاد الذي ترك بصمة
نشأت المصري: صالون أقلام نعتبره امتدادا لصالون العقاد الذي ترك بصمة

“صالون أقلام الثقافي” الذي انطلق منذ ما يقرب من عام بتأسيس من الروائي نشأت المصري والناقد الأكاديمي حسن علي دبا وعدد من النقاد والأكاديميين والإعلاميين، يشكل حلقة في سلسلة طويلة اشتهرت ليس في مصر وحدها ولكن عربيا وعالميا، تستهدف لقاءات الأدباء والنقاد والمثقفين والمفكرين وتتم خلالها مناقشة كافة مجالات الإبداع من شعر وقصة ورواية وفن تشكيلي ومسرح فضلا عن القضايا الفكرية والثقافية العامة.

صالون أقلام الذي ينعقد دوريا في نقابة الصحافيين السبت الأول من كل شهر يتجاوز أعضاؤه المؤسسون خمسين عضوا من نخبة الأدباء والصحافيين والأكاديميين والإعلاميين، وهو يمثل أفقا قيميا متميزا في المشهد المصري في ظل الأوضاع الراهنة التي تكاد تغفل دور الأدب والفكر والثقافة.

ويقول الروائي نشأت المصري “عندما بدأت فكرة صالون أقلام كان أمامنا تاريخ طويل يمتد عبر أمم عدة منذ العصور القديمة حتى اليوم، وبغض النظر عن الأصل اللاتيني لكلمة ‘صالون’، فإنه شكل في العرف الأدبي والثقافي المكان الذي يستضيف مجموعة من الشخصيات البارزة والمهمة ليتبادلوا الرأي حول مختلف قضايا الفكر والمعارف والفلسفة والأدب”.

ويوضح أنه عبر التاريخ في أذهاننا أن نشأة حركة الصالونات الثقافية تواكبت مع حركة النهضة في إيطاليا في القرن السادس عشر دون أن يكون اسمها صالونات، بل كانت أماكن يحتضنها متنفذون وميسورون من الطبقة الأرستقراطية ترعى وتتبنى الحركة الأدبية والفنية، وتطورت الحركة في إيطاليا لتنتقل وتنتشر في فرنسا، وكان هذا في القرن السابع عشر ويعتبر أقدم صالون عرفته الوثائق التاريخية في فرنسا هو صالون “فندق رومبيو”، القريب من قصر اللوفر في باريس.

ويضيف “أما لدينا فيمكن اعتبار أن المجالس الأدبية ترسخت في زمن ازدهار الحضارة الإسلامية، ممثلة لتلك الصالونات، حيث كان الشعراء يدبجون القصائد في مدح الملوك والأمراء مثلما أسس سيف الدين الحمداني مجلسه الذي كان يضم الشاعرين المتنبي وأبوفراس الحمداني”.

حسن علي دبا: صالون العقاد كان يمتد لعدة ساعات من المناقشات المتبادلة
حسن علي دبا: صالون العقاد كان يمتد لعدة ساعات من المناقشات المتبادلة

ويتابع “ثم إذا ألقينا نظرة على مجالس العصر الأموي كمجلس المأمون ومجالس العصر العباسي، لوجدنا زادا كبيرا، ثم يأتي مجلس الشاعرة الولادة بنت المستكفي في الأندلس حيث عرفت بإنشاء صالون أدبي يضم نخبة من الشعراء كابن زيدون. ومن قبله في المشرق العربي كان في المدينة المنورة، وذلك في عهد الدولة الأموية صالون أسس على يد السيدة سكينة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم وهي التي أحبت المجالس الأدبية، وأجازت كبار الشعراء في عصرها؛ جرير والفرزدق. كانت ندوة السيدة سكينة تجمع الشعراء والنابغين ممن يحبون فن القول الأدبي”.

ويلفت الأكاديمي حسن علي دبا إلى أنه “في عالمنا العربي المعاصر اقترن تاريخ الصالون الأدبي الأشهر بالأديبة اللبنانية مي زيادة – ماري إلياس زيادة – وهي كاتبة مبدعة، عاشت في النصف الأول من القرن العشرين، وقال عباس محمود العقاد عن هذا الصالون ‘لو جمعت الأحاديث التي دارت في ندوة الثلاثاء لتألفت منها مكتبة عصرية'”.

ويقول “كانت مي زيادة تنظمه بمنزلها كل ثلاثاء، واستمر ما يقارب العشرين عاما، وتميز بالتنوع في قضاياه الفكرية، والشخصيات التي تشارك فيه، كالأزهري مصطفى عبدالرازق، بمشاركة معارضه الأكبر في الفكر شبلي شميل صاحب المذهب الدارويني، وكذلك كان الحال مع الشاعر والأديب مصطفى صادق الرافعي، وعباس محمود العقاد، وهو الأمر الذي جعل طه حسين يصفه بأنه صالون ديمقراطي، وأيضا كان من أبرز المشاركين أمير الشعراء أحمد شوقي، وعبدالعزيز فهمي، وخليل مطران”.

ويقول دبا إن “المفكر والأديب عباس محمود العقاد كان يعقد صالونه الثقافي، في صباح كل جمعة، في بيته بمصر الجديدة، حيث يمتد لعدة ساعات من المناقشات المتبادلة، حول الكثير من القضايا الفكرية والفلسفية والنقدية، وذلك بحضور العديد من الشخصيات البارزة وجماعات المثقفين أمثال أنيس منصور، محمد طاهر الجبلاوي، عبدالحي دياب، طاهر الطناحي، عبدالرحمن صدقي، وقد كتب أنيس منصور عن هذا الصالون كتابا تحت عنوان ‘في صالون العقاد كانت لنا أيام’ والذي يعد مرجعا لقضايا تلك الفترة”.

ويؤكد نشأت المصري أن الصالونات الأدبية والثقافية هدفت على مر التاريخ إلى تهيئة فرص التلاقي بين أهل الصنعة الأدبية والثقافية لتبادل المعرفة التي تقدح الأذهان وتناقش القضايا، وعرض حصاد إصدارات الفكر بقدر كبير من الحرية والدقة.

امتداد لصالون العقاد

الصالونات الأدبية والثقافية توفر فرصا للتلاقي بين أهل الصنعة الأدبية والثقافية لتبادل المعرفة ونقاش أهم القضايا

يوضح المصري أنه وسط هذه الأجواء كان تطلعنا إلى إنشاء صالون أقلام الثقافي بشراكة مع نقابة الصحافيين، فكان أن بدأ برفقة الأكاديمي حسن علي دبا أستاذ النقد والثقافة والعلوم الإنسانية في تأسيس الصالون، وكان أمامهم هذا التاريخ الذي هم حلقة من حلقاته، وكان عليهم أن يفكروا ويتساءلوا: هل نحن حلقة من حلقات هذا التاريخ أم أننا نبتة متفردة؟

ويضيف “كانت إجابتنا أننا حلقة من الحلقات التي نؤدي فيها دورنا في مسيرة الأدب والنقد والثقافة. وهكذا جاء صالون أقلام ليشكل منبرا فكريا ثقافيا لاكتشاف وصقل المواهب وتبادل الفكر والخبرات في ضوء الرؤية العلمية في النقد الأدبي والثقافة المعاصرة. وحيث إن كلا من الأكاديميين إبراهيم عوض أستاذ النقد الأدبي بكلية الآداب بجامعة عين شمس، ووائل السيد علي أستاذ الأدب والنقد بكلية التربية بجامعة عين شمس، يعدان من أعمدة الصالون فقد اقتربنا في وضع تصوراتنا حول أعمال الصالون لنكون قريبين من صالون الأديب عباس محمود العقاد”.

ويتابع المصري “الصالون تأسس في نقابة الصحافيين واستقبلنا كل من جمال عبدالرحيم أمين عام مجلس النقابة ومحمود كامل رئيس اللجنة الثقافية بالنقابة ورحب كل منهما بأنشطة الصالون، واعتبرناه امتدادا لصالون العقاد الذي ترك بصمة عالية القيمة في مسيرة الأدب والثقافة في عقود القرن الماضي، فلماذا لا نكون امتدادا له في اعتزاز بحضارتنا وقيمنا، وبيننا هذه الكوكبة من النقاد والأعلام”.

وحول طبيعة المناقشات يوضح المصري “في لقائنا الشهري الذي يتم في السبت الأول من كل شهر، نعرض لتجربة السنوات الممتدة من عقل وفكر أحد الحاضرين وقد استمعنا إلى موجز لرحلة الأكاديمي وائل السيد علي العلمية وبدايات التلقي، كما استمعنا قبله لرحلة الأكاديمي حسن علي دبا في مزاوجته بين العمل في الجامعة والعمل الصحفي ومنتجه العلمي. وفيما تم وضع خطط للصالون فقد درجنا على أن نستمع للتجارب الأدبية والثقافية لأحد أعضاء الصالون وضيوفه، سواء أكان التجربة مغامرة صحفية أو عملا أدبيا من قصة أو رواية أو قصيدة، بعدها يقوم الزملاء النقاد والأدباء بمناقشة هذا الإبداع وإلقاء الإضاءات النقدية والرؤى حوله”.

ويخلص إلى أن ما يتميز به صالون أقلام أنه يشكل فرصة حوارية جادة ومثمرة للمنتج الأدبي والثقافي بإحاطة علمية من كل من النقاد الثلاثة الذين يلقون برؤاهم حول ما يلقيه عدد متميز من الأدباء والشعراء، إلى جانب خبرات جيل من الرواد الأدباء والشعراء الذين يمارسون إبداء وجهة نظرهم في ما يعرضه أعضاء الصالون من المبدعين. وإضافة إلى ما يضمه الصالون من أرباب القلم من الشعراء والأدباء والمفكرين فإن جمعا منهم هم أعضاء في نقابة الصحافيين وهم أصحاب مهنة الكتابة، ربما يربو عددهم على العشرين، مما يجعل للصالون تميزا ربما لا يتوافر لدى صالونات أخرى.

13