صالح الفوزان سينمائي سعودي مسيرته درس للأجيال الجديدة

بين الرياض والقاهرة وأوروبا خاض الفوزان مسيرة حافلة بالإنجازات.
السبت 2024/02/24
صالح الفوزان احتك بأبرز نجوم السينما العربية

تشهد السينما السعودية طفرة كبيرة في الإنتاج والاهتمام الرسمي بها والدعم الذي تلقاه، لكنها ليست وليدة اليوم، هناك أجيال من السينمائيين السعوديين الرواد الذين تحدوا الظروف الصعبة لتمهيد الطريق لولادة السينما السعودية ومن بينهم المخرج والمنتج صالح الفوزان، الذي تعتبر مسيرته بمثابة الدرس.

مسيرة حافلة بالإنجازات تكشف مغامرة فريدة من نوعها في تاريخ علاقة السعوديين بصناعة الأفلام يمثلها المنتج والمخرج السينمائي السعودي صالح الفوزان، الذي كان الوسط السينمائي المصري في منتصف الثمانينات نقطة انطلاقه، حيث عايش تحديات إنتاج السينما عن قرب، وفي كافة مراحلها؛ من التمويل إلى بناء المشروع إلى التفاوض مع النجوم وفريق العمل، وإدارة عمليات التوزيع في صالات السينما وانتهاء بالمشاركة في المهرجانات السينمائية.

هذه المسيرة قدم خلالها الفوزان أكثر من 35 فيلما مع أهم نجوم السينما العربية والمصرية وصناعها، هذا فضلا عن العديد من النتاجات المسرحية والدرامية التلفزيونية، وهذا الكتاب “صالح الفوزان.. السينمائي المهاجر” الذي أعده وشارك فيه الناقد السينمائي عبدالستار ناجي، وصدر عن دار جسور بالتعاون مع مهرجان أفلام السعودية الذي تنظمه جمعية السينما بشراكة مع مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي “إثراء”، يشكل رؤية احتفائية تتحاور مع سيرة ومسيرة الفوزان الإنسانية والفنية السينمائية وتقرأ وتحلل أعماله.

شارك في الكتاب مجموعة من النقاد والإعلاميين السينمائيين والفنانين العرب هم: رجا ساير المطيري، زياد الخزاعي، الهادي خليل، سيد محمد سالم، أحمد العياد، سعد المسعودي، صادق بهبهاني، طارق البحار، بسام محمد الذوادي، عبدالعزيز الصايغ، عمار زينل، محمد بوغلاب، حياة الفهد، نبيلة عبيد، مريم الصالح، عبدالمحسن الخلفان، فتحي الخراط.

مخرج متحد

الفوزان انتصر في أفلامه التي أنجزها إلى ما يسميه صناعة الوعي الجمعي الذي تساهم به السينما بقدراتها المؤثرة
الفوزان انتصر في أفلامه التي أنجزها إلى ما يسميه صناعة الوعي الجمعي الذي تساهم به السينما بقدراتها المؤثرة

يرى الناقد رجا ساير المطيري أن التجربة العملية الميدانية المهمة التي عايشها الفوزان في القاهرة لمدة عشر سنوات، ستضاف إليها لاحقا تجربة أهم على مستوى الوعي السينمائي، أو مثلما يصفها الفوزان نفسه “مرحلة الهداية”، والتي اكتشف فيها بعدا جماليا وفلسفيا للسينما، يتجاوز ما عايشه مع الأفلام التجارية في مصر، ليبدأ حينها، في منتصف التسعينات، رحلة التعلم الذاتي والاكتشاف والمعرفة، ومشاهدة السينما الفنية، فتعرف على أفلام بيرغمان وتاركوفسكي وبيلا تار، واقترب من مخرجي مهرجان كان السينمائي، وقرأ نظريات جيل دولوز، ثم بدأ بتعلم كتابة السيناريو في بلجيكا، والتحق بورش عمل نوعية، وكل ذلك في منتصف التسعينات، وقبل مجيء الألفية الجديدة التي سيتشكل فيها التيار السينمائي الشاب في المملكة العربية السعودية.

ويشير المطيري إلى أن صالح الفوزان كان رائدا سينمائيا بامتياز، وظهر في زمن صعب لا يدعم ولا يستسيغ اشتغال فنان سعودي في مجال غير مرحب به مثل السينما، وقد جاء فيلم “سنين الرحمة” ليؤكد هذه الريادة، فعندما قرر كتابة وإنتاج وإخراج هذا الفيلم لم تكن المملكة العربية السعودية قد جربت إنتاج فيلم سعودي طويل داخل البلاد، سوى مع الفنان سعد خضر عام 1980، مع فيلم “موعد مع المجهول” الذي تم تقسيمه إلى حلقات تلفزيونية ولم ينل فرصة العرض، لذا كان “سنين الرحمة” في الطريق إلى أن يصبح أول فيلم سينمائي سعودي طويل يجري تصويره داخل المملكة، ومخصص للعرض في المهرجانات السينمائية، لكن الرياح جرت بما لا يشتهي الفوزان، وتعثر المشروع حتى هذه اللحظة.

ويقول إن قصة إنتاج فيلم “سنين الرحمة” بتعثراتها وخيباتها، هي لوحدها تجربة مهمة تكشف عن واقع الإنتاج في المملكة قبل رؤية 2030، وجدير بنا دراستها جيدا لاستخلاص العبر من التحديات التي واجهت الفوزان وحالت دون تحقيق حلمه. وهي تشبه بشكل ما تجربة المخرج أليخاندرو خودوروفسكي مع الإنتاج المتعثر لرواية Dune والتي رصدت في الفيلم الوثائقي Jodorowsky Dune، فمن جهة هناك شغف من الفوزان تجاه حكاية “سنين الرحمة” والعوالم التي تسبح فيها، ومن جهة ثانية كفاحه لإنتاج الفيلم وسط ظروف صعبة، بدءا من رحلة التمويل المضنية، مرورا باجتماعات كتابة السيناريو، وانتهاء برحلاته إلى قرى ومحافظات منطقة الرياض للبحث عن مواقع تصوير للحكاية التي ترصد تحولات المجتمع السعودي.

ويرى الناقد زياد الخزاعي أن نصي الفوزان الروائيين “سنين الرحمة” و”رطرط” (2017) يبقيان كرؤية سينمائية مسيسة مكتوبة بتلك الروح الشابة المصرة على الابتعاد عن التصنيف العمري. فكر الفوزان بعمليه وكتبهما واحتفظ بهما واستأنس بآراء آخرين ممن اطلعوا على متنهما، وهو غارق بيفاعة مبطنة، مدسوسة، لجوجة ومحاربة قادته، وكذلك النصين، إلى أقانيم تاريخية لبلاد ضاربة في التاريخ وعراقته، لكنها بدأت أطوار التأسيس والتحديث في وقت متأخر، وها هي اليوم تستعجل الدخول بقوة، وبتسبيق وتنسيق دولة، منظمين إلى حقبة ما بعد القطبية الواحدة، وتجليات انهيارها الحاصل منذ العام 2022 والتي أطلقت خلالها الحرب في أوكرانيا أوارها من دون تريث أو حسابات تأن إستراتيجي.

ويقول “انتصر الفوزان في متني العملين إلى ما يسميه بـ’صناعة الوعي الجمعي’ الذي تساهم به السينما كقدرة وأهمية، موجها اهتمامه فيهما إلى ‘إشكالية جوهرية في تاريخ المجتمع السعودي خلال تحوله من البداوة والقروية إلى المدنية’، تتمثل بلعنة الحداثة التي تنال بعسف من علاقة البطلين الأخوين إبراهيم وعبدالرحمن، كوجهي تفاعل متضاد، يقبل الأول بشغف على تعلم القراءة والكتابة لينجو من ذلك الجمود المبرمج، وكأنه يعلم أنهما السلاح الوحيد الذي سيصبح فاعلا في مستقبل البلاد، فيما يبقى الثاني أمينا لطريق محافظ مرتهن إلى نسيج حياته منذ الصبا على منوال ثابت، مفضلا العمل في مزرعة أبيه على مواصلة التعلم في الكتاتيب”.

ويضيف “الخياران قابلان لتأويل مرن في ما يتعلق بسيكولوجية كل منهما، ذلك أنهما صنيعا تغيير سوسيولوجي عارم، حيث إن إبراهيم كذات باحثة عن مكان معتبر في مجتمع مستقبلي، يتخذ من الكهرباء سلاحا لانخراطه في الحداثة، قبل أن تخطف منه ولده راكان بصعقة قاتلة، تفتنه ليتدرج في تخصصاتها، وبالذات نورها الذي يفتح السبيل لرقي مجتمعي يقف ضد فطرة لن تقوى على عناد البقاء، أمام فتوحات تكنولوجيا الطاقة الشمسية، كإشارة عن رحمة ربانية مستمرة تنقل مجتمعا قرويا وبدويا إلى كينونة مجتمعية متنورة”.

مسيرة فنية

خخ

في حوار له مع الهادي خليل يقول الفوزان إن “في سن الثالثة والعشرين من عمري، أي سنة 1979، أسست محلا لبيع أشرطة الفيديو في حي الشميسي في الرياض، كانت أغلب الأفلام مصرية

وأميركية وهندية، وسرعان ما تحولت من بائع بسيط لموزع للمملكة. في هذا السياق، قمت بتوزيع قرابة 200 فيلم مصري، في الفترة الممتدة من سنة 1982 إلى 1985. لقد كان هناك طريقتان للحصول على الأفلام، إما القرصنة وإما اقتناء حقوق الفيلم”.

ويضيف “في هذا الصدد، كانت الكويت الوجهة المفضلة بفضل مرونة قوانينها المنظمة للقطاع. كنت أبيع للتلفزيون السعودي بعض المنوعات والمسرحيات والمسلسلات التي أمتلك حقوق بثها. كنت مستمتعا بحياتي وكانت المداخيل تفي بالغرض. لكن في قرارة نفسي لا أريد أن أصبح تاجر أفلام ولا أن أبقى جاهلا. لذلك قررت أن أسافر للدراسة في الولايات المتحدة الأميركية، حيث درست العلوم السياسية والاجتماعية. لكن لم أكمل الدراسة. خلال هذه الإقامة التي دامت سنة كاملة، زرت ديزني لاند وهوليوود حيث رأيت الأستديوهات التي يتم فيها تصوير أفلام رعاة البقر وصنع الخدع السينمائية”.

ومن أميركا إلى مصر يضيف الفوزان “بعد أن وزعت أفلاما مصرية عديدة، راودتني فكرة خوض تجربة في مصر مدارها التوزيع والإنتاج. رحلت إلى مصر سنة 1985 وقضيت هناك 15 سنة قمت أثناءها بإنتاج 34 فيلما سينمائيا طويلا. كانت أغلبها أفلاما تجارية، مع العلم أن كلمة ‘تجاري’ في نظري ليست كلمة سلبية. كل تلك الأفلام التي أخرج بعضها مخرجون كبار كحسين كمال، عاطف سالم، علي عبدالخالق، وأدى الأدوار فيها ممثلون وممثلات يحظون بسمعة جيدة، على غرار أحمد زكي، فاروق الفيشاوي، يحيى الفخراني، عزت العلايلي، أحمد مظهر، معالي زايد، نبيلة عبيد، شريهان، رغدة، إلهام شاهين والقائمة تطول. كل تلك الأفلام أتبناها ولا أخجل منها”.

ويتابع “الشيء الوحيد الذي ندمت عليه خلال هذه الرحلة إلى مصر أنني لم أتمكن من إخراج فيلم مع الراحل توفيق صالح الذي كنت على صلة متينة به، وكان، في نظري، من أفضل المخرجين المصريين والعرب. كان توفيق صالح شغوفا بالسينما مسكونا بأفكار وقادة، لكنه كان مقيدا بعوائق داخلية وموضوعية. على ما أعتقد، كان ضحية الشك في عدم قدرته على إبداع أفلام أخرى تضاهي الأعمال الفنية المتميزة التي أنجزها مثل ‘يوميات نائب في الأرياف’ و’المخدوعون'”.

ويشير الناقد طارق البحار إلى أن من أبرز الأفلام التي قدمها صالح الفوزان في نظره فيلم “ديك البربري” وفيلم “الحب والرعب” و”رغبات” التي حققت أرباحا عالية في مصر والعالم العربي والغربي، بالإضافة إلى الكثير من الأفلام التي حقق بها الفوزان الجوائز والتكريمات الأوروبية السينمائية.

خخ

ويقول “جاءت دراسته للإخراج كحاجة مهمة لمسيرته الفنية، خصوصا بعد الاحتكاك الطويل مع الأفلام وإنتاجها، وصولا اليوم إلى تواجده في كل المهرجانات السينمائية الإقليمية والعربية والعالمية، بعد تجربة طويلة وصعبة لشخص سينمائي يشاغب دائما في نقل أفكاره. إن رؤيته كبيرة للسينما السعودية التي تنطلق اليوم بقوة ودعم كبيرين، فبالإضافة إلى المادة والتمويل تحتاج السينما إلى الاستعانة بالطاقم الفني المخضرم، صاحب التاريخ الطويل في العمل على الأرض، وليس بالكتاب أو المخرجين وحسب، إضافة إلى دمج الطواقم الفنية السعودية الشابة معهم كنوع من الاحتكاك”.

ويذكر أن ذلك يجب ترسيخه لمدة سنوات، كي يتم تطوير الجيل الجديد وتأهيله لتقديم أفلام مهمة، ولا يتم هذا إلا باعتماد الدراسة الأكاديمية كخط مواز بالطبع، وذلك للنهوض بمستقبل السينما السعودية، وتطوير الذائقة العامة، خصوصا وأن السينما التجارية أصبحت تغلب على الحضور السينمائي العميق. بعد كل هذه التجارب ينتظر السينمائي صالح الفوزان اليوم، أعمالا كثيرة كتبها منذ وقت طويل، تستحق تحويلها إلى أفلام مهمة.

يشار إلى الفوزان شارك بإنتاج وإخراج الفيلم التونسي – الفرنسي – البلجيكي “قوايل الرمان”، ودرس البناء الدرامي “كتابة سيناريو” بدورتين عامي 1996 و1997 في بروكسل بلجيكا على يد المخرج والسيناريست محمود بن محمود. تفرغ لدراسة الإخراج السينمائي دراسة حرة ببيروت مدة 4 سنوات من 1998 حتى 2001. عمل محاضرا زائرا في بعض الجامعات بين عامي 2007 و2008 و2009. حصل على أكثر من 30 جائزة عربية ودولية أبرزها جائزة الشمال لدعم أفلام الجنوب المقدمة من المركز السينمائي الفرنسي ككاتب سيناريو. وميدالية مواطن شرف مدينة نانت عام 2000. أسس مؤسسة فوزان فيلم بالرياض السعودية عام 1998 في محاولة لإنتاج سينما سعودية وكان أول المشاريع فيلم “سنين الرحمة” الذي لم يتم تصويره حتى تاريخه. من أفلامه كمنتج “فخ الثعالب”، و”أحلى من الشرف مفيش”، “خيانة”، “لو كنت مكاني”، “هرم للإيجار”، “إحنا اللي سرقنا الحرامية”، “العقرب”، “الكذاب وصاحبه”، “عودة الهارب”، “اللعب بالنار”.