صاحبة العنكبوت الذهبي

“ظُلمت لويزا بورجوا كثيرا من السرياليين بسبب نزعتهم الذكورية” جملة يردّدها البعض حين الحديث عن الرسامة الفرنسية الأميركية التي كادت أن تعيش قرنا لولا سنة واحدة لم تكن في حاجة إليها. فالرسامة والنحاتة التي ولدت في باريس عام 1911 وتوفيت عام 2010 عاشت بعمق وسعة.
نالت شهرة لم تنلها إلاّ الأميركية جورجيا أوكاييف والمكسيكية فريدا كاهلو. تختلف عنهما في أنها أنتجت كثيرا، فقد كانت غزيرة الإنتاج إضافة إلى أنها عاشت أكثر منهما.
في بداياتها كانت قريبة من الحركة السريالية غير أنها انفصلت عنها حين تزوّجت من أستاذ فن أميركي ورحلت عن فرنسا. في نيويورك كانت بدايتها الحقيقية. تعرّفت يومها على وليام دي كوننغ ومارك روثكو وجاكسون بولوك، غير أنها لم تتأثّر بهم ولم تهتم بالتعبيرية التجريدية التي هي رسالتهم إلى عالم الفن.
كان لديها عالمها الموحش الذي هو مزيج من خيالات الطفولة وكوابيس الموت، وفي تلك الأجواء التي تصف الواقع باعتباره نصف حلم فيما الرغبات المكبوتة تظل هائمة، كانت لديها فكرة عن تيار فني لم يتشكّل بعد بسبب وقوعه في منطقة اجتماعية حرجة أهملتها الثقافة الذكورية بل وكافحت من أجل إلغائها.
جمعت بورجوا بين أفكار فرويد عن الجنس وعمل عائلتها في صناعة البُسط فكانت “النسوية” مزيجا من الفكر الموحش والكفاح اليدوي. وهو ما انعكس تأثيره على منحوتاتها التي نفّذتها بمواد مختلفة لتستعيد زمن الخردة الذي عاشته وهي تسعى إلى الابتعاد عن المواد التقليدية للفن، وفي ذهنها تكمن ولادة نوع جديد من النساء ستكون رسالتهنّ في الفن أكثر عمقا وأشد تعبيرا من رسالة الرجال في ارتباط الفن بالمجتمع.
تخلصت بورجوا من قوانين الفن التقليدية. كانت تلك خطوتها الأولى في الانفصال عن الفن الذي هيمن عليه الرجال. غير أن الخطوة الأساس تمثلت في ربط الفكر الفني بسلوك المرأة والقيم الثقافية التي تتجلى من خلال ذلك السلوك، إضافة إلى أسلوب المرأة في التعامل مع المواد التي هي جزء من سيرتها اليومية كمواد النسيج.
ما فعلته لويزا بورجوا يساوي ما فعله الفاتحون الكبار في تاريخ الفن. فـ"النسوية" في الفن اليوم هي واحد من أهم تيارات الفن المعاصر.