شكرا "ميستر آ - بي"

من هو الصحافي؟ هل هو صاحب الديبلوم التخصصي الجامعي، أم الذي قدم إليها من جهات أخرى؟ وهل الديبلوم يصنع صحافيين أم هو منصة لصناعتهم؟
الثلاثاء 2024/06/25
عيّن ناطقا رسميا لمؤسسة حكومية وهو لا يملك شهادة تخصص جامعي

أثبت اللغط الذي هز أركان التواصل الاجتماعي بالجزائر، أن الذي يدير الخيوط في الخفاء هو على قدر كاف من الدهاء والذكاء، فبمراوغة برازيلية سريعة أنهى جدل العيد والأضحية ومربي المواشي والقدرة الشرائية والاستقرار الاجتماعي، وانتقل به إلى قضية أكثر هامشية سرعان ما تختفي كزبد البحر، تتعلق بتعيين مغني راب وصحافي حاليا في منصب مرموق بمؤسسة حكومية، وفي هذا إنجاز ذكي لصالح أجندة هي فوق “ميستر آ – بي”، وفوق رواد التواصل الاجتماعي.

لا يمكن في الجزائر أن تثير اهتمام الرأي العام الإلكتروني، إلا إذا كنت على قدر معين من الجاذبية والاستثناء، كأن تكون مثلا محمد عبيدات (ميستر آ – بي)، مغني راب، وصحافيا ومنتجا إعلإميا وأشياء أخرى، ومشروع ناطق رسمي باسم مؤسسة حكومية كبرى.

وهذه تحسب للرجل، لولا أن محبوب الجماهير و”الزوالية” والفقراء، ورمز الصحافة الاجتماعية، سقط سقوطا مدويا من طرف نفس الجمهور الذي صعد به عاليا وصنع منه نجم الشاشة، لكن لماذا جرى كل ذلك التنمر والازدراء على مشروع منصب عمل مرموق، والساحة تعج بمن “ميستر آ – بي” أفضل منهم بكثير.

أحيانا توجه تهما جزافية للجمهور سواء في الواقع أو المواقع، لكن ذلك لا يحجب ضميرا جمعيا خفيا لهؤلاء، فلا يختلف في الجزائر على أن لخضر بلومي هو أيقونة كرة القدم الجزائرية على مر الأجيال، لكن لما قدم نفسه في إحدى الانتخابات التشريعية ليصبح نائبا في البرلمان، أسقطته الصناديق، ليس نكاية في شخصه أو انتقاما منه، بل لأن الجمهور أراده أن يبقى لخضر بلومي الأيقونة الكروية والنجم الكبير ولا يشوه نفسه بشبهات البرلمان والأحزاب والسياسة.

قد يكون الموقف الإلكتروني من ترشيح محمد عبيدات للمنصب المذكور، هو نفسه الذي حدث مع لخضر بلومي، فالجمهور الذي ألفه مغنيا أو صحافيا اجتماعيا يساعد ببرامجه “الزوالية” والفقراء والمحرومين والمظلومين على تبليغ رسائلهم للمؤسسات الرسمية، أراده أن يبقى معه، وربما خاف عليه من أبهة المنصب، ولم يقتنع بوعوده بأن يبقى على خطه وعمله الأصلي بالموازاة مع منصبه الجديد.

مشكور “ميستر آ – بي”، لأنه أثار الاستفهامات المسكوت عنها، وعلى رأسها النفاق الاجتماعي، فقد حاز أمثاله والأدنى منه على المناصب والمكاسب ولم يتفوه أي أحد من هؤلاء، وكم هي تلك النماذج في المؤسسات والمفاصل الرسمية، وأن حرص هؤلاء على صورة وسمعة المطار وتنديدهم بالقرار، يقابله صمت غير مفهوم على قضايا أخطر وأشد دمارا للوطن.

ذنب الرجل، أنه عيّن ناطقا رسميا لمؤسسة حكومية وهو لا يملك شهادة تخصص جامعي، لكن الذنب لم يظهر لما كان نجما في شاشات التلفزيون، لكن حادثته أعادت طرح سؤال جوهري: من هو الصحافي؟ هل هو صاحب الديبلوم التخصصي الجامعي، أم الذي قدم إليها من جهات أخرى؟ وهل الديبلوم يصنع صحافيين أم هو منصة لصناعتهم؟ وهل الشغف وحب المهنة كافيان لصناعة الصحافي؟

هذا الصراع المتصاعد بين الصحافيين “المعهديين”، وبين “الدخلاء”، هو نتيجة طبيعية للارتهان للمدرسة الفرانكفونية، بينما المدرسة الأنجلوساكسونية العريقة تعتبر إلى حد الآن الصحافة “حرفة” وليست “تخصصا”، ومعيار الحرية والاحترافية والنزاهة هو الكفيل بتصنيف الصحافي الجدير وغير الجدير.

18