شكاوى المصريين للحكومة بيروقراطية تهدد الجمهورية الجديدة

عملية تلبية احتياجات الناس والتجاوب مع شكاوى المواطنين من رأس السلطة تظل علاجا مؤقتا لمرض مزمن.
الأحد 2022/06/12
رئاسة الحكومة ملاذ المصريين المتذمرين من سوء الخدمات

القاهرة- يعكس لجوء الآلاف من المصريين إلى رئاسة الحكومة للشكوى من سوء الخدمات المقدمة إليهم حجم تذمرهم من أداء بعض المؤسسات، والتي أصبحت عبئا على الدولة في توقيت يوحي بأن أزمة النظام المصري ليست في السياسات بقدر ما تتعلق بنوعية الشخصيات المكلفة بإدارة الملفات الحيوية المتعلقة بصميم حياة الناس.

وأعلنت منظومة الشكاوى الموحدة التابعة لرئاسة مجلس الوزراء المصري أخيرا أنها استقبلت خلال شهر مايو الماضي 85 ألف شكوى واستغاثة من مواطنين وأسر كاملة في محافظات مختلفة طالبوا فيها بتدخل الحكومة بشكل عاجل لحل مشكالهم والاستجابة إلى رغباتهم، وأغلبها تتعلق بوزارات وقطاعات خدمية تعاني من الترهل الإداري الذي يعرقل الطموحات التي تعول عليها الجمهورية الجديدة.

وقالت الحكومة إنها استجابت لنحو 86 في المئة من الشكاوى الواردة إليها بعد أن وجهت المسؤولين في كل جهة بسرعة البت فيها والرد على مجلس الوزراء لإبلاغ المواطنين بما حدث، والتواصل معهم، وهو مسار تسلكه منظومة شكاوى الحكومة مع المتضررين من سوء الخدمات، حيث أصبح رئيس الوزراء الملاذ أمام الناس.

◙ منظومة الشكاوى رممت صورة الحكومة في نظر الشارع، لكنها عكست البيروقراطية المتجذرة في الجهاز الإداري للدولة

وأطلق مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء تصريحات أوحت بأنه يشعر بخيبة أمل من بعض المسؤولين في المؤسسات الحكومية جراء التراخي في حل شكاوى ومطالب الناس، وجاء على رأس هؤلاء قيادات يفترض أنهم ممثلون لرئيس الجمهورية في الأقاليم، ولفت مدبولي نظر المحافظين في اجتماع رسمي بأنه سيتابع هذا الملف بشكل شخصي.

وأبلغ بعض نواب البرلمان رئيس الوزراء بوجود عراقيل تواجههم عند التواصل مع المحافظين لتذليل شكاوى الناس ما أثار غضبه عليهم، ولم يكن أمامه سوى التلويح بمحاسبة المقصرين، وهي نبرة استخدمها طارق الرفاعي رئيس منظومة الشكاوى الموحدة بالحكومة، حيث أكد على “معاقبة المهملين وليس حل المشكلات فقط”.

وأعادت منظومة الشكاوى تحسين صورة الحكومة في نظر الشارع المتذمر من سوء الخدمات، لكنها عكست البيروقراطية المتجذرة في الجهاز الإداري للدولة، وكيف أن بعض المسؤولين يسيرون في اتجاه مخالف للحكومة التي تبحث عن كل فرصة لنيل رضاء المواطنين في توقيت حرج، جراء الغلاء المستفحل وصعوبات المعيشة.

ويقول مراقبون إن تدخل رئاسة الجمهورية والحكومة لحل مشكلات الناس ليس حلا، ولا يمكن الاستمرار على نفس الوتيرة لأن صمت بعض المسؤولين على التقصير المتعمد لتلبية احتياجات الجمهور وتكرار الإهمال في بعض الجهات الإدارية يدفع الناس إلى الاستغاثة إلى رأس السلطة، وهو ما يدق جرس إنذار لإمكانية انفجار الغضب.

وأكد إكرام بدرالدين رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة القاهرة لـ”العرب” أن لجوء المواطنين إلى رئاسة الحكومة يعكس ثقتهم في إجراءاتها وأنها صارت الأمل أمامهم لحصولهم على حقوقهم، وهذا يُحسب لرئيسها، لكن هناك شواهد تفرض وجود محاسبة ورقابة على أداء بعض الجهات لأنها منخرطة بشكل دائم مع احتياجات الجمهور.

إكرام بدرالدين: منظومة الشكاوى أصبحت وسيطا لا غنى عنه بين الشارع والحكومة للحد من البيروقراطية

ولم تعد الشكاوى الواردة إلى الحكومة قاصرة على قطاعات بعينها، وتشمل كل الوزارات تقريبا، مع أن هناك إدارات مسؤولة عن خدمات المواطنين في كل جهة حكومية تتعامل مع الناس بنفس عقلية المؤسسة الأم، من حيث الروتين والتعقيدات وسوء المعاملة، وهو ما اعترف به ضمنيا رئيس منظومة الشكاوى الحكومية.

ويقوم رئيس الحكومة شخصيا بلقاء المستثمرين المحليين والعرب والأجانب للتشاور معهم بشأن أعمالهم في مصر ومتابعة سير الإجراءات الخاصة بهم والاستماع إلى شكاواهم، مع أن هناك أكثر من جهة معنية بتذليل العقبات موجهة بتكليف مباشر من الرئيس عبدالفتاح السيسي، ما يعكس شكوك مدبولي في قدرات المؤسسات المسؤولة عن الملف بأنها لن تنجز شيئا، وتدفع الحكومة وحدها ثمنا باهظا لتراجع الاستثمارات.

وقال بدرالدين لـ”العرب” إن منظومة الشكاوى أصبحت وسيطا لا غنى عنه بين الشارع والحكومة للحد من البيروقراطية، ومن المهم ألا تخفي الحكومة تقصيرا في أي جهة وتتحدث بشفافية للرأي العام ما يفيد أن هناك شكاوى مستحقة، وتعلن عن عقوبات اتخذت ضد موظفين حتى أصبح المواطن نفسه رقيبا على أداء المؤسسات.

واعتادت الحكومة مع نهاية كل شهر أن تصدر تقريرا عن عدد الشكاوى والاستغاثات الواردة إليها، وتعلن ما يخص كل مؤسسة ووزارة، وتذكر وقائع إهمال وسوء المعاملة وتعطيل مصالح الجمهور وإحالة وقائع بعينها للتحقيق وتفند عددا من الشكاوى الخاصة بكل وزارة ونسب الإنجاز فيها، وأي جهة كانت الأسرع في الاستجابة.

واستقبلت منظومة الشكاوى منذ إطلاقها عام 2017 حوالي 3.7 مليون شكوى، ما يوحي بأن هذه الشريحة الكبيرة فقدت الأمل في مؤسسات رسمية وتستغيث من أجل تدخل الدولة لتطهيرها من الموظفين والمسؤولين الذين يتعمدون تعطيل مصالح الناس، بدليل أن النسبة الأكبر من هذه الشكاوى تم حلها من جانب الحكومة.

وأصبحت شريحة كبيرة من المصريين مقتنعة بأن حل مشكلة بسيطة أو معقدة يتطلب توجيه استغاثة إلى رئيس الجمهورية أو رئيس الحكومة، باعتبار أنهما أكثر سرعة وحرصا على تحسين صورة النظام أمام الناس، ويرغبان في تقليل حدة غضب الناس، لكن لا يمكن لمؤسستين فقط أن تتحركا لإرضاء أكثر من 110 ملايين مواطن.

وتخشى دوائر سياسية متابعة أن يطول أمد الروتين وسوء المعاملة في الجهاز الإداري للدولة أكثر من ذلك دون تدخل عاجل وإجراءات حاسمة تعيد ترتيب المؤسسات بالقدر الذي يعيد بناء جسور الثقة بين المواطن والحكومة بكامل هيئاتها.

وتظل عملية تلبية احتياجات الناس والتجاوب مع شكاوى المواطنين من رأس السلطة علاجا مؤقتا لمرض مزمن، وينذر استمرار هذا الوضع بأن الجمهورية الجديدة التي ينشدها الرئيس المصري قد تكون نسخة مكررة من الجمهورية السابقة التي عملت مؤسساتها بنفس العقلية والسلبية والبيروقراطية والإهمال ما أدى إلى إصابتها بالخلل.

تدخل رئاسة الجمهورية والحكومة لحل مشكلات الناس ليس حلا، ولا يمكن الاستمرار على نفس الوتيرة

 

4