"شظايا من المشهد".. ترصد كرونولوجيا السينما المغربية

لأنه شاهد على تحولات مهمة في تاريخ المغرب، اختار المخرج والسيناريست والكاتب سعد الشرايبي أن يخط ذاكرته وما سجلته من مراحل مصيرية في السينما المغربية عله يترك للأجيال القادمة مرجعا تاريخيا وتوثيقيا لمسارات الفن السابع وأشهر المؤثرين فيه والمتأثرين به.
الرباط - تعد المؤلفات الأكاديمية المعتمدة في تاريخ السينما المغربية أو تاريخ الأندية السينمائية غائبة تماما، رغم أهميتها المعرفية لكل دارس وباحث في هذا المجال، ولا نعرف كيف استطاع الكتاب والنقاد في هذا الميدان أن يتجاهلوا أننا لا نملك كتبا عن تاريخ السينما المغربية ولا حتى مقدمة في تاريخ الأندية السينمائية، ثم يكتبون مباشرة عن جماليات الصورة السينمائية والتفاخر بنظريات السينما الكبرى التي لم يؤلفوها، في حين أن التاريخ الأساسي لفن السينما في المغرب لم يوثّق.
ورغم أن تاريخ السينما المغربية يحتوي جوانب مهمة من الثقافة والفن والتراث الوطني، إلا أن توثيقه يمثل جهدا كبيرا نظرا إلى النقص الواضح في المصادر المتاحة، ورغم ذلك تظل هناك جهود مبذولة لفهم وتوثيق هذا الجانب الهام من تاريخ السينما المغربية، إذ يتيح الاطلاع على مجموعة محدودة من الكتب والموارد النافعة فرصة لاستكشاف عالم السينما في المغرب وفهم الدور الذي تلعبه الأندية السينمائية في تشكيله.
في هذا السياق، كان لصحيفة “العرب” لقاء مع المخرج والكاتب المغربي سعد الشرايبي حول روايته الجديدة “شظايا من المشهد” وهي عبارة عن ملاحظات مواطن مغربي يبرز رحلة عبر الذاكرة السينمائية المغربية، ويكتشف الجوانب الثقافية والاجتماعية والسياسية للبلاد على مدى ستين عامًا، كما أنها نظرة موضوعية وفعالة تواكب تطور المجتمع المغربي، من سبعينات القرن الماضي إلى العصر الحالي.
في حديث عن الدافع الرئيسي وراء تأليفه لرواية “شظايا من المشهد” التي تجمع بين السيرة الذاتية وذكرياته السينمائية، يقول المخرج المغربي لـ”العرب”، “أولا يبقى تخليد الذاكرة واجب الكتابة، فالعمل يهدف إلى نقل تجربة متعددة الأبعاد زمنيًا والتركيز على فترة تاريخية حاسمة في بلادنا، مع انعكاس جوانبها الاجتماعية والثقافية والسياسية المتنوعة على تجربتنا في الحياة”.
مواطن مغربي يبرز رحلة عبر الذاكرة السينمائية المغربية ويكتشف الجوانب الثقافية والاجتماعية والسياسية
يدمج سعد الشرايبي في هذا الكتاب الجانب المرئي لخبرته السينمائية في صيغة أدبية، حيث يبين “عندما تكون لديك الفرصة لتجميع العديد من النصوص التي تتميز بطابعها البصري البارز، تسهل المهمة في صياغتها أدبيا، إذ أنني أتذكر نقاشات سابقة بين المخرجين وكتاب السيناريو، حيث كان المخرجون يلومون الكتاب على أساليب كتابتهم التي كانت خالية من الكتابة الصورية وأقل إرشادية، وبالتأكيد، لا يمكن لكاتب السيناريو أن يتبنى ما كان يلوم الكتاب عليه، وبالتالي، يجب أن تكون كتابته بالضرورة ذات طابع بصري”.
وعن سبب اختياره اكتشاف تاريخ المغرب من خلال عدسة السينما، يوضح “إن تاريخ بلادنا غني للغاية بالأحداث والمواقف المميزة والتحولات المفاجئة، مما يجعله أرضا خصبة للتأمل والبحث والاستكشاف من خلال مختلف أشكال التعبير، سواء كانت أدبية أو سردية أو بصرية أو أيّ شكل من أشكال التعبير الأخرى، إذ أن تاريخ المغرب سواء قبل الاستقلال أو بعده، مرّ بمراحل مضطربة، أحيانا إيجابية وأحيانا سلبية، ولكن تستحق أن تروى للأجيال القادمة بحلوها ومرها. فمن خلال استعراض الممارسة السينمائية في بلادنا ومواكبتها من الداخل لأكثر من 50 عامًا، يُدرك المرء بشكل موضوعي قوتها وضعفها، ويلقي الكتاب نظرة ثاقبة على مكوناتها المختلفة، سواء الهيكلية أو الإدارية أو الفنية”.
ويرى الشرايبي أن “الدروس التي يمكن استخلاصها من مواكبة الكرونولوجيا السينمائية تكون بالغة الإقناع. على سبيل المثال، كيف تحولت السينما المغربية من مرحلة التجربة إلى مرحلة المهنية، سواء من الناحية التقنية أو الفنية، وكيف ناضل رواد السينما الأوائل من أجل تحسين جودتها، حيث أضحت اليوم معترفا بها في جميع أنحاء العالم، من خلال مهرجانات رفيعة المستوى وحصولها على العديد من التكريمات الوطنية والدولية، إذ كانت كل هذه الجوانب في حاجة إلى أن يتم توثيقها، وهو ما تم التطرق إليه في كتابي الأول ‘شظايا من الذاكرة السينمائية’ واكتمل بشكل أوسع في هذا الكتاب”.
وفي حديث عن أهمية القضايا السياسية والاجتماعية في سرده “شظايا من المشهد” يقول سعد “تخصص العديد من الفصول في الكتاب للعملية السياسية في البلاد قبل الاستقلال، من خلال الحركة الوطنية والنقاشات التي أثارتها، أحيانا بالتوافق وأحيانا بالتباين، وأحيانا حتى بالتعارض، إذ كانت هذه النقاشات تتعلق برؤية الأفراد والجماعات لمستقبل البلاد وكيف ستصبح بعد الاستقلال، ومن ثم، في فصول أخرى، يتم تسليط الضوء على الصراعات الداخلية بين مختلف الأحزاب اليمينية واليسارية والنزاعات التي اندلعت للحصول على القيادة في إدارة الشؤون العامة للبلاد”.
ويوضح الكاتب والمخرج المغربي لـ”العرب”، “من الناحية الاجتماعية، اهتممت بالعلاقات بين الفئات على نحو فردي وجماعي، بهدف كشف الفجوة التي كانت موجودة والتي لا تزال موجودة بين السياسة والمجتمع، مما يشير إلى اختلاف ملحوظ في تطور هذين الجانبين”.
أما عن الأفكار والمواضيع الرئيسية التي يرغب في أن يتذكرها القراء بعد استكمال روايته، فيقول الشرايبي “معرفتهم للمراحل التي تتعلق بالمشاريع الاجتماعية التي سادت في المغرب وكيف تطوّرت العلاقات الاجتماعية بين الناس. أنا ألاحظ أنه إذا كانت هذه العلاقات مبنية في السابق على قيم التضامن والتعايش والمساعدة المتبادلة، فإنه من الواضح اليوم أنها مليئة بالسلوكيات الفردية التي تفضل الفرد على حساب المجموعة، لذا يعتبر هذا الكتاب أيضا دعوة للتفكير في تطور هذه العلاقات، وربما إعادة النظر في طريقتنا في التصرف مع الآخر من خلال استعادة هذه القيم التي عاشتها والأجيال السابقة”.
سعد الشرايبي يعدّ من بين خبراء السينما في المغرب وهو شاهد متفاعل مع الأحداث في المغرب منذ سبعينات القرن الماضي، ويعبر عن هذا بقوله “عبر الرواية ومن خلال السرد الذي يتدحرج بين فرحة وألم، أمرّ على مراحل من تاريخ المغرب، مراحل كانت دائما مثيرة للاهتمام وملهمة، سواء كانت ثقافية أو اجتماعية أو سياسية، فإن هذه المواقف أنتجت ذاكرة غنية، تحولت مع مرور الوقت إلى رؤية تجعله مواكب صافي الذهن، بعيدًا عن أيّ افتراض مسبق أو اتخاذ موقف جزئي، إنما يتعلق الأمر بتقديم أحداث حقيقية تدعو القارئ إلى التفكير، حتى يتمكّن من بناء رؤيته الخاصة، ووجهة نظره المتفردة، وسلوكه فردي في المستقبل، كما تدعو الرواية أيضا إلى الالتزام وتحمّل المسؤولية تجاه الذات وتجاه المجتمع”.
وفي نقاش عن منهجه في سرد الصراعات البشرية في روايته، والاستنتاجات التي وصل إليها حول الطبيعة البشرية، يوضح الكاتب أن “الطبيعة البشرية متغيرة بالضرورة، تحاول التكيف مع مختلف الحالات التي تواجهها، ولكن يمكن أن يتخذ هذا التكيف أشكالا متعددة من السلوكيات، تتراوح بين الطمع والمرونة، وبين المعارضة للآخر والتفاهم معه، وبين رغبة في السيطرة عليه والاحترام الذي يجب أن نظهره له، هذه الرغبة في استغلال الإنسان من قبل الإنسان هو ما يخلق الصراعات، دون أن يكون الشخص على علم بالآثار الهدامة التي ستكون لهذه الصراعات كنتيجة سلبية على المدى المتوسط والبعيد، ليس فقط على الآخر، ولكن أيضًا على الذات، كما تُظهر تطورات العالم لنا للأسف أن الإنسان يعطي الأولوية للربح الشخصي على حساب المصلحة العامة”.
ويضيف “لا يمكن لأيّ شخص أن يكون كيانا منفصلا عن بيئته، فهو يشكل جزءًا من المجتمع، وبالتالي، فإن أيّ سؤال يطرحه أو حالة يعيشها لها تفاعل دائم مع محيطه، سواء كان عائليًا أو مهنيًا. في هذا النص، يتم وصف هذا التفاعل بشكل مستمر في علاقته الناشئة من الأسئلة الشخصية إلى الأسئلة الاجتماعية، هذا التحرك كموجة مستمرة يغذي كلاهما بشكل مستمر دون رد من المجتمع، لا يمكن للفرد سوى الغرق في نفق لا نهاية له، لذا فمن الضروري ربط أيّ سؤال شخصي بتطور البيئة التي يتم فيها تقديم هذا السؤال، سواء كانت ملموسة وموضوعية، أو وجودية وشخصية”.
ويضيف المخرج والمؤلف المخضرم سعد الشرايبي في حواره مع “العرب” بالقول إن هدفه في الحياة “البحث عن السلام. السلام مع الذات والسلام مع الآخر”.