شرعنة "الشيتة"

منطق السياسة والانتخابات يبحث لها عن شرعية على يد الفاتح الجديد عبدالقادر بن قرينة.
الثلاثاء 2024/08/27
بن قرينة يجد شرعية تزيح الحرج عن الشياتين

مهما كان شكلها وحجمها فإن “الشيتة” ارتبطت في المخيال الجزائري بروح الذل والهوان، ومهما كان “الشيات”، فإن العيون الجزائرية تراه كائنا زاحفا لا يحمل في جسده جينات “المرجلة”، لكن هذا المكسب الموروث عن الشخصية الجزائرية المتمردة عن كل ما هو فوق أو أعلى، يواجه جرأة غير عادية لسلوك “الشيتة” الاجتماعية والسياسية، بعدما أفتى عبدالقادر بن قرينة بكونها شعبة من شعب الإيمان.

جُبل البعض على ممارسة المداهنة والإطراء لمن يفوقهم مركزا أو نفوذا في الحياة العادية، بسبب افتقادهم للثقة في أنفسهم، والتغطية عن فشلهم في أداء أدوارهم لذلك لا تبقى أمامهم للحفاظ على مصالحهم، إلا ممارسة التملق والانبطاح لإرضاء من هم أعلى أو أقوى، فتجد الموظف يداهن رئيسه، والعامل يداهن مديره، والمسؤول يداهن مسؤوله.. وهكذا دواليك.

هؤلاء متهيّئون نفسيا وذهنيا، لهذه الحالة غير الطبيعية، فالرئيس والمرؤوس يجتمعان عادة في افتقاد الكفاءة والحجة والثقة، ولذلك يلجأ الأول لإحاطة نفسه بـ”الشياتين” كي يغطي على عجزه وفشله، ويلجأ الثاني لاكتساب شرعيته وتأمين نفسه من حماية الأول، ومنه تجد هذا الحلف متغلغلا سرا في مختلف التفاصيل والمفاصل، مقدما أسوأ صورة ونموذج في المكان الذي يوجد فيه.

قصة الجزائريين مع “الشيتة” ليست وليدة اليوم، فقد كان أول قرار اتخذه أول رؤساء الجزائر في 1962، أحمد بن بلة، هو حظر ممارسة مهنة مسح الأحذية في الشوارع والساحات، لأنها ترمز إلى حقبة الاستعمار البشعة، لما كان يتعمد إهانة كرامة الجزائريين بواسطة هذه الحرفة، حيث عادة ما يقدم الفرنسي رجله لماسح الأحذية الجزائري المسكين باستعلاء وتعجرف واستغلالا لوضعه الاجتماعي المسحوق.

مهما كان شكلها وحجمها فإن "الشيتة" ارتبطت في المخيال الجزائري بروح الذل والهوان، ومهما كان "الشيات"، فإن العيون الجزائرية تراه كائنا زاحفا لا يحمل في جسده جينات "المرجلة"

لذلك لم يوجد ولا يوجد في الجزائر من حدودها إلى حدودها أين يمكن أن تمسح حذاءك، يمكن أن تعثر على إسكافي يصلح أو يرقع حذاءك، لكن إياك أن تطلب خدمة مسح الحذاء، فتسمع من أول واحد ما لا يرضيك.

آلة المسح مهما كان شكلها وحجمها، هي وسيلة عمل، لكن في الجزائر مغزى ومعنى سلبي للغاية، فهي ترتبط لدى أهلها بالكرامة والأنفة الموروثة من عقيدة رفض الخضوع والخنوع، لكن منطق السياسة والانتخابات يبحث لها عن شرعية ومشروعية على يد الفاتح الجديد عبدالقادر بن قرينة، كسلوك محمود من أجل تحقيق غايات معينة.

“الشيتة” في الجزائر يمكن أن تكون آلة، كما يمكن أن تكون قلما، وإلا لما أجمع الرئيسان الراحلان أحمد بن بلة، وعبدالعزيز بوتفليقة، على وصف الصحافة والصحفيين، بـ”طيابات الحمام”، تشبيها بحرفة مدلك الحمام الذي يضع زبونه في حالة من اللذة والاسترخاء، فهم كذلك يقومون بنفس الحرفة برأي الرجلين.

لكن رغم ذلك لم يتعد السلوك الممقوت حدود عزلته في الإدارة والمؤسسات وأروقة السياسة، قبل أن يجد لها رئيس حركة البناء الوطني فتوى شرعية تزيح الحرج عن الشياتين بعدما كانوا يشار إليهم بالأصابع، وذلك هو خطر آخر يداهم مكسبا نادرا في شخصية الجزائري ورثه عن صناع عقيدة رفض الاستعلاء والعجرفة.

الرئيس المترشح، الذي لم يتخلص من عفوية وانفعالية الجزائري، رغم قضائه خمس سنوات في قصر المرادية، ويطمح إلى خمس أخرى، بمساوئه ومحاسنه لا يعرف عنه هذا السلوك وليس من النوع الذي يرضى به، فكيف تسلل إليه واحد يتحدث باسمه أمام الجزائريين، لكي يكون صاحب شرعنة “الشيتة” بعد قرابة سبعة عقود من رفض الجزائريين لها.

18