شراكة تنموية لتمكين المرأة المصرية اقتصاديا واجتماعيا

يختلف التعاون بين الدول وتتناول الشراكات والدعم مجالات عديدة وخاصة الاجتماعية والاقتصادية مما يقلل من الهوة السياسية إن وجدت ويترك تباين وجهات النظر في بعض القضايا بعيدا عن العلاقات الحقيقية كما بين مصر والولايات المتحدة اللتين تعملان على مد جسور التواصل من خلال برنامج لدعم المرأة المصرية.
القاهرة – تتعدد أنواع الشراكات بين مصر والولايات المتحدة، ربما تكون هناك تباينات سياسية، لكن التفاهمات في المجالات الأخرى مرتفعة وتتزايد على المستوى العسكري يوما بعد يوم، كما تتصاعد على المستويين الاقتصادي والاجتماعي.
وهو دليل على وجود مؤسسات تعمل من الجانبين على تجسير الهوة بأدوات ناعمة تسهم بقوة في تمكين المرأة المصرية والتي لم تعد ذات أبعاد محلية فقد مددت القاهرة خيوط التواصل مع دول مختلفة لتطوير حال المرأة وفي مقدمتها الولايات المتحدة.
وأطلق في القاهرة الثلاثاء ما يسمى بـ”برنامج التمكين الاقتصادي والاجتماعي للمرأة” بحضور كبيرة المسؤولين بمكتب القضايا العالمية للمرأة لدى وزارة الخارجية الأميركية كاترينا فوتوفات، والقائمة بأعمال السفير الأميركي بالقاهرة نيكول شامبين، والقائمة بأعمال مدير الوكالة الأميركية للتنمية الدولية في مصر مارغريت سانشو، ووزيرتي التعاون الدولي رانيا المشاط والتضامن الاجتماعي نيفين القباج، ورئيسة المجلس القومي للمرأة مايا مرسي.
74
في المئة منهم سيدات، يستفيدون من برنامج تكافل باستخدام البطاقات الذكية
ما بعد الأطر التقليدية
تجاوز الاجتماع الأطر التقليدية في مسألة المساعدات المقدمة للمرأة، لأن الرسائل التي حوتها الكلمات العامة والتصريحات الخاصة التي حصلت عليها “العرب” تؤكد أن تمكين المرأة المصرية ينطوي على أهداف سياسية أيضا.
دعك من أنه يسهم في تعزيز العلاقات والشراكات، لكنه أيضا يقود إلى خلق واقع اجتماعي واقتصادي في مصر يمكن أن ينقلها إلى مستوى آخر من الحداثة سوف تكون لها مردودات على مستويات مختلفة، تقود في النهاية إلى ظهور أجيال قادرة على استيعاب التحولات المتسارعة في العالم، وتقلل من فرص النخر الحاصل في بعض البنى المجتمعية التي شكلت بيئة خصبة لإغراء المتطرفين على اختراقها.
وتنفذ برنامج التمكين مؤسسة “باثفايندر انترناشيونال” بالتعاون مع مجموعة من الشركاء الأميركيين والمصريين، وتموله الوكالة الأميركية للتنمية الدولية بالتعاون مع الحكومة المصرية والمجتمع المدني والقطاع الخاص.
وتدعم المراوحة الواسعة من قبل هذه الجهات عملية الوصول إلى قواسم اقتصادية واجتماعية تلعب دورا سياسيا في المستقبل، وتصب في تصورات النفس الطويل التي تتبناها واشنطن منذ فترة لإحداث تغيير كبير في الهياكل الرئيسية في بعض المجتمعات، وعندما تتلاقى الرؤية المصرية مع الأميركية على أرضية مشتركة يمكن أن تحقق الإجراءات المتبعة الأهداف التي يريدها كل طرف.
الفرص الاقتصادية
يهدف الخطاب المعلن للبرنامج الأميركي إلى تعزيز قدرة المرأة على الوصول إلى الفرص الاقتصادية في مصر، وتشجيع المرأة كقوة عاملة فاعلة في المجتمع، وتحفيز الطلب على الخدمات المالية ومساعدة الحلول المصممة لتمكين المرأة، وتوسيع نطاق الشمول المالي لها، وتحسين بيئة العمل في القطاع الخاص، وتعزيز الوقاية من العنف القائم على النوع الاجتماعي، والحد من الآثار المختلفة للعنف ضد المرأة.
وتأتي أهمية البرنامج من خلال مساهمته في المبادرات الوطنية التي تطلقها الحكومة المصرية لدعم التمكين الاقتصادي والاجتماعي للمرأة بما يتماشى مع استراتيجية التنمية المستدامة في مصر ورؤية 2030.
والبرنامج جزء من استثمار أميركي في التنمية البشرية والاقتصادية في مصر، فعلى الرغم من وجود تباين نسبي في بعض المواقف السياسية بين البلدين، لكن على مدار نحو أكثر 40 عاما، ثمة شراكة مشتركة في مجال التنمية، وقدمت واشنطن من خلال الوكالة الأميركية للتنمية الدولية منحا سخية لدعم التنمية الاقتصادية بمصر.
وقالت القائمة بأعمال السفير الأميركي نيكول شامبين بالقاهرة لـ”العرب” إن واشنطن تعتبر مصر شريكا قويا في مجال دعم المرأة، وقدمت على مدار العقود الماضية أكثر من 30 مليار دولار كدعم للتنمية الاقتصادية في مصر، ذهب قدر كبير منها لدعم السيدات والفتيات، بما أسهم في زيادة نسبة الفتيات في مرحلة التعليم الابتدائي، وارتفاع عدد المنح الدراسية الممنوحة لهن بجانب تزويدهن بالخدمات الأساسية.
وأكدت أن هناك شراكة طويلة الأمد مع مصر، و”اليوم نقدم دعما قدره 39 مليون دولار، مخصصة لمساعدة المصريات في الحصول على فرص عمل ومواجهة العنف، ودعم المساواة التكافؤ بين الجنسين”.
وأوضحت لـ”العرب” أن المشوار لا يزال طويلا أمام العالم والولايات المتحدة ومصر، فلم يحقق أي بلد المساواة الكاملة بين الجنسين، لكن الفرصة سانحة لتحقيق أقصى استفادة، وثمة علاقة شراكة قوية بين واشنطن والقاهرة، ودعم يقدم للمدارس، لأن الحكومة الأميركية تسعى لتوفير برامج متميزة في مصر وتعليم شامل للفتيات.
وتعتبر الولايات المتحدة هذا البرنامج تأكيدا على التزامها بدعم مصر، وتتعهد بالاستمرار في مثل هذه المبادرات، حيث ترى شامبين أن الحكومة المصرية شريك قوي لبلادها، ويدخل هذا البرنامج ضمن رؤية الحكومة لتقوية المرأة المصرية.
محاور البرنامج
كشفت وزيرة التعاون الدولي رانيا المشاط لـ”العرب” المزيد من التفاصيل حول أهداف البرنامج، قائلة إن “أهم محاور البرنامج هو توفير التمكين الاقتصادي الناجح للمرأة، وتجميع الرؤى المختلفة للدولة في إطار الرؤية العامة للنهوض بها، وأن هذا التوجه يتم من خلال شراكة بين القطاعين الحكومي والخاص”.
وذكرت أن مدة البرنامج خمس سنوات، وأن له أهداف محددة لسد الفجوة بين الجنسين في مجالات العمل بالشراكة بين جميع الجهات المعنية بقضايا المرأة، بما يخلق مستقبلا أفضل لها في سوق العمل.
وأشارت إلى أنه جرى الإعلان العام الماضي عن شراكة بين وزارة التعاون الدولي والمجلس القومي للمرأة والمنتدى الاقتصادي العالمي ليكون تمكين المرأة الهدف الأساسي مع الشركاء، مؤكدة أن مصر هي أول دولة في قارة أفريقيا ومنطقة الشرق الأوسط تتبنى هذه الخطة الطموحة.
وأعربت المشاط عن سعادتها بوجود تنسيق بين شركاء التنمية المختلفين لتحقيق أهداف موحدة تخص الدولة المصرية، قائلة “يشكل تمكين المرأة هدفا أساسيا، ويأتي في إطار الشراكة الاستراتيجية بين مصر والولايات المتحدة، وفي إطارها تم توقيع اتفاقية منحة الحوكمة الاقتصادية الشاملة التي تهدف إلى تحسين بيئة الاستثمار وتمكين المرأة لتعزيز مشاركتها في سوق العمل”.
سبع محافظات
يعمل البرنامج في سبع محافظات مصرية هي القاهرة والجيزة والبحيرة وأسيوط والمنيا وقنا وسوهاج، وتم تصميم البرنامج لدعم النساء في المناطق المستهدفة بحيث يشعرن بالأمان والتقدير والتمكين في العمل ودعمهن ليكن قادرات على تبني مفاهيم الاستقلال المالي، ومتحررات من العنف في منازلهن ومجتمعاتهن وأماكن عملهن.
وحول أسباب اختيار هذه المحافظات السبع دون غيرها، قالت المشاط لـ”العرب” إن “ذلك مبني على برامج قائمة، وبعد دراسة الفجوات، ومن خلال مبادرة ‘حياة كريمة’، وهي المبادرة الأشمل التي تقوم بتحديد المحافظات المستهدفة في برامج مختلفة”.
يذكر أن برنامج التمكين يدعم مبادرة “حياة كريمة” ويستهدف 200 ألف سيدة لإشعارهن بالأمان والاستقلال المالي، وربط النساء مع الأطراف المعنية، وتوفير الدعم النفسي والصحي لهن، وإطلاق حملات وطنية بشأن حقوق المرأة في المجتمع.
ويعتبر هذا البرنامج مشروعا اقتصاديا متكاملا لتعزيز العلاقة بين القطاعين الحكومي والخاص لتشعر المرأة أنها مستقرة في مجتمعها من حيث الأمان الاقتصادي والاجتماعي، ومن بين أولوياته الوصول بالنساء إلى الشمول المالي، لذا جاءت وزارة التضامن الاجتماعي في مصر كأحد شركاء هذا البرنامج.
نقلة نوعية
لفتت وزيرة التضامن الاجتماعي نيفين القباج في تصريح لـ”العرب” إلى أن الوزارة التي ترأسها شريكة في هذا البرنامج، وتتبنى منظور التمكين لتحقيق نقلة نوعية لمساعدة النساء على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، والدفع بهن إلى الشمول المالي، وأن كل المستفيدين من برنامج “تكافل”، حيث 74 في المئة منهم سيدات، يتلقون هذا الدعم باستخدام البطاقات الذكية ودخلوا مجال الشمول المالي، و61 في المئة من المستفيدين من المعاشات والتأمينات الاجتماعية سيدات يحصلن على هذه المستحقات بالبطاقات الذكية.
وقالت القباج “مشاركتنا في هذا المشروع لا تقتصر على الشمول المالي فقط، بل تمتد إلى تدعيم المقومات التي تدفع في مجالات عمل المرأة مثل التوسع في خدمات مراكز المرأة العاملة، وهي مراكز تقودها وزارة التضامن على مستوى المحافظات وتقدم خدمات للمرأة العاملة، بما يدعم مشاركتها في سوق العمل”.
وأشارت إلى أن وزارتها شريكة في جهود الحد من العنف ضد النساء في أي مكان، سواء في الأسرة أو مواقع العمل أو المجتمع عموما، ولا تعمل وزارة التضامن فقط على المرأة العاملة، لكن تمنح أهمية لكل النساء، وبينهن فتيات في مجال مقاومة الزواج المبكر وختان الإناث والاتجار بالبشر وغيرها من مظاهر العنف التقليدي أو المستحدث، وتهتم جدا بالمرأة العاملة وذات الإعاقة وتعزز من مشاركتها في سوق العمل، وتهتم بالمرأة المسنة وتأمينها اجتماعيا وصحيا.
وصارت جميع الفئات النسائية محط اهتمام الحكومة المصرية، وبينهن النساء القاطنات في المناطق المطورة واللاتي انتقلن من المناطق العشوائية وغير الآمنة، ويأتي ذلك بتوجيه خاص من الرئيس عبدالفتاح السيسي الذي يولي اهتماما لافتا بالمرأة.