شراء الأصوات ينكشف في التصويت الخاص بالانتخابات العراقية

ظهر المال السياسي الفاسد مبكرا أثناء عملية التصويت الخاص لمنتسبي القوات الأمنية والسجناء والنازحين في العراق، عندما ظهر شراء الآلاف من البطاقات الانتخابية من قبل كتل سياسية، في وقت توعدت فيه مفوضية الانتخابات بمحاسبة المخالفين.
بغداد - ظهرت سطوة المال السياسي في التصويت الخاص المبكر الذي شهدته المحافظات العراقية الجمعة، بعدما أدلى جنود وسجناء ونازحون بأصواتهم مع استعداد البلاد لإجراء انتخابات تشريعية عامة الأحد.
ويحق لمنتسبي وزارتي الدفاع والداخلية البالغ عددهم مليونا و660 ألف ناخب، التصويت في عملية الاقتراع الخاص، بغية التفرغ لحماية عملية التصويت التي ستجري الأحد.
وتم نشر أكثر من 250 ألف عنصر أمن. ففي بلد منقسم تملك غالبية الأحزاب فيه فصيلا مسلحا، توجد مخاوف من احتمال حصول عنف انتخابي في حال لم تتوافق النتائج مع طموحات الأطراف المشاركة.
وكشفت الخروقات التي شخصها إعلاميون ومراقبون صعوبة إجراء انتخابات شفافة في العراق بينما يمارس المال السياسي والميليشيات المسلحة سطوة كبيرة في شراء الأصوات والتأثير على الناخبين.
وذكرت مراسلة صحيفة نيويورك تايمز في بغداد “بعد ثمانية عشر عاما من غزو الولايات المتحدة للعراق والإطاحة بنظام الرئيس صدام حسين، تسلط عملية الانتخابات العامة الخامسة في البلاد الضوء على نظام سياسي تهيمن عليه الأسلحة والأموال، ولا يزال منقسما إلى حد كبير على أسس طائفية وعرقية”.
وقال الشيخ حميد الشوكة رئيس مجلس زعماء العشائر في الأنبار، إن مجموعات وبتكليف من بعض الكتل السياسية اشترت الآلاف من بطاقات الاقتراع البيومترية.
وأضاف “بموجب هذا المخطط، يوافق الناخبون على التخلي عن بطاقاتهم واستعادتها لاحقا خارج مواقع الاقتراع، لضمان خروجهم بالفعل، حيث يصوتون بعد ذلك وفقا للتوجيهات”.

وتوعدت المفوضية المستقلة العليا للانتخابات باتخاذ إجراءات بحق المخالفين في عملية الاقتراع الخاص التي جرت الجمعة في عموم محافظات العراق.
وقالت مساعد المتحدثة باسم مفوضية الانتخابات نبراس أبوسودة إن “الحالات المخالفة، التي تم رصدها من قبل الإعلاميين في الاقتراع الخاص، سيتم إيصالها إلى المفوضية وسيتم التحقيق في الموضوع، لأنها تعد مخالفة، وسيتخذ من ثبتت عليه هذه الأمور إجراءات عقابية”.
إلا أن المتحدث الرسمي باسم وزارة الداخلية العراقية اللواء خالد المحنا، أشار إلى عدم حدوث أي مشاكل أثناء التصويت الخاص.
وتجري الانتخابات التي اعتبرها رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي “فرصة تاريخية للتغيير”، وفق قانون انتخابي جديد، على أساس التصويت الأحادي مع رفع عدد الدوائر إلى 83، من أجل تشجيع المستقلين والمرشحين المحليين إلى البرلمان البالغ عدد أعضائه 329، على خوض الانتخابات. لكن خبراء يرون أن التيارات السياسية نفسها لا تزال تهيمن على المشهد السياسي.
وستعكس نسبة المشاركة فيها مدى الثقة الباقية لدى الناخبين في نظام ديمقراطي مازال وليدا.
ويقول عراقيون كثيرون إنهم لن يشاركوا في الانتخابات بعدما شاهدوا أحزابا لا يثقون بها تكتسح الانتخابات المتعاقبة ولا تفعل شيئا يذكر لتحسين حياتهم.
ومن المتوقع أن تظل جماعات شيعية مسيطرة على مقاليد الأمور، مثلما كان الوضع منذ الإطاحة بنظام صدام حسين في 2003 بعد الغزو الأميركي للبلاد.
لكن الفساد وسوء الإدارة المتفشيين تركا الكثير من سكان البلد البالغ عددهم نحو أربعين مليونا بلا عمل، فضلا عن نقص الرعاية الصحية والتعليم والكهرباء.
وتعرض العشرات من الناشطين المعارضين لهذه الأحزاب للتهديد والقتل منذ احتجاجات 2019، وهو ما أدى إلى عزوف الكثير من الإصلاحيين عن المشاركة في الانتخابات.
ويتهم مسؤولون عراقيون جماعات مسلحة لها صلة بإيران بالمسؤولية عن عمليات القتل. ويُنظر إلى الميليشيات وأجنحتها السياسية على أنها تخدم مصالح إيران أكثر من العراق.
وقال البعض إنه لا يمكنه التصويت أو إنه لا يرغب في المشاركة. لكن الواقع، وفقا للكثير من العراقيين ولمحللين ودبلوماسيين غربيين، هو أن الأحزاب الأكبر الأكثر رسوخا ستكتسح الانتخابات مجددا.

لكن إقناع الناخبين المحبطين بأن الأمر يستحق الإدلاء بأصواتهم سيكون تحديا في بلد يتفشى فيه الفساد لدرجة أن العديد من الوزارات الحكومية تركز على الرشاوى أكثر من تقديم الخدمات العامة.
ويتوقع مراقبون أن تكون نسبة المشاركة ضئيلة في العملية الانتخابية التي كان موعدها الطبيعي في 2022، واعتبر تحديد موعد لها من التنازلات القليلة لحكومة مصطفى الكاظمي لامتصاص الغضب الشعبي إثر احتجاجات أكتوبر 2019.
وتراجعت الحركة الاحتجاجية إثر القمع الشديد وقيود احتواء الوباء، لكن في ذروتها، شارك بها مئات الآلاف من الأشخاص احتجاجا على الفساد والتدهور الاقتصادي وتراجع الخدمات العامة.
ويقاطع ناشطون ومتظاهرون الانتخابات، بعد أن تعرّض العشرات منهم خلال الأشهر الأخيرة للاغتيال أو محاولة الاغتيال، من دون أن يحاسب منفذو هذه العمليات، ما عزّز فكرة “الإفلات من العقاب”.
ويقول الباحث رمزي مارديني المتخصص في الشأن العراقي في معهد “بيرسون” في جامعة شيكاغو إنه لا يبدو أن الانتخابات “ستكون عنصرا فاعلا في التغيير” بعد عامين من الانتفاضة.
وأضاف “كان يفترض بهذه الانتخابات أن تكون رمزا للتغيير، لكن للمفارقة فإن من يدافعون عن هذا التغيير اختاروا المقاطعة احتجاجا على عدم تغير الوضع الراهن”.
وقالت المرشحة فاتن محيي القره غولي أستاذة التاريخ في الجامعة المستنصرية في بغداد، إن طلابها شجعوها على الترشح للانتخابات.
وأضافت القره غولي، التي تعمل مع “حركة امتداد” التي ظهرت بعد الاحتجاجات المناهضة للحكومة، إن العديد من الناس في دائرتها الانتخابية من الطبقة الوسطى خططوا لمقاطعة الانتخابات لكنهم غيروا رأيهم.
وأضافت “عندما اكتشفوا أننا مرشحون لحركة الاحتجاج قالوا سنعطيك أصواتنا”.
وأكدت أنها ستعمل عند الفوز مع كتلة معارضة لأي قرار يصدر عن الأحزاب السياسية الفاسدة.
وفي بلد قائم على التسويات السياسية، ينبغي على القوى الأساسية وضع خلافاتها على ملفات عدة من الوجود الأميركي إلى نفوذ الجارة إيران، جانبا، للتفاوض على اسم جديد لرئاسة الحكومة، في عملية قد تتطلب أشهرا. وقد تمّ اختيار الكاظمي بعد خمسة أشهر من المفاوضات.
ويشرح المحلل السياسي العراقي علي البيدر أن “الأمر مرهون بالمحصلة بمستوى تمثيل الكتل لاسيما داخل الكتل الشيعية”، في إشارة خصوصا إلى التيار الصدري بزعامة رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، الأوفر حظا في هذه الانتخابات.
ويطمح الصدر، وهو زعيم فصيل مسلح لميليشيا جيش المهدي ويقدّم نفسه على أنه المناهض الأول للسياسيين الفاسدين، لتحقيق نتائج تتيح له اختيار رئيس للحكومة من دون عوائق.
ويرى البيدر أن القوى الموالية لطهران “تحاول العمل بشكل واضح للحفاظ على المكتسبات التي حققتها في المراحل السابقة”.
ويقول مارديني “يحتمل أن تنشأ خلافات أولية بين القوى الشيعية، لكن ذلك ليس سوى تكتيك للمساومة بين أطراف النخبة التي ستفضي بالنهاية إلى توافق”.
ويضيف “يبقى تشكيل الحكومة بيد الأحزاب السياسية وقادتها. لا يمكن للمستقلين إلا أن يكونوا مجرد ملحق سطحي في العملية”.
وقد يزيد ذلك من حظوظ الكاظمي الذي نجح في “الحفاظ على علاقات جيدة مع لاعبين داخليين وخارجيين أساسيين”، وفق مارديني.
ورغم أن “الكتل الموالية لإيران لا تفضل الكاظمي، لكنها ستقبل به مقابل خيار آخر قد يكون أشدّ وطأة على العلاقة مع طهران”، كما يرى البيدر.
وللكاظمي علاقات جيدة مع كل من حليفي العراق الخصمين في ما بينهما طهران وواشنطن.
اقرأ أيضا: الانتخابات فرصة الميليشيات لتثبيت حضورها