"شخص آخر" في تجربة التشكيلية وجدان الماجد

نحن دائما نرتدي أقنعة شعورية أو سلوكية لنرضي توقعات الآخر، هذه هي الفكرة التي تتناولها الفنانة العراقية وجدان الماجد في معرضها "شخص آخر" الذي تصور فيه وجوها وأقنعة، تأخذنا من خلالها نحو أعماق النفوس البشرية والمخاوف التي تواجهها النساء بدرجة أولى وتجبرهن على ارتداء أقنعة أو التحرر منها أحيانا.
على قاعة “ذا غاليري” في بغداد، أقامت الفنانة العراقية وجدان الماجد معرضها الشخصي تحت عنوان “شخص آخر”، الذي ضم مشاهد تعبيرية معاصرة، بقياسات كبيرة الحجم، وفق رؤية فكرية معاصرة، حيث تصطحبنا عبر هذه المشاهد البصرية إلى أعماق نفوس ودواخل الناس الذين نتعامل معهم بشكل يومي، قد يكون منهم صديق، زميل، جيران، وحتى قريب من الأهل أنفسهم.
وقد وسمت الماجد لوحاتها بعناوين مستقلة، رغم وحدة الموضوع، ودلائله الرمزية التي أرادت البوح من خلالها بأفكارها، وبالتالي ترسل رسائلها إلى المجتمع عموما.
في لوحة “أقنعة قمعية”، تمثل الفنانة صراعا داخليا وخارجيا ومواجهة مع ما يفرضه المجتمع على النساء من معايير وأدوار قد تكون مرعبة أو قمعية، مع ذلك فهن صامدات وكأنين في بداية مواجهة حقيقية مع الذات ومع الضغوط الخارجية.
أما لوحة “تحرر” فهي لحظة من التحرر الداخلي والعودة إلى الذات حيث تنزع المرأة القناع الذي كانت ترتديه لتكون نفسها بعيدا عن الضغط الاجتماعي أو المظاهر التي تكون قد تخلت عنها، وتنام على أرض قوية ومرتكزة قد تكون جزءا من ذاكرتها وثقافتها.
وتأتي لوحة “رغبة في التفرد” لتصور تظاهر النساء بلعب أدوار مختلفة من أجل التأقلم مع الآخرين، والأقنعة هنا وسيلة للبقاء مقبولة أو محبوبة في بيئة قد تتطلب إظهار أشكال معينة من الشخصيات، وتعتقد الفتيات بارتداء هذه الأقنعة تعبيرا عن رغبة في التنوع والتجربة ونوع من الانفصال عن الذات.
أما لوحة “احتراس” فإنها تشير إلى التوازن بين الإبداع والاحتراس ومحاولة للحفاظ على مسافة بين الذات والعالم، وتشير إلى حالة من الوعي التي تعبر من خلال الموسيقى عن ذاتها ولكن بنفس الوقت تحجب الجزء من ذاتها العميقة خلف قناعها الشفاف.
وتعكس تأثيرات لوحة “الاغتراب”، الاغتراب الثقافي والنفسي الذي يعيشه المغترب خصوصا إذا كان عربيا يعيش في بيئة غير بيئته الأصلية، القناع يمكن أن يكون رمزا للتكيف أو التمويه الذي يضطر المغترب إلى ارتدائه من أجل الاندماج أو الابتعاد عن هويته الأصلية ولكن مع الحفاظ على مشاعر الحنين إلى الجذور.
ووسط حالة من الاسترخاء والسكون ونظرات متبادلة للتواصل أو الفهم، يظهر حاجز نفسي يسيطر على إحداهن والخوف من الكشف عن حقيقة خفية وسط الأشخاص المقربين، في لوحة “الحاجز”.
وتعبّر لوحة “فراغ” عن الانعزال وحالة من فقدان الهوية أو الإحساس بعدم وجود هدف، أي أن يظهر الرجل بمظهر خارجي لكنه خال من أي جوهر، ويمثل حالة من الجمود، والكرسي في اللوحة يعزز فكرة الشخص العالق في مكانه ولا يستطيع التقدم.
وتعكس لوحة “قناع الذهب” التوقعات المجتمعية التي تفرض على المرأة الظهور بشكل مثالي مما يجعلها عالقة في دور محدد لا يعكس صورتها الحقيقية، حيث تنتقل بين الهوية التي تظهرها للآخرين وتلك التي تعيشها في داخلها وهي من التحديات التي تواجهها المرأة في المجتمع.
أما لوحة “قناع الكلمة” فإنها تشير إلى التظاهر أو تقديم واجهة لا تعكس الحقيقة الداخلية، ويكون الشخص غير قادر على التعبير عن نفسه بحرية خوفا من الحكم عليه أو فقدان مكانته في المجتمع، وهي معركة داخلية بين ما تريد قوله وما يتوقع منها قوله.
وتوحي لوحة “قناع المال” برمزية عميقة حيث تمثل الشخص بالقوة والجدية والسلطة والنفوذ، وتأثير المال بالوقت نفسه في تغيير القيم أو التحكم في الأشخاص ونقد المجتمع الذي تحكمه المادة.
وفي لوحة “قناع فينيسيا” يبرز الانسلاخ عن الهوية العربية والتأثر بالثقافة الأوربية، والمزج بين الفنون والتقاليد وعكس مفهوم إخفاء الهوية، وكيف يرى الأفراد أنفسهم في المجتمع العربي عند تبني رموز ثقافية غربية، لتكون هوية متعددة الأوجه.
ولوحة “تضامن” هي تعبير ضمني عن التحول الشخصي والجماعي، فالمرأة التي تنزع القناع ليس فقط لتكون صادقة مع نفسها بل أيضا لتلهم غيرها من النساء بالسير نحو نفس الطريق، وهي لحظة التحرر من القيود.
وفي لوحة “أقنعة”، حيث التعددية والتنوع في الشخصيات والثقافات والتغيرات المستمرة في شخصية الإنسان تنعكس على طابع النفاق المجتمعي، وهناك هويات مستمرة في التغير والانسلاخ عن الحقيقة.
ويظهر التحدي للأوضاع المألوفة التي يمر بها بعض الأشخاص في لوحة “منظر مختلف”، حيث لا يرون الأشياء كما هي عليه عادة للحصول على التمرد أو الرغبة في التفرد، والقناع المقلوب فكرة تمويه أو تشويش على الهوية، وعادة ما يكون القناع وسيلة للتستر على الذات ولكن وضعه العكسي يعني حالة من الارتباك أو الصراع الداخلي بشأن تقويم الذات.
والتقمص الفني قد يكون تعبيرا عن الإلهام والتأثر بفنان آخر وكأن الفنان الأول يعيد أحياء الفنان الثاني، كما في لوحة “قناع فنان”.
كما أن الأقنعة الكبيرة تحمل في طياتها الكثير من الرمزية، مثلما في لوحة “قيود” فهي تمثل ضغوطا مجتمعية كبيرة تفرض على الأفراد أكثر من مجرد أنفسهم ودون رؤيتهم إلى حقيقتهم، ويكون هناك صراع داخلي بين الهوية الذاتية وبين التصور الاجتماعي وتخلق نوعا من القيود.
و”إفراط” لوحة عن رغبة المرأة القوية في تقديم صورة خارجية مثالية لتلبية معايير الجمال المفروضة اجتماعيا، وتعكس حالة التفريط بالهوية الحقيقية، وهي حالة من الهروب والقلق المستمر والضعف والخوف من رأي المجتمع على المظهر الخارجي تصل إلى حالة الإفراط.
وعندما تسقط الأقنعة وينكشف الواقع أو الحقيقة التي كانت مخفية خلف طبقات من التظاهر، يكون إيحاء المذبح تحت حالة التضحية أو المعاناة، ودون القدرة على الهروب، وتشير إلى حالة من الضغوط النفسية ومواجهة الحقيقة الصعبة، كما هو الحال في لوحة “المذبح”.
وتظهر لوحة “تحدي” الكثير من الأقنعة المزيفة التي يرتديها الآخرون لإخفاء حقيقتهم، لكن تبقى بعض التحديات من بعض الأشخاص ليقفوا في تحد لكل الزيف الموجود بقرار واع للتخلص من المعايير المجتمعية.
أما لوحة “الخوف” فتصور شعور الفرد بالخوف من الحسد الذي يختبئ وراء تصرفات أو أقنعة معينة ليحمي نفسه من مشاعر سلبية قد تطرأ من الآخرين، لذلك يتجنب الأنظار ويخلق صورة أقل تألقا من الواقع ليجنب نفسه مشاعر التنافس أو الحسد من المحيطين.
ولوحة “خط أحمر” هي رمز لمشاعر قوية وللحياة، ترافق الشخصية بالرغم من الازدواجية من خلال إخفاء نصف الوجه، وعدم الكشف الكامل للذات، وبالتالي تكون فاصلا للحدود الاجتماعية وهذا شائع في فترة المراهقة حيث يعيش الأفراد صراعات داخلية بين ما يريدون إظهاره وما يرغبون في إخفائه.
وتصور لوحة “تشابه” القناع الذي يستخدم في العادة لإخفاء شيء أو لإظهار شخصية أخرى، لكن هنا لا يوجد اختلاف بين الوجه الحقيقي والقناع، مما قد يكون نقدا، الفكرة أن القناع قد يصبح جزءا من الشخصية الحقيقية.
والفنانة وجدان الماجد من مواليد بغداد عام 1973، تدرس في كلية الفنون الجميلة في بغداد. شاركت في العديد من المعارض الفنية داخل العراق وخارجه. رسمت عددا كبيرا من الجداريات الضخمة في شوارع وتقاطعات بغداد. اتخذت في أسلوبها الفني “الرسم الواقعي المفرط – السوبرياليزم”، فهي ملتزمة جدا بالفن الكلاسيكي.