شخصيات شهرزاد النسائية تتمرّد على مصائرها في "الليلة الواحدة بعد الألف"

دمشق – تجربة جديدة خاضها كورال غاردينيا النسائي من خلال أول عرض مسرحي بصري غنائي له بعنوان “الليلة الواحدة بعد الألف” بقيادة الموسيقية غادة حرب، وقد احتضنه على مدار يومين مسرح الأوبرا بدار الأسد للثقافة والفنون في دمشق.
استوحى العرض -الذي كتبت له السيناريو المسرحية السورية آنا عكاش وألفت موسيقاه سفانة بقلة، ومن تدريب غادة حرب- قصته من حكايات “ألف ليلة وليلة” ولكن برؤى مختلفة.
بطلة عرض “الليلة الواحدة بعد الألف” شهرزاد أدت دورها المغنية الأكاديمية سناء بركات مستعيدة حكاياتها الشهيرة لزوجها شهريار الذي قتل ألف امرأة من النساء في مملكته، وأدى دوره مغني الباريتون ميخائيل تادروس، وهنا تقف شهرزاد حائرة وخائفة من مصيرها ومتعبة من سرد الحكايات ولم تعد تريد الاستمرار في هذه اللعبة بعد الآن.

العرض حمل عبر مشاهده المبتكرة رسالة مجتمعية كسر من خلالها الصورة النمطية للمرأة
وبُني العرض المسرحي الغنائي عبر سرد ما يقارب 11 قصة قُدمت خلالها أغنيات جديدة، كما استخدمت في العرض تقنية الغرافيك لتكون مشاهده متكاملة العناصر الفنية والتقنية بتوقيع نادين الهبل.
وحمل العرض عبر مشاهده رسالة مجتمعية كسر من خلالها الصورة المتعارف عليها للمرأة بشكل عام فخرج من عباءة النمطية التي وضعتها في مكان بعيد عن حقيقتها ليعبر العرض في الختام عن رؤى النساء وفق نظرة جديدة تؤدي إلى تغيير الأحداث.
وعكست المشاهد الثلاثة التي تألف منها العرض ثلاث رؤى أساسية؛ الأولى تناولت حوار مغنيات الكورال وشهرزاد وأختها دنيازاد التي كان دورها داعماً لقرارات أختها وأدت دورها المغنية هبة فاهمه.
ويقدم المشهد الثاني تجديداً على صعيد الفكرة حيث تخرج بنات أفكار شهرزاد من قصصها وحكاياتها وتتحول إلى شخصيات حقيقية تسرد قصصها بطريقتها وتظهر وجهات نظرها، وتؤكد من خلال ذلك على أن القصص الفريدة لها نهايات جديدة بعد أن غيبت أصواتها في حكايات “ألف ليلة وليلة” عبر العصور.
ومن الحكايات التي تناولها العرض قصة تودد الجارية البارعة في كل العلوم والفنون والتي تخلى عنها الخليفة ليسد ديونه، وقصة نور النهار الفتاة النبيلة العطوف التي أحبها أبناء عمها الثلاثة وجابوا البلاد ليجلبوا لها أعظم مهر يقبل به والدها السلطان، لتتحدث عن رغبتها هي في العرض.
ومن شخصيات العرض الملفتة أميرة لا اسم لها كما في قصة فاطمة، في إدانة لإقدام الرواة على إغفال أسماء بعض شخوص قصصهم دون سبب موجب.
ويقدم العرض روايات مغايرة للقصص الشهيرة كما في حكاية دليلة، حيث نجد أن ابنتها زينب التي كانت مغيبة في الرواية الأصلية أصبح لديها في عرض غاردينيا ما تقوله ورأي تصدح به وتأثير في مسار الحكاية، ويتكرر الأمر ذاته مع قصة الملكة زمرد تلك الجارية التي تنكرت في ثياب رجل وحكمت مدينة، ليناقش العرض مسألة ما إذا كانت راضية عن قصتها أم أنها كانت ترغب في تغييرها.

أما بدر البدور، إحدى شخصيات “ألف ليلة وليلة” الشهيرة بوصفها الأميرة التي أحبها علاء الدين وتزوجها بمساعدة مارد المصباح السحري وأنقذها من الساحر الشرير فعاشت حياتها بسعادة ورخاء، يقدمها عرض “الليلة الواحدة بعد الألف” بصورة مختلفة وجديدة هي الأخرى، غير تلك التي كرستها حتى السينما وأفلام الكرتون والحكايات المقتبسة عن “ألف ليلة وليلة”.
في المشهد الثالث من العرض المسرحي الغنائي تظهر صرخة شخصيات القصص وتمردها على الرواية الأصلية ليطال التمرد شهرزاد وتطالب شهريار بالعيش حياةً طبيعية دون أن تتعرض لخوف القتل في اليوم الثاني.
حلم كورال غاردينيا تحقق من خلال تقديم عرض مسرحي غنائي متكامل العناصر ما يعكس تطور أداء مغنيات الكورال وإصرارهن على إيصال رسائل إنسانية من خلال الموسيقى، والعرض لا يخص المرأة فقط وإنما يطال المجتمع برمّته في نقد صريح للذكورية وحتى لاستكانة النساء ولمظاهر اجتماعية عديدة عبر اللوحات الغنائية الراقصة والمعبرة.
ويذكر أن كورال غاردينيا النسائي يضم مجموعة من المغنيات من أساتذة وطالبات المعهد العالي للموسيقى ممن يمتلكن أصواتاً مميزة ومعرفة احترافية بتقنيات الغناء الجماعي والمنفرد، والذي أسسته وتقوده غادة حرب مغنية الأوبرا من طبقة السوبرانو والأستاذة في المعهد العالي للموسيقى، التي تمتد خبرتها في قيادة الجوقات والعمل الجماعي لسنوات طويلة بعد تتلمذها على يد الروسي بابينكو.