شباب العرب يتنافسون سينمائيا عبر مهرجان إلكتروني

بعد مرور شهرين من مرحلة المشاهدات والمتابعة لمشاركات السينمائيين العرب الشباب في الدورة الثانية من المهرجان الدولي الإلكتروني الدولي في سوريا صدرت النتائج أواخر شهر مايو الماضي، كما كان مبرمجا لها. فماذا عن هذا الجهد الشبابي الذي نجح في تحقيق حضور سينمائي عربي هام رغم ضعف الإمكانيات وتعدّد الإكراهات؟
دمشق- على امتداد شهرين من 28 مارس وحتى 28 مايو الماضي تم عرض خمسة عشر فيلما قصيرا من سبع دول عربية هي مصر والمغرب وتونس والعراق وفلسطين والأردن وسوريا، وذلك ضمن المهرجان الدولي الإلكتروني للأفلام القصيرة في دورته الثانية، الذي تمكّن رغم الإكراهات وضعف الإمكانيات من تجاوز العديد من المصاعب المهنية الراسخة في مثل هكذا مهرجانات شبابية طموحة تفتقر لأي جهة رسمية داعمة.
وشارك في النسخة الثانية من المهرجان ثلاثة أفلام مغربية، هي: “الموجة الأخيرة” لمصطفى فرماتي و”محنة” لنجيب أسد و”ما الخطب” لهشام الباز، أما المشاركة التونسية فكانت عبر فيلم “كراك مادوم” لمريم السوسي.

عيسى عمران: مواقع التواصل الاجتماعي مكنتنا من تنفيذ مهرجاننا بنجاح باهر
ومن مصر شاركت أفلام “توشريت” لعامر أبوحسيبة و”الظل” لمحمد أشرف و”أحمده” لمصطفى وفيق. ومن العراق شارك فيلم “على ضفاف تشرين” لعبدالإله علي، بينما شارك الأردن بفيلمي “عندما تدور الأقدار” لكارو أراراد و”الوصية” لجمال خريشا، ومن فلسطين شارك “ضوء رمادي” لمحمد فرحان. ومن سوريا البلد المُضيف شاركت أربعة أفلام، هي “الزيارة” لعمرو علي و”أبناء الحياة” لشروق البني و”حلوين من يومنا والله” لعامر وردة و”وضوح مشوّش” لفراس جرار.
جهود ذاتية
تألفت لجنة تحكيم الدورة الثانية من ستة أعضاء، كان منهم من سوريا أيهم نزهة وهو مخرج وكاتب، وكمال مرة كاتب ومخرج وممثل، وهشام فرعون مخرج سينمائي، ومن مصر سناء الشيخ سيناريست، ومن ليبيا رمضان المزداوي مخرج سينمائي ومن المغرب بلال الطويل مخرج سينمائي.
وقد خلصت إلى النتائج التالية: جائزة حاتم علي الكبرى لأفضل فيلم ذهبت إلى فيلم “أبناء الحياة” للمخرجة شروق البني من سوريا، وجائزة أفضل إخراج كانت للمغربي مصطفى فرماتي عن فيلمه “الموجة الأخيرة”، وجائزة أفضل سيناريو لندى عيسوي عن فيلم “ضوء رمادي” الفلسطيني، وجائزة أفضل ممثل لإلياس علاف عن فيلم “الموجة الأخيرة” المغربي.
فيما ذهبت جائزة أفضل ممثلة مناصفة بين الممثلة التونسية لبنى مليكة عن فيلم فيلم “كراك مادوم” والممثلة المصرية رحمة أحمد عن فيلم “الظل”، وآلت جائزة المهرجان التقديرية للمخرج السوري عمرو علي عن فيلم “الزيارة”، كما منح المهرجان جائزة خاصة ذهبت للفيلم الأردني “الأقدار” للمخرج جارو أراراد.
وفي تصريح من مدير المهرجان بلال حيدر لـ”العرب” عن رأيه في النتائج قال “قامت لجنة التحكيم باختيار 15 فيلما من أصل 80 فيلما. واختارت الجوائز بناء على التصويت، وكان لإدارة المهرجان القرار بمنح جائزتين خارج الجوائز الخمس الكبرى. للمخرج السوري عمرو علي والمخرج الأردني جارو أراراد وذلك تقديرا لجهودهما ولمنح تشجيع أكبر للمخرجين الشباب، نظرا لاحتوائهما على عناصر متكاملة من أساسيات الفيلم القصير، وهي تستحق الثناء. واختارت اللجنة الأفضل عن كل جائزة من بين الأفلام المقدّمة”.

بلال حيدر: المنافسة ليست للخسارة بل للربح، وهو جوهر المهرجان
ويؤكّد “في كل مهرجان لا يوجد خاسرون، والمنافسة ليست للخسارة بل للربح، وهو الجوهر من إقامة المهرجان ومرشدنا في تنظيمه”.
ويقول عمران عيسى المنسق العام للمهرجان عن بدايات المهرجان وكيفية تشكله “بدأت فكرة المهرجان مع بدايات الحظر الأول في سوريا والعالم ومع انتشار الموجة الأولى لفايروس كورونا. اجتمعت مع المخرج بلال حيدر لبحث ما يمكن فعله أثناء الحجر. ووجدنا أن استغلال وسائل التواصل الاجتماعي عن طريق تنظيم مهرجان إلكتروني يجمع المخرجين الشباب مع بعضهم ويشعرهم باستمرار الأمل بالتواصل مع الجمهور هو الوسيلة الأفضل”.
ويسترسل “كتبنا الإعلان الأول للمهرجان وأطلقناه في 28 مارس 2020 وترافق ذلك مع يوم المسرح العالمي الذي كانت قد ألغيت فعالياته بسبب الحجر. ووضعنا خطة لتنظيم المهرجان بالاتصال مع لجنة مختصة وإنشاء صفحة عامة للمهرجان وتحديد مواعيد التقديم ودراسة الأفلام وتحديد المقبول منها، ومن ثم إعلان النتائج أسوة بباقي المهرجانات التي كنا قد اشتركنا فيها. كان الطموح، استمرار عمل هذه المنصة في المهرجانات القادمة وتطويرها لتصبح منصة تعليمية وترويجية وإنتاجية إن حصلنا على الدعم الكافي”.
تقدّم سريع
كانت البداية عام 2020 بصيغة تقترب من الارتجال، وهي الصيغة التي اجتذبت حضور البعض وساهمت في تقديم أفلامهم، واستطاعت المنصة رغم بدائيتها أن تكون محفّزا على الوجود في الدورة الثانية، بشكل مكثّف أكثر.
ويقول عمران “في الدورة الأولى قُدّم للمهرجان 37 فيلما منها ستة أفلام سورية، وقبل 11 فيلما منها فيلم سوري واحد من إنتاج القطاع الخاص. أما في الدورة الثانية فقد تطوّر الأمر وقُدّم للمهرجان 80 فيلما منها 15 فيلما سوريا، وتم قبول 15 فيلما من قبل لجنة التحكيم في المسابقة الرسمية، وكان نصيب الأفلام السورية هذه المرة أربعة أفلام، الأمر الذي يدلّ على زيادة ثقة المخرجين في المهرجان بتقديمهم أفلاما سورية قصيرة ذات سوية عالية. أما على الصعيد العربي فقد نال العراق الحظ الأكبر من الترشيحات في الدورة الماضية في حين نالت مصر والمغرب الحظ الأوفر في هذه الدورة إلى جانب سوريا”.

الراحل حاتم علي من المخرجين الكبار الذين تركوا بصمة في الدراما السورية
وعندما انطلق فريق عمل المهرجان في عمله لم يكن مدعوما من أي جهة رسمية أو أهلية، فكانت المصاعب كبيرة والتحديات كثيرة، لكنهم تجاوزوها ووصلوا إلى تنفيذ الدورة الأولى التي حقّقت التواصل والحراك مع مبدعين سينمائيين عرب. لكن الأمر تحسّن في الدورة الثانية من خلال مشاركة بعض الفعاليات الأهلية في المهرجان وتقديمها بعض الدعم له، الأمر الذي انعكس على صورته العامة.
وعن ماهية العلاقة التي تحكم طبيعة المهرجان والجهة المنظمة له يبيّن عمران “المهرجان فكرة ومشروع شخصي لمخرجين مستقلين من مدينة حمص، هما بلال حيدر مدير المهرجان وأنا المنسق العام له. اخترنا الصفات بشكل وظيفي لتحديد المهام والمسؤوليات. جل إمكانياتنا هي وسائل التواصل الاجتماعي وصداقاتنا مع المخرجين العرب الذين تم التعرّف عليهم من خلال مشاركاتنا في المهرجانات المختلفة”.
ويضيف “لا توجد أي جهة رسمية داعمة لنا حتى الآن. في الدورة الأولى لم نحظ بأي رعاية، لكننا في هذه الدورة نجحنا في التواصل مع عدة جهات وشركات فنية محلية وعربية لرعاية المهرجان. ونطمح في الدورة القادمة للحصول على رعاية رسمية إن كانت من قبل مؤسسة السينما أو من قبل وزارتي الإعلام والثقافة السوريتين. ونحن مستمرون في دورات قادمة لاستكمال تحقيق أهدافنا في خلق التواصل والتفاعل بين السينمائيين الشباب وإرواء شغفنا السينمائي الذي لا ينضب”.
وفي لفتة إنسانية وفنية قرّر منظمو النسخة الثانية من المهرجان أن تكون باسم المخرج السوري الراحل حاتم علي، للقيمة الفنية الكبيرة التي يحملها الفنان في تاريخ الفن السوري.
ويقول عمران في ذلك “حاتم علي من المخرجين الكبار الذين تركوا بصمة في الدراما السورية، رغم تجاربه السينمائية القليلة. أحببنا الاحتفاء به كونه شخصية ملهمة في المجال الفني، ولتذكير المخرجين الشباب بأهمية الاقتداء بقامات عظيمة تركت أثرها ورحلت عن عالمنا. ولكون المهرجان في دورته الثانية فكّرنا أن التحية لعلي هي ضرورة كما هي واجب، وجهنا التحية من خلاله إلى جيل كامل من الفنانين والفنيين السوريين المؤسّسين والعاملين الذين يحملون نفس الهم الذي نحمله تجاه السينما السورية”.
المهرجان الدولي الإلكتروني للأفلام القصيرة يهدي نسخته الثانية إلى روح المخرج السوري الراحل حاتم علي.
ومعلوم أن سينما الشباب في العالم العربي تواجه العديد من المصاعب في طريق نهضتها وتقدّمها، أولها الآلية الإنتاجية التي لا تقدّم الكثير من الفرص للطاقات الفنية الشابة، فالحكومات العربية لا تعتني بهذا الجانب بشكل جاد، وفي شكل مواز تغيب الجهود الأهلية عن تقديم يد العون، وتبقى المحاولات محصورة في بعض المشاريع والصناديق الإنتاجية العربية الحكومية أو أهلية التي تقدّم بعضا من الدعم.
وتظل فرص الشباب العربي لعرض أفلامهم وتأمين مشاركات حضورها في المهرجانات والتظاهرات السينمائية الدولية ضئيلة جدا، على اعتبار كونها أمرا صعب التحقّق لما يتطلبه من شبكة علاقات مهنية واسعة. وما زاد الأمر سوءا العام الماضي وجود جائحة كورونا التي غزت العالم وبسببها زادت معاناة السينمائيين الشباب في إيجاد صيغ إنتاجية أولا ومهرجانية ثانية تمكّن هذه الطاقات من تحقيق رؤاها وتقديم طموحاتها الفنية السينمائية.
لكن هؤلاء الشباب لم يقفوا مكتوفي الأيدي أمام هذا الواقع، فعرفوا مكامن القوة في عصرهم واستطاعوا من خلالها تحقيق ظهورات سينمائية جادة، وبحكم وجودهم في عصر تقني متطوّر جدا يُتيح لهم التلاقي الإبداعي ولو عن بعد، استطاعوا ابتداع بعض الحلول الإسعافية التي يمكن أن توجد بعض النجاحات لتجاوز هذه العوائق. وهو ما تحقّق لهم من خلال المهرجان الدولي الإلكتروني للأفلام القصيرة في سوريا.
