"شبابيك" عصام يوسف تنفتح على مدن وفضاءات تشكيلية جديدة

فنان سوري ملتزم بالتجديد ويرفض حصر الفنان في مدرسة خاصة.
الاثنين 2023/10/23
حنين إلى المدينة

لا يهدأ بعض الفنانين في تقديم رؤاهم الفنية المتغيرة والمتجددة، منطلقين من مفهومات فنية تشكل وعيهم وطرائق عملهم وتحفزهم على تقديم منتجهم الإبداعي بما يحمله من تجريب. من هؤلاء الفنان التشكيلي السوري عصام يوسف الذي يقدم دائما الجديد والمختلف، وفي معرضه الأحدث “شبابيك” تحضر المدينة بصورة مختلفة تبدو أقرب إلى الهندسة المعمارية.

دمشق - ينطلق الفنان التشكيلي السوري عصام يوسف في فهمه للفن بكونه متجها إلى العامة وإلى أوسع شريحة ممكنة من الناس، فالفنان ابن الحياة والطبيعة ومن الخطأ حصره في مسار أو حالة محددة، وهو بالضرورة دائم التغير والتجدد.

في صالة عشتار بدمشق، أقام يوسف معرضه الفني الأحدث والذي حمل عنوان “شبابيك” سار فيه كما عادته نحو فضاءات فكرية وتشكيلية جديدة، فهو ينتمي إلى نمط لا يكمن فيه في مكان واحد، بل يتحرك في أشكال فنية عديدة وأفكار خلاقة. تكوينه الأكاديمي جعله يكون مهندسا معماريا ومصورا ضوئيا ثم فنانا تشكيليا رسم أعمالا في المدرسة التكعيبية ثم السوريالية ثم الانطباعية والواقعية. في معرض “شبابيك” ثيمة يقدمها، وهي الشباك، ليس بالمعنى المباشر الذي يكونه، بل بكونه مساحة من الفضاء الإنساني والفراغ الذي يحيل الإنسان إلى الرغبة بمعرفة ما وراء هذا الفضاء.

عصام يوسف يراهن على ضرورة التغير وتقديم الجديد، وما قدمه في {شبابيك} يشكل حالة جديدة في تقديم روح المدينة
عصام يوسف يراهن على ضرورة التغير وتقديم الجديد، وما قدمه في "شبابيك" يشكل حالة جديدة في تقديم روح المدينة

خروج عن النص

في “شبابيك” رغبة في محو مسافات افتراضية تفصل بين الناس للوصول إلى المزيد من التواصل. ولكي لا تبقى اللوحات جامدة، لجأ يوسف إلى إدخال عنصر الإنسان إليها، “الشبابيك لن تكون نابضة بالحياة إلا لو كان فيها الإنسان، وإظهار شيء من تفاصيله سيعطيها هبة الحياة، ربما يدا أو وجها أو عينا، سيكون ذلك مؤكدا أن ثمة حياة هنا”.

يراهن عصام يوسف على ضرورة التغير وتقديم الجديد، وما قدمه في “شبابيك” يشكل حالة جديدة في تقديم روح المدينة، ويقول في حوار مع “العرب”، “تعمدت أن أرسم المدينة وشبابيكها بطريقة مختلفة، مستفيدا من خبرتي في هندسة العمارة، كوني مهندسا معماريا أولا، كان تكوين الصورة تشكيليا منسجما مع العملية التي تفترضها هندسة العمارة كعلم. فظهرت المدينة بطريقة فيها روح التشكيل مع سيطرة القاعدة العلمية المستوحاة من فن العمارة عليها”.

وعن نجاح هذه التجربة يتابع “البعض أحب الفكرة ووجد فيها خروجا عن المألوف في تقديم حالة الحنين الوجداني للمدينة، التي غالبا ما تأخذ مسارات محددة تتسم بالوجدانية، والبعض الآخر وجد فيها أن روح هندسة العمارة طغت عليها ووضعتها في مكان ملتبس. أنا أعتز بأنني فنان تشكيلي وجذري مهندس معماري. أحب هذا الفن وأعمل به وأرغب دائما بالمزج بينهما”.

في معرض "شبابيك" ثلاث وعشرون لوحة، قدمت في معظمها تخيلات الفنان عن المدينة في الصيغة الشكلية التي وصل إليها
في معرض "شبابيك" ثلاث وعشرون لوحة، قدمت في معظمها تخيلات الفنان عن المدينة في الصيغة الشكلية التي وصل إليها

في معرض شبابيك ثلاث وعشرون لوحة، قدمت في معظمها تخيلاته عن المدينة في الصيغة الشكلية التي وصل إليها. لكن لوحة شكلت خروجا عن النسق، قدم فيها فكرة عن الصوفية.

يقول عن ذلك “لوحة الصوفية محببة إلي، رسمتها منذ ما يزيد عن الخمسة عشر عاما وهي موجودة بين لوحاتي الشخصية التي لا يعرفها زواري، وأنا أضعها في بيتي وليست في المرسم، أحببت أن تكون هذه المرة في المعرض لكي يتعرف الناس إليها، وهي تمثل لي رغبة أصيلة بأن على الفنان أن يقدم الجديد والمختلف في أعماله، كثيرون يعرفون أعمالي وتوجهاتي الفنية، وكانت مفاجأة لهم تقديم هذه اللوحة، التي تمثل بالنسبة لهم خروجا مني عن المألوف، وهو ما أسعى إليه”.

ربما يتقاطع عمل فنان مع غيره في تناول جانب فني محدد، وربما يتناول فنان موضوعا سبق لآخر أن قدمه، لتثور مسألة التأثير والاقتباس التي ربما توجد في معرض “شبابيك” الذي كان موضوعه رسم المدينة.

يقول عصام يوسف “الحياة مفتوحة للجميع، وهم جميعا متأثرون بها، كل على طريقته، والفنان يغرف من بحر إبداعي كبير في تفاصيله وأطيافه، ومع اتساع هذا البحر، ربما يضع فنان عينه على تفصيل أو حالة ويكون فنان آخر في طرف آخر من العالم قد وصل إليها سابقا أو حاضرا. هذا لا يلغي أو يعطل هذا التناول، فلكل فنان طريقة في التعبير والأداء، بحسب الذهنية والخبرة والبيئة الخاصة به، لكن هذا التوافق أو التشابه سيكون بالتأكيد نادر الوجود، وفي دائرة صغرى، لأن بحر الحياة واسع وهائل المساحة والتفاصيل أكثر من أن تعد والأفكار فيها خيارات كبيرة”.

وفي حديث عن الاقتباس، يوضح الفنان التشكيلي في حواره مع “العرب” أن “الوجه الآخر لوجود مقاربة بين عملين هي مسألة الاقتباس، وهي مسألة مشروعة كما أراها، إنما بشرط الوضوح. الفنان في النهاية إنسان يتفاعل مع محيطه الحياتي والفني بشكل مستمر، وعندما يأتي فنان آخر قبله ويقدم عملا هاما وبطريقة خلاقة، سيكون متأثرا به، وهو أمر طبيعي، فلكل فنان ملهم أو مؤثر.. أنا لا أرى مانعا في تقديم شيء مقتبس عن فن آخر، على أن يكون ذلك واضحا تماما في تقديم العمل وأن يقال بأن هذا العمل الفني أقتبس أو استوحي من روح العمل السابق كذا.. الاقتباس يكسب الفن أعمالا جديدة عن ثيمة محددة وينشئ بها جدلا فنيا مفيدا”.

بين الملل والتأطير

حنين إلى المدينة
هندسة جديدة للمدينة

تبدو مسألة تأطير نتاجات عصام يوسف عصية على حركة النقد، كونه متغير المسارات الفنية أولا ورافضا لفكرة التأطير المدرسي للنقد الفني ثانيا. فهو يبين “عدوي الإبداعي هو الملل، لا أستطيع الوجود في نفس المكان طويلا. وأفضل التحرك دائما، البقاء في مكان واحد طويلا يصيبني بالجمود، وهو الأمر الذي لا يتآلف مع طبيعتي. التجديد هو ما أهدف إليه وأعمل على تنفيذه في أعمالي، أرفض مسألة التأطير المدرسي لمسيرة الفنان، وهو بفنه وتطلعاته أكبر من أن يحصر في إطار محدد. أحترم وجود المدارس الفنية كحالة نقدية تنظيرية توثق للفن بشكل عام، ولكني لست مع إطلاق اسمها على مسار كامل لحياة الفنان”.

يبدو عصام يوسف معنيا بتقديم حالة فنية تسير وفق منهجية تقترب من إطار المشروع الفني، فقد رسم معرضا كاملا عن مدينته صافيتا من ريف اللاذقية، حمل اسم “تراتيل” وقدم فيه مجموعة من اللوحات التي شكلت طيفا من عواطفه تجاه مدينته، ومرة يرسم معرضا يقدم فيه المرأة بتجلياتها الروحية والنفسية من خلال فن البورتريه حمل عنوانا واسعا وملهما “وجهها” عبر فيه عن عالم المرأة بتفاصيله العميقة، كما قدم معرضا خاصا بدمشق سماه “يا شام” عرض فيه لوحات عن مدينة دمشق بأسلوب توثيقي واقعي حاكى فيه تناولات فنية كثيرة لمدينة تشغل حيزا إبداعيا لدى الكثير من الفنانين التشكيليين.

14