شاي ساخن.. على طرف ثوبه

أعرف كثيرا من الناس، خاصة الشرقيين، لا يحلو لهم شرب الشاي والقهوة ومشتقاتها إلا في درجة حرارة عالية تبلغ حدودا غير معقولة، حتى أن بعضهم يشعر بالضيق وبعض الإهانة من مضيفه إذا تقدم له بشاي فاتر.. يتنافى مع أصول الضيافة. أما جارتي العربية، فكان تصرف أو إهمال مثل هذا قد يطيح بأركان بيتها الزوجي في واحدة من نوبات غضب زوجها المفاجئة؛ فالشاي يجب أن يقدم في موعد محسوب بالدقائق بعد تناوله وجبة الطعام.. ساخن.. وبتحلية محسوبة بعدد ذرات السكر، وإلا فلا مناص من معركة زوجية أكثر سخونة من الشاي المراق على السجادة وطرف ثوبها وجزء من جلدها المحروق.
هذه ليست مزحة بالتأكيد، فقد كنت شاهدة على واحدة من المعارك الساخنة بينهما عندما سمعت صراخها وتطلعت بفضول من فتحة باب شقتي، لأجدها مطرودة خارج شقتها ولم تكن ترتدي سوى قطعة شفافة من ملابس المنزل!
اليوم، أظهرت دراسة حديثة بأن تناول الشاي الساخن جدا يمكن أن يتسبب في إصابة صاحبه بأورام غير حميدة في المريء، حيث قدر البحث بأن فرصة الإصابة بالمرض قد تصل إلى أكثر من مرتين مقارنة بالأشخاص الذين يتناولونه فاترا. يشتبه منذ فترة طويلة في وجود صلة بين المشروبات الساخنة وسرطان المريء؛ ذلك الأنبوب الطويل الذي ينقل الطعام من الحلق إلى المعدة، لكن الدراسة الحديثة التي أشرف عليها باحثون في جامعة طهران، تبدو أكثر متانة من الناحية العلمية لكون العينة التي اختارتها بلغ عددها أكثر من 50 ألف شخص بفئة عمرية انحصرت بين 40 و75 عاما.
تابعت الدراسة عاداتهم اليومية في شرب الشاي على مدى أعوام، تلك المعززة بدرجات الحرارة العالية وعدد أكواب الشاي المستهلكة في اليوم الواحد وحجمها، مقارنة بأشخاص معتادين على شرب الشاي الدافئ أو الفاتر قليلا.
ويعتقد العلماء بأن السوائل الساخنة جدا بإمكانها أن تثير وتهيج بطانة الفم والحنجرة، وهذا الأمر يشجع على تغذية الأورام غير الحميدة. وعلى الرغم من ذلك، لم يجد العلماء لحد الآن الأسباب المباشرة والكافية التي تعزز هذا النوع من الارتباط بين المشروبات الساخنة وسرطان المريء، فقد تكون هناك عوامل أخرى للإصابة بالمرض أكثر شيوعا لدى الأشخاص المولعين بشرب الشاي الساخن ربما، في حين من غير المنطقي مقارنة هذه النتائج بعدد حالات الإصابة في دول العالم الأخرى، عدا إيران (التي أجريت فيها الدراسة) والصين والدول المقاربة لها في الجغرافيا والعادات، تركيا وبعض البلدان العربية.
في بريطانيا مثلا لا يمكن أن تحدث مثل هذه المقارنة، إذ أن عادات الناس فيها لا تميل إلى هذا المزاج المتطرف في المشروبات الساخنة، بل إن أغلبهم يفضل إضافة الحليب لمشروبهم المفضل وهذا بالطبع كفيل بتقليل السخونة إلى مستويات آمنة.
ذكر في المجلة الدولية للسرطان، التي نشرت الدراسة التي شاركت فيها إضافة إلى جامعة طهران، الوكالة الدولية لأبحاث السرطان في فرنسا، المعهد الوطني للسرطان في أميركا وجامعة كامبريدج في المملكة المتحدة، بأن سرطان المريء يعد السبب الثامن الأكثر شيوعا في جميع أنحاء العالم وأحد الأسباب الرئيسة لوفيات السرطان.
أحزنتني كثيرا نتائج هذه الدراسة الساخنة، حيث تذكرت جارتي العربية. ترى هل مازالت تمتص شحنات غضب زوجها العنيفة باستسلام ودمعة يتيمة معلّقة في زاوية عينها، أم أن الشاي المغلي قام بالمهمة بدلا عنها؟
كفانا الله وإياكم من أمراض هذا العالم الجسدية والنفسية!
يعتقد العلماء بأن السوائل الساخنة جدا بإمكانها أن تثير وتهيج بطانة الفم والحنجرة، وهذا الأمر يشجع على تغذية الأورام غير الحميدة.