شاعران مؤثران تستذكرهما تطوان ومراكش

مراكش/ تطوان – تنظم دار الشعر بمراكش ندوة علمية كبرى حول “المعتمد بن عباد شاعرا” ضمن فقرة “ذاكرة”، الجمعة 27 ديسمبر الجاري على الساعة الرابعة بعد الزوال بمدرج الشرقاوي إقبال برحاب كلية اللغة بمراكش.
وتسعى هذه الفقرة الجديدة وضمن البرمجة الخاصة بالموسم الثالث 2019 /2020، والتي تختتم بها الدار فقرات برنامج الطور الأول، لأن تستقصي بعض التجارب الشعرية المؤسسة والرائدة، وأيضا إثارة القضايا الجوهرية والمركزية التي تهم الخطاب الشعري بالمغرب.
وتأتي هذه الندوة تحت إشراف وزارة الثقافة والشباب والرياضة، قطاع الثقافة، وبتنسيق مع بيت الشعر في المغرب وكلية اللغة العربية بمراكش.
ندوة “المعتمد بن عباد شاعرا” ستعرف مشاركة لفيف من الباحثين سيحاولون استقصاء تجربة هذا الشاعر الألمعي، وإضاءة الكثير من تجربته في مجال الكتابة الشعرية، بعيدا عن مزالق حياته السياسية والشخصية.
وهكذا يتناول الناقد الدكتور أحمد قادم (عميد كلية اللغة بمراكش) قضية “الحجاج بالعواطف: رائية المعتمد بن عباد”، فيما تستقصي الناقدة الدكتورة عتيقة السعدي، أستاذة الأدب الأندلسي وبلاغة الخطاب الشعري بكلية اللغة العربية “بلاغة التقابل وأبعاده في شعر المعتمد بن عباد”، ويقارب الباحث سمير الوناسي “آل بني عباد في مخطوطات سوسية: مراكش في عصرها الذهبي نموذجا”، أما الشاعر والناقد الدكتور المعتمد الخراز، أستاذ الأدب القديم في جامعة محمد الخامس بالرباط، فيقدم ورقة تقديمية حول الحياة الشعرية للمعتمد.
ولا يخفى على الجميع أن المعتمد هو ثالث وآخر ملوك بني عبَّاد في الأندلس، وابن أبي عمرو المعتضد حاكم إشبيلية، حيث يعرفه الكثيرون كملك لإشبيلية وقرطبة في عصر ملوك الطوائف قبل أن يقضي على إمارته المرابطون وينفونه إلى المغرب بداية بطنجة ثم إلى جبال المغرب بعيدا عن الساحل، لكن المعتمد كان شاعرا من أهم شعراء عصره، وهذا ما بدا خاصة إثر نفيه حيث كتب العديد من القصائد التي يرثي فيها حاله ويطرح فيها رؤاه في شكل حكمي ينهل من التاريخ بشكل خاص.
ونذكر أن هذه الندوة العلمية التي تنظم برحاب كلية اللغة وبين طلبتها، سعيا لاقتراب الأجيال الصاعدة ومجموع الباحثين والطلبة من تجارب مغربية رائدة وأجيال شعرية أعطت الكثير للشعر والأدب المغربي، تندرج ضمن سلسلة الندوات التي تنظمها الدار لاستقصاء أسئلة وقضايا الشعر المغربي اليوم. وهو ما يفضي إلى محاولة تبني خطاب جديد يلامس عمق القضايا وحلحلة الأسئلة والتفكير في راهن الممارسة الشعرية. وأيضا مواصلة سلسلة النقاشات التي فتحتها دار الشعر بمراكش، مند تأسيسها إلى اليوم، مركزة على عمق القضايا الجوهرية التي تهم القصيدة المغربية المعاصرة وأسئلة النقد الشعري.
أما دار الشعر في تطوان فتحتفي بالشاعر الراحل محمد الخمار الكنوني السبت 28 يناير المقبل، في فضاء المركز الثقافي بمدينة القصر الكبير ابتداء من الساعة الخامسة مساء.
وتقام هذه الاحتفالية ضمن برنامج “شاعر في الذاكرة”، حيث يستعيد نقاد وشعراء وفنانون وموسيقيون مغاربة روح الشاعر الراحل، مثلما يتوقفون، من جديد، لدى تجربته الشعرية الزاخرة، التي جعلت منه أحد رواد القصيدة المغربية المعاصرة.
ويستهل الكاتب والناقد المغربي نجيب العوفي هذا اللقاء بتقديم عرض افتتاحي حول “درس الشاعر محمد الخمار الكنوني”، تليه أمسية شعرية بمشاركة الشعراء عبدالإله المويسي وأمل الأخضر وعبدالسلام دخان ونجية الأحمدي. بينما يحيي الفنان عصام سرحان حفلا فنيا بالمناسبة، إلى جانب فرقة أصدقاء دار الشعر للموسيقى العربية.
وتقدم فرقة أصدقاء دار الشعر موسيقى الأغنيتين الخالدتين اللتين كتب كلماتهما الشاعر الخمار الكنوني وأداهما الفنان عبدالوهاب الدكالي، ويتعلق الأمر بأغنية “آخر آه” و”حبيبتي”. كما سيؤدي الفنان عصام سرحان روائع الفنان والملحن الخالد عبدالسلام عامر، الذي جمعته بالراحل الخمار الكنوني صداقة متينة في المكان “القصر الكبير”، وفي الزمان، خلال ستينات وسبعينات القرن الماضي، وهي المرحلة التي شهدت أقوى مراحل التحديث المغربي في الأدب والثقافة والفن.
ومحمد الخمار الكنوني هو صاحب “يتيمة الدهر والشعر المغربي”، ويتعلق الأمر بديوانه الوحيد والفريد “رماد هسبريس”، الذي أفرد له محمد بنيس دراسة خاصة في الجزء الثالث من كتابه “الشعر العربي الحديث”، إلى جانب درويش وأدونيس.
وتابع الخمار الكنوني دراسته في القاهرة، هنالك حيث التقى بالمجاهد المغربي عبدالكريم الخطابي، وحيث كان على اتصال بأعلام الفكر والأدب الحديث، في مطالع الستينات. كما عمل الشاعر أستاذا لمادة الشعر الأندلسي في جامعة محمد الخامس بالرباط، وهو محقق كتاب “الوافي في نظم القوافي” لأبي البقاء الرندي.
وبينما نشر الشاعر ديوانا واحدا هو “رماد هسبريس”، فقد خلف وخلد من ورائه نصوصا شعرية ونقدية كثيرة، جمعها الباحث محمد العربي العسري مؤخرا في كتاب نفيس عن “محمد الخمار الكنوني في آثاره الأخرى”. وقد ضم الكتاب النصوص الأولى في تجربة الشاعر، وخاصة القصائد العمودية التي كتبها في البدايات، ونشرها في مجلات كثيرة، مثل “أقلام” و“آفاق” و“المشاهد” و“الوعي”.
كما واصل الخمار الكنوني نشر قصائد شعرية بعد صدور ديوانه “رماد هسبريس” سنة 1987 في مجلة “الموقف” وفي مجلة “الوحدة” وفي “العلم الثقفي”، ومنها قصيدة “الخريف” و“عرس الميليشيات” و“زندقة المرايا” و“هوامش على ورق خريفي” و“أبجدية النخيل”.
وكان الراحل قد تحدث في آخر حوار معه، نشر في “العلم الثقافي” عن ديوان شعري يضاهي “رماد هسبريس”، حيث أخبرنا الشاعر أنه يتمنى أن تسعفه وضعيته الصحية في جمع الديوان وترتيبه ونشره، لكن الشاعر محمد الخمار الكنوني رحل قبل ذلك، في ربيع 1991، مخلفا وراءه ربيعا شعريا زاخرا، وقصيدة مغايرة ومعاصرة، جعلته شاعرا عصيا على النسيان راسخا في الذاكرة.