شارابوفا تترك الحياة خلفها

رحلت شارابوفا عن ملاعب التنس، بعد أن تركت إرثا كبيرا، رحلت مخلّفة الكثير من الحسرة في صفوف محبيها وكل محترفات التنس.
الأحد 2020/03/01
أيقونة التنس

منذ أمد ليس بعيد، اشرأبّت أعناق المولعين بالتنس لمعاينة إنجاز تاريخي لبطلة التنس العالمية السابقة مارتينا هينغيز، فتلك اللاعبة اليافعة تمكّنت من أن تحصد لقب إحدى بطولات “الغراند سلام” رغم أنها لم تبلغ بعد سنّ السابعة عشر ربيعا.

كان إنجازا خرافيا غير مسبوق، وتمنّت كل اللاعبات الأخريات السير على خطاها، لكن واحدة فقط نجحت في ذلك وحققت لقبا عالميا في سن مبكرة للغاية، هي الروسية ماريا شارابوفا.

تلك الروسية التي خطفت الأضواء قبل أن تكمل سن السابعة عشرة، قد تربّعت على العرش العالمي وتوّجت نفسها خلال العشرية الأولى من هذه الألفية “ملكة” ملاعب الكرة الصفراء.

كانت مثالا صارخا لنموذج اللاعبة المتحدية الشغوفة بمزاحمة أقوى اللاعبات ومقارعتهن من أجل التتويج بأكبر عدد ممكن من الألقاب.

كان لها ما أرادت، فتلك اللاعبة المولودة في سيبيريا تعلمت من طبيعة موطنها القاسية كيف تتعامل مع الصعوبات وتتغلّب على العراقيل، وظلت لسنوات تنافس على البطولات لتتمكن من الحصول على خمسة ألقاب في البطولات الأربع الكبرى.

صعدت شارابوفا سلّم المجد وتربعت لفترة طويلة في صدارة ترتيب محترفات التنس، بلغت أوج عطائها خلال الفترة الممتدة بين 2010 و2014، وكل ذلك تجلى على الملاعب وخارجها.

فالنجمة الروسية التي كانت مثل الفراشة المتأنقة والساحرة في ملاعب التنس، استغلت كأفضل ما يكون توهجها الرياضي لتبني نجومية أكبر في “عوالم” مختلفة، فاقتحمت ميدان “الموضة” من الباب الواسع، وتجرّأت لتغامر في مجال الأعمال الحرة.

شارابوفا يمكن تصنيفها كأبرز مثال يؤكد قدرة الرياضي على توظيف نجاحه في مجالات أخرى، والدليل على ذلك أنها أنشأت مصنعا لإنتاج الحلوى أطلقت عليه اسم “شوغاروفا”.

كانت تفعل ذلك مخططة بإحكام لما سيحصل عقب الوصول إلى المرحلة الأخيرة في المسيرة الرياضية، كانت تبرمج بذكاء كي تَأمن “غدر الزمن” وكل مفاجأة غير سارة، حتى أنها نجحت في تجاوز تلك “اللطمة” التي تعرضت لها سنة 2016 عندما وقع إيقافها لمدة 15 شهرا بسبب تناول مواد منشطة.

شارابوفا لم تيأس، ولم ترم المنديل، هي لم تتأثر كثيرا بتلك “الضربة القاصمة”، بل راحت تهتم بمشاريعها التجارية وأنشطتها الخيرية، كانت تفعل ذلك دون أيّ ضجر أو تبرّم.

فمن تعلمت الصبر والجلد، وتسلقت سلم المجد في عالم الكرة الصفراء لن يضيرها الصبر قليلا ولن “يقتلها” الركون إلى راحة ظرفية.

انقضت عقوبة الإيقاف، عادت شارابوفا كي ترتع من جديد في ملاعب التنس العالمية، لكن هذه المرة خانتها خطواتها المتثاقلة وغدرتها ضرباتها المرتبكة، لم تقدر على استعادة بعض من ألقها السابق.

لقد كابدت تلك النجمة الروسية واجتهدت كثيرا، غير أن “غدر الزمن” بها جعلها تخسر الرهان، وفرض عليها القبول بقوانين النهايات المحتومة.

عانت هذه اللاعبة لفترة طويلة من تبعات الإصابات المتلاحقة، ولم تتمكن رغم محاولاتها المتكرّرة من استعادة قوتها “المسلوبة”، حتى أنها اكتفت هذا العام بخوض مباراتين فقط، فالضربات الساحقة للإصابات كانت أقوى من أن تتحملها يداها.

أدركت ماريا أن ساعة الوداع حانت، أيقنت أنه يتوجب عليها ترك المضرب جانبا وتأكدت أنها لم تعد قادرة على استحضار مجدها السابق.

فكّرت طويلا ثم كتبت رسالة الوداع، ونشرتها بعبارات مفعمة بكل المشاعر الفياضة التي كسبتها عقب 28 عاما من الارتباط بالمضرب والكرة الصفراء.

كتبت شارابوفا قائلة “كيف تتركين خلفك الحياة التي لم تعرفي غيرها؟ كيف تبتعدين عن الملاعب التي تدربت عليها منذ كنتِ طفلة، اللعبة التي تحبينها، التي تسببت لك بدموع وأفراح لا توصف”.

هي كلمات قد تكون لخّصت كل شيء وخلّصت هذه اللاعبة من مخاوفها من المستقبل، فشارابوفا تؤمن بأن التنس هو كل حياتها وعالمها، وتعترف بأن هذه الرياضة منحتها الحياة ووهبتها كل المشاعر والأحاسيس المتناقضة.

شارابوفا أدركت كل هذه التفاصيل وقررت الرحيل لكنها ستعمل على الولوج إلى عالم جديد وتجربة حياة أخرى. رحلت شارابوفا عن ملاعب التنس، بعد أن تركت إرثا كبيرا، رحلت مخلّفة الكثير من الحسرة في صفوف محبيها وكل محترفات التنس، ولعل ما أشارت إليه النجمة التونسية أنس جابر بكونها تحلم دوما بملاقاة “أيقونة” مثل شارابوفا، يثبت تلك المكانة الرفيعة التي وصلتها فراشة سيبيريا في التنس.

23