شائعات مغرضة

السبت 2016/07/02

على العكس تماما مما هو شائع في أروقة البحث العلمي، في ما يتعلق باتساع فرص النجاة المتوافرة للبشر في عصرنا الحديث، من الموت مبكرا بسبب الأمراض والكوارث الطبيعية التي فتكت بأجدادنا على مرّ العصور، وعلى الرغم من ارتفاع متوسط أعمار الناس بشكل كبير مقارنة بالعصور التاريخية السابقة، فهناك شك يشبه اليقين بأن الأطفال الذين يولدون اليوم خاصة في منطقة الشرق الأوسط وضواحيها، لن تتوفر لهم هذه الفرصة للوصول إلى أعمار أطول من أعمار أجدادهم، إذ أن أغلب الولادات صارت تتعرض للوأد بسبب تسمم الأمهات الحوامل من القهر والجوع، وطرحهنّ لأجنة مشوهة غير مكتملة الملامح، كما أن حالات موت الأطفال حديثي الولادة في ممرات مستشفيات غير صالحة للاستخدام البشري صارت أخبارا شائعة في ذيل نشرات الأخبار الوطنية، أما رحيل البعض منهم المستعجل في سنوات مبكرة من أعمارهم، فهذه مسؤولية حصرية لحوادث اختطاف وقتل ونزوح وهجرة وجوع، أبطالها نجوم على شاشات التلفزيون ونزلاء في أروقة البرلمانات وغرف السياسة.

ومع ذلك، ربما تكون للذكور حظوظ لا تتمتع بها الإناث في بلدان مازالت تنزف جهلا وهي على حافة الانهيار، فقد دأبت البعض من القابلات غير المأذونات والبعض من العاملين في العيادات الطبية في البعض من الدول العربية على وأد البنات بطريقة عصرية، حيث يتم إجبار السيدات على إجهاض حملهن بطلب مستعجل من الأزواج إذا ما تأكد لهم بأن جنس الجنين أنثى، بحسب الطرق الحديثة المتبعة عن طريق الفحص بالأمواج فوق الصوتية (باستخدام جهاز السونار) وغير ذلك من التقنيات التي تساعد في الكشف عن جنس الجنين.

درج سلوك وأد البنات في الجاهلية، وهو إجراء تعسفي ينحدر من فكرة أن البنت هي سبب من أسباب جلب العار، وعندما أتى الإسلام كافح هذه الفكرة ونهى عن اتباعها، وفي المقابل أمر باحترام المرأة كأم وزوجة وابنة، واعتبرها لبنة مهمة لبناء مجتمع معافى.

تتسبب ظاهرة الإجهاض بسبب جنس الجنين عادة في زيادة الخلل في التوازن بين نسب الجنسين في المجتمعات التي تعاني من الظاهرة، وعلى الرغم من وجود تشريعات حظر إجهاض الجنين على أساس الجنس، إلا أن عمليات الإجهاض التي تعدّ أكثر تداولا في البعض من البلدان الآسيوية مثلا، في الهند والصين وتايوان وكوريا الجنوبية، لم تزل شائعة حتى أن البعض من المنظمات النسائية التي حاولت التصدي للأمر قوبلت جهودها بالصمت وضيقت عليها الخناق في البعض من الحالات من قبل الجهات الرسمية وحتى الشعبية، حيث مازالت تعتم على الأمر أو تروّج له باعتباره شائعات مغرضة، في ظل أعراف اجتماعية ظالمة تعتبر الأنثى عارا على أهلها وذنبا ينبغي التخلص منه، قبل أن يستفحل ويسيء إلى مكانة الأسرة.

ترد هذه العادة الجاهلية سيئة الصيت في البعض من المجتمعات العربية، كمشهد أخير في ملهاة الفصول العشائرية. وعلى الرغم من التعتيم الإعلامي، فمن المؤكد أن حالة واحدة قد رصدت هنا أو هناك، وهذه الحالة هي بذرة لجنين أنثى كان يمكن لها أن ترى نور الحياة ونعيمها بعد أشهر، حياة ترشحها لاحقا لأن تلعب دور أرملة شهيد أو أم مكلومة لطفل يذهب ضحية لعبوة ناسفة أو ضحية محتملة لأحد قوارب الهجرة المثقوبة أو زوجة لسياسي فاسد، حياة واحدة تعني العالم بأسره. على أن وأد البنات في هذا النطاق لن يؤدي إلى خلل في توازن نسبة الجنسين في هذه المجتمعات، حيث تسارع الحروب وأحداث العنف بترجيح الكفة لصالح الإناث، وهذا هو أهم ما في الموضوع.

كاتبة عراقية مقيمة في لندن

21