سيول الإسكندرية تكشف: الأزمة في مصر أزمة مسؤولين

أعادت أزمة السيول التي تعرّضت لها محافظة الإسكندرية، بداية الأسبوع، تسليط الضوء على الأزمة الحقيقية التي تعاني منها مصر، منذ سنوات طويلة، والتي وصفها مصريون، من النخبة والعامة، بأنها أزمة مسؤولين لا أزمة نظام؛ وستبقى الأمور على حالها السيئ ما لم يتم التعامل مع الوضع وفق هذه الرؤية.
الأربعاء 2015/10/28
المسؤولون غرقوا في شبر من المياه

القاهرة - تواجه التصورات الداخلية للحكومة المصرية عثرات كبيرة تعيق تحقيق إنجازات حقيقية ومملوسة على أرض الواقع. وأكّدت على هذا الواقع أزمة “غرق” محافظة الإسكندرية، إحدى أهم وأبرز المحافظات المصرية، نتيجة تهاطل الأمطار الغزيرة التي استمرت نحو تسع ساعات، وبمعدلات غير مسبوقة.

وكشفت الأزمة أن الوضع الإداري والحكومي في مصر لايزال يراوح مكانه، ولم تنجح لا الثورة ضدّ نظام مبارك ولا الثورة ضدّ نظام الإخوان في تغيير هذه الصورة؛ حيث لاتزال تفتقد الدولة لعينة المسؤول السياسي القادر على التعاطي مع الملفات الداخلية بنجاعة، وإيجاد حلول سريعة للأزمات دون انتظار ورود تعليمات رئاسية لإنقاذ الموقف وامتصاص الغضب الشعبي.

وقال مراقبون ومعارضون إن “غرق الإسكندرية” يعكس فشل نظام عبدالفتاح السيسي في التعامل مع أول أزمة أمطار غزيرة تمر بها البلاد في موسم الشتاء الحالي، حيث غرقت آلاف السيارات والمنازل، وسط غياب شبه كامل لمؤسسات الدولة وفرق الإنقاذ والمساعدة.

في المقابل، يرفض جزء كبير من المصريين تحميل كامل المسؤولية للنظام الحالي، مشيرين إلى أن الخدمات العامة الرديئة في مصر وغياب البنية التحتية المناسبة وعدم التفاعل السريع مع ما حدث في الإسكندرية، أسبابها تعود إلى 40 عاما من الفساد والإهمال المستمر والمتصاعد في الجهاز الحكومي وقطاعاته التنفيذية.

ما يعزز الانتقادات الموجهة للمسؤولين أنه في نفس الوقت الذي أعلن فيه محافظ الإسكندرية هاني المسيري استقالته، كان أحمد زكي بدر، وزير التنمية المحلي الذي يشرف على المحافظين، ينفي نبأ الاستقالة، وهو ما فعله المتحدث باسم مجلس الوزراء، في تصرفات أكدت للعامة أنهم في واد مختلف تماما عن ذلك الذي يعيش فيه الرئيس وشعبه. وأصدر المحافظ قبل إجباره على الاستقالة، ظهر الأحد، بيانا يصف فيه ما حدث في محافظته بأنه كارثة بيئية، وهو ما آثار موجة عارمة من السخرية بين رواد مواقع التواصل الاجتماعي، من المحافظ الذي لا يعرف الفارق بين الكارثة البيئية والنوّات المنتظمة التي تتعرض لها المحافظة سنويا.

نظرة مصر سلبية تجاه اللاعبين الإقليميين
كشف استطلاع للرأي أجراه معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى أن الرأي العام المصري يحتفظ بوجهة نظر غير إيجابية تجاه قائمة كاملة من الحكومات والحركات السياسية الفاعلة في الشرق الأوسط؛ أمّا الاستثناء الوحيد على هذه اللائحة فهو الرأي العام تجاه سياسات الحكومة المصرية نفسها التي تحصد تقييما “إيجابيا جدّا”، 48 بالمئة، أو “إيجابيا إلى حدّ ما”، 24 بالمئة، على الأقلّ.

ماهو رأي المصريين في الإخوان

عبّرت غالبية المصريين، 64 بالمئة، عن وجهة نظر معارضة للإخوان.

كيف ينظر المصريون لتنظيم داعش

يرى المصريون في تنظيم الدولة الإسلامية المشكلة الإقليمية الأكبر، حيث جاءت أكثر التقديرات المعارضة: 90 بالمئة “سلبيّا جدا”

أي موقف يتخذه الرأي العام المصري من أزمة سوريا

عبّر المصريون عن وجهة نظر سيّئة بأغلبية كبيرة تجاه نظام الأسد: 56 بالمئة “سلبيا جدّا” و28 بالمئة “سلبيا إلى حدّ ما”. ولكن 19 بالمئة فقط لا يريدون مساعدة المعارضة السورية على الإطلاق، و4 بالمئة يؤيّدون تدخّلا عسكريّا مصريا مباشرا باسم المعارضة.

ماهو موقف المصريين من روسيا وإيران

قيّمت الغالبية الكبرى من المصريين، 79 بالمئة، السياسات الروسية الأخيرة في المنطقة بالسلبية. وأكّدت غالبية أكبر، 89 بالمئة، الأمر نفسه بالنسبة إلى إيران.

كيف يُنظر إلى الولايات المتحدة

عبّر ثلاثة أرباع من المصريين أو أكثر عن وجهة نظر معارضة للولايات المتحدة.

تحذيرات من تكرار الكارثة

علق البرلماني السابق باسل عادل على الأزمة قائلا إن “مصر كلها تحت رحمة الفساد، وتنتظر دورها في الغرق، والعشوائية في الجهاز الحكومي أفلتت من كل عقاب ولن تكشفها إلا رسائل السماء كمطر الإسكندرية”. وحذّر مراقبون من تكرار ما جرى في الإسكندرية في محافظات أخرى بنيتها التحتية أسوأ بكثير من المحافظة السياحية الأشهر في مصر، مشيرين إلى ضرورة تعميم القرارات التي صدرت عن الاجتماع العاجل الذي ترأسه الرئيس المصري، في قصر الاتحادية، على خلفية تداعيات “كارثة” السيول التي تعرضت لها الإسكندرية، وأسفرت عن سقوط خمسة قتلى على الأقل.

وقد شدّد السيسي في الاجتماع على ضرورة معالجة الأسباب التي حالت دون استيعاب مياه الأمطار، مؤكدا أنه يتعيَّن التحسب لمثل هذه الظروف وإرجاء الصيانة الدورية لمرافق الصرف الصحي وصرف الأمطار، في كافة المحافظات الساحلية مع قرب حلول فصل الشتاء. وأكد على أن استراتيجية عمل الحكومة مع مختلف الأزمات، يتعيَّن أن تشهد تغيرا نوعيا، بحيث يتم التحسب للأزمات والاستعداد لها قبل وقوعها، بما يضمن تعاملا أفضل، وإدارة جيدة للأزمة، تحول دون وقوع الخسائر.

لاقت هذه القرارات الرئاسية استحسان عموم المصريين، الذين يطالبون بتفعيلها وتحويلها إلى واقع ملموس، وإلا فإن الوضع سيبقى على حاله، بل قد يزداد سوءا، خاصة في ظلّ الوضع الراهن في البلاد، الذي لم يرتق بعد إلى مستوى تطلعات المصريين بعد حوالي أربع سنوات على ثورة 25 يناير وسنتين على ثورة 30 يونيو.

ويعترف الخبراء أن تلبية تطلعات المصريين تحتاج وقتا في ظلّ التركة السياسية والاجتماعية والسياسية الثقيلة التي ورثها النظام الحالي، الذي يخوض في نفس الوقت حربا داخلية ضدّ الإرهاب، ناهيك عن الوضعين الإقليمي والدولي اللذين يتطلّبان حضورا مصريا قويا. لكن في الوقت نفسه أكّدوا على ضرورة مصارحة الشعب والتعامل معه بشفافية؛ مشيرين على سبيل المثال إلى الدور السلبي الذي لعبه الإعلام في موضوع المؤتمر الاقتصادي، “مستقبل مصر”، في شرم الشيخ، حين انبرى يبشّر بمشروعات بمئات المليارات، بينما كان أغلبها مجرد مذكرات تفاهم، تعثر أغلبها لاحقا.

جاءت أزمة الإسكندرية لتعكس وعيا مصريا، نخبة وعامة، بحقيقة الأزمة الأكبر التي تمر بها البلاد، وإدراكا بأن تداعياتها لن تقتصر فقط على الرئيس المصري، وإنما ستؤثر سلبا على كل مناحي الحياة في البلاد. في هذا السياق، يمكن التوقف أمام مكاشفة مهمة لرجل الأعمال المعروف نجيب ساويرس قال فيها: لا توجد أي استثمارات خلال الثلاث سنوات الماضية، وفي حال فشل النظام الحالي سيكون ذلك بمثابة فشل لمصر بأكملها وليس للرئيس فقط.

إذن، المشكلة التي تواجه النظام الحالي أن الجميع في مصر متفقون على أن الدولة لا تتحمل أي إخفاق جديد لكن المفارقة أن الجميع يكتفون بالكلام والانتقاد فقط، دون تقديم حلول وبدائل، كما أن الكثير من رجال الأعمال الذين يمثلون النخبة الاقتصادية يسعون لجر القاطرة إلى الخلف، إذا تعارضت مع مصالحهم المباشرة.

إبراهيم عيسى: المؤسسات التي أدارت أزمة الإسكندرية سقيمة وفاشلة

ما هي البدائل

يتفق أغلب المصريين على أن الحكومة الحالية “قليلة الحيلة” وضعيفة، وهناك شبه اتفاق على ضرورة التغيير، وتأييد لما جاء في حديث للإعلامي إبراهيم عيسى، حين نصح السيسي أن “يغير العتبة”، لأن الوزراء “غير مؤهلين وغير قادرين على إدارة الحكومة الضعيفة، فقيرة الخيال”، ما يجعلها سببا في تعميق المشاكل ولا تساعد على حلها.

لكن السؤال الذي لا يجيب عنه أحد، ما هي البدائل؟ خاصة أن المزاج العام في مصر لم يعد يتقبل الاستعانة بالخبراء التاريخيين الذين تجاوزوا الثمانين عاما مثل كمال الجنزوري، أكثر رئيس وزراء مصري ذي شعبية في العقود الأخيرة، وفي نفس الوقت لا يوجد شخصان في مصر يتفقان على اسم واحد يملك من وجهة نظرهما الإمكانيات اللازمة لرئاسة الحكومة أو تولي حقيبة وزارية، فضلا عن أن تجارب الاستعانة ببعض “المنظّرين” المعروفين في مناصب مهمة داخل الدولة أثبتت فشلا ذريعا بسبب عدم إدراكهم للفارق بين التنظير والعمل الميداني.

مصدر مسؤول، رفض ذكر اسمه، توقع في تصريح مع “العرب” أن يلجأ الرئيس المصري لخيارات صعبة في الفترة المقبلة حفاظا على النظام من الانهيار، كأن يسرّع بإجراء المواجهات المؤجلة مع رجال الأعمال والمسؤولين المتورطين في نهب المال العام، سواء كان في شكل الحصول على أراضي مملوكة للدولة بأسعار بخسة، أو التهرب الضريبي والاقتراض من البنوك دون ضمانات.

لكن المصدر، حذّر من أن الرئيس سيجد نفسه مضطرا أكثر وأكثر للاعتماد على رجال القوات المسلحة لتنفيذ سياساته، في ضوء إخفاق النخب المدنية المتكرر، وانشغال أفرادها بالصراعات على المصالح الشخصية دون العمل للصالح العام. وفي النهاية فإن حالة من الضبابية تخيم على المشهد العام والتوقعات المستقبلية، لكن يبقى أمل ملايين المصريين قائما في قدرة النظام على تجاوز الأزمات.

7