سينمائيون ليبيون يقاومون الحرب بالصورة

بعيدا عن الحرب الليبية الدائرة يحاول مخرجون ليبيون شباب صناعة أفلام وبرامج تُعبّر عن الوجه الجميل لبلادهم، سعيا منهم لصناعة محتوى يقترب من الواقع وينشر ثقافة التسامح وينبذ أي خطاب تحريضي.
يتّفق مجموعة من المخرجين الشباب أن الفن هو سلاحهم الوحيد والأمثل لتحقيق المُصالحة الوطنية في ليبيا التي نخرتها الحرب منذ ما يزيد عن تسع سنوات. إجماع شبه تام على أن الفن سلاحهم الناعم لمواجهة الكره بين أبناء الوطن الواحد.
وترى المخرجة الليبية الشابة علا الفرجاني أن أكثر ما يعيقهنّ كنساء عاملات في مجال الفن، هو نظرة المجتمع الضيقة والمتمثلة في النظر إليها وإلى مثيلاتها كسلعة للعرض وليس للعمل.
وهنا تسألها “العرب”، هل تملكين الحرية في اختيار مضمون العمل، فتجيب “من ناحية إخراجية أملك الأحقية في اختيار نوعية ومضمون العمل، وكامرأة ليبية مخرجة الأمر مختلف بسبب طبيعة مجتمعنا، وتظل قوة الشخصية مهمة جدا في التعامل مع الشركات المُنتجة”. وتأمل الفرجاني أن يظل الفن في ليبيا بعيدا عن أي توجه سياسي.
وللمخرجة الليبية الشابة العديد من البرامج التلفزيونية، منها: “كن المختلف”، و“مشاهير 3” و“معالم عالمية”. وتتمنى مستقبلا أن تقوم بتجربة الإخراج في التلفزيون والسينما.
في المقابل، تعمل خولة مفتاح العرفية مُخرجة مُساعدة، وتتمنّى أن تتحمّل إخراج عمل مُتكامل من حيث الخبرة والإمكانيات، وهي التي تُحب العمل في البرامج الرياضية والأفلام الروائية الحديثة. وتشير “عملت سابقا في العديد من المجالات المُتعلقة بصناعة المحتوى مثل تقارير فنية أو رياضية وحتى توعوية، قدّمتها عبر برنامج منوّع تم بثه عبر قناة ليبيا الوطن إلى جانب عملي في الراديو المُتلفز”.
وتؤكّد المخرجة الشابة أن الصعوبات لا تكمن في ضغط العمل أو الإمكانيات العامة، بل في غياب التساوي في العمل بين الرجل والمرأة حتى وإن تفوّقت فكريا وإنتاجيا عليه.
وتضيف “فكلما كان نطاق الحرية الذي تتحرّك فيه المرأة محدودا كلما كان خطر الهجوم قليلا، وذلك يمنح المرأة الاستمرار بذكاء. وحتى لا تكون نظرتي للأمور ضبابية هناك إيجابيات طبعا، خاصة إذا كان الطاقم الذي أعمل معه لا يبخل بإعطاء المعلومات لمشروع مخرجة مثلي”.
حلم مؤجل
يشير المخرج إبراهيم بن سعد إلى أن السينما صناعة مكلفة وتحتاج لمصادر تمويل ثابتة حتى يتمكن صُناعها من الاستمرار في إنجاز الأعمال. وأن قلة الاستثمار في الفنون وبالأخص السينما أمر مُغيب في ليبيا، بالإضافة لعدم توفر البيئة السينمائية المناسبة لإنتاج الأفلام الطويلة التي من شأنها أن تواكب محيطها الإقليمي على أقل تقدير، علاوة على افتقار بلده إلى التقنيات الحديثة المتعلقة بإنتاج الصورة السينمائية، حيث أن أغلب الصناع في ليبيا يعملون بأقل الإمكانيات المتاحة. وهو يجزم أن “السينما مُلهمة الشعوب وذاكرتها البصريّة”.
وهنا نسأله كيف يختار محتوى أعماله، فيقول “الدراما بشكل عام سواء كانت سينما أو تلفزيون أو مسرح تهدف إلى تقديم المتعة والمنفعة كسائر الفنون. أما أفكار أفلامي فعادة ما تنبثق من الظروف التي نعايشها في بلادنا، أي أن اختيار المضمون يتأتّى بناء على الواقع من حولي، فأطرح قضية ما أو أُعيد النظر في مفهوم سائد”.
ومن جانبه، قال المخرج محمد عيسى “بعد خمسة أفلام ما زلنا نعاني من قلة الإمكانيات اللازمة لإنتاج عمل احترافي مُتكامل من ناحية الصوت وجودة الصورة. أيضا المُعضلة الأكبر هي المحتوى الجيّد لأن مغزى الأفلام هي الرسالة التي تحتاج خطا ثانيا لدفعها للاستمرار إلى الأمام، وهو الجانب المالي المُنعدم في الغالب”.
ويُضيف “إضافة إلى عدم توفّر أشخاص ذوي خبرات سينمائية في بيئتي المحيطة، فكل ما تعلمته واكتسبته كان عبر التصفّح على اليوتيوب”.
المبدع الرقيب
تعود أولى تجارب محمد عيسى الإخراجية إلى العام 2017، مع فيلم “حافة وادي”، والذي قال عنه “استغرق العمل في الفيلم تسعة أشهر متواصلة دون دعم وبمجهودات ذاتية. زمن الفيلم ساعة كاملة. تم تصويرها في محاور قتال حقيقية وتعرّض طاقم التصوير للرماية من قبل تنظيم داعش، فتمت إضافة هذه المشاهد إلى الفيلم”.
وتقول خولة مفتاح العرفية أن هدفها صناعة الكثير من الأعمال الجيدة خاصة في مجال السينما. وهي ترى أن “الفن يشغل جزءا كبيرا جدا من حياتنا، بالفن نتمكّن من توجيه الرسائل التي لا نستطيع أن نُحقّقها على الأرض. ولكن يُمكننا ترسيخها في عقول المُشاهدين ليُحاول البعض منهم تحقيقها حتى ولو بعد زمن. كل من يصنع فنا هو
صانع طريق إما إلى النور وإما إلى الظلام”.
وتعترف المخرجة الليبية الشابة أن رقيبها الداخلي يعتمد القدرة على إقناع المُتلقي بمحتوى عملها، حتى لو كانت هناك أفكار تم طرحها بعيدة عن أفكار المتلقي ومُعتقداته. ولكنها في قالب يتماشى مع بعض التلميحات غير المُباشرة.
وبدوره يتمنى إبراهيم بن سعد صناعة صورة بصرية لبلاده من خلال سرد قصص سينمائية تُعبّر عن الموروث الثقافي وتنوّعه، أي صناعة ذاكرة حية وهوية بصرية لليبيا.
ويضيف “الفن الجاد هو ما تحتاجه ليبيا اليوم، فالفنون تعتبر القوى الناعمة وصانعة التأثير ووسيلة تعبير وسلاحا لمواجهة القبح والبشاعة. السينما تستهدف المجتمعات تتكلّم لغتهم وتُحاكي همومهم وتطلعاتهم.. فالسينمائي الذكي ذاك الذي يُراعي جميع الاعتبارات الأخلاقية والاجتماعية والثقافية في طرحه الفني، أي أن المبدع رقيب نفسه من أجل الوصول إلى الجمهور والتمكن من إيصال أفكاره إليه”.
ويستعدّ بن سعد لتصوير فيلمه الجديد “الكاسكا” عن سيناريو وحوار لمحمد مسعود الترهوني وإدارة تصوير أيوب بن سعد. ويقول إن “فكرة الفيلم مستوحاة من حالة الصراع والتشرذم التي نعيشها في ليبيا”. وهو يحاول من خلال الفيلم إعادة إحياء فكرة التعايش السلمي وقبول الآخر”. وكل هذه القيم تُجسّدها رقصة الكاسكا التي اشتهر بها الليبيون القُدماء.
ويؤمن محمد عيسى بدور السينما في إحداث تغيير في المجتمع الليبي، مُعللا فكرته بقوله “الناس تعبت من الحروب وتحتاج إلى جانب ترفيهي محلي وليس مجرد تهريج”. واصفا المُشاهد الليبي بالمُثقّف ويحتاج إلى دراما تليق به من حيث جودة الصورة والصوت وأداء تمثيلي جيد.
ومعظم الأفلام التي قام محمد عيسى بإخراجها مُستوحاة من قصص حقيقية. وعن ذلك يقول “الميديا والسينما أصبح لها تأثير قوي.. بإمكانك أن تأسر مشاعر المشاهد في مشهد مؤثر، وتاريخنا الليبي القديم مليء بالقصص. فقط تحتاج إلى سيناريو يقدّمها بصورة صحيحة”.