سيناريو مناف طلاس مرة أخرى في غياب البدائل بسوريا

تلقى فكرة تشكيل مجلس عسكري برئاسة العميد المنشق مناف طلاس رواجا في صفوف السوريين، الذين سئموا حالة الجمود السياسي، لكن تطبيق هذه الفكرة على أرض الواقع يحتاج إلى توافق دولي ولاسيما بين الولايات المتحدة وروسيا.
دمشق - عاد الحديث بقوة عن سيناريو تشكيل مجلس عسكري في سوريا يتولى نجل وزير الدفاع الراحل مصطفى طلاس، العميد مناف طلاس قيادته. ويلقى هذا الخيار القديم الجديد دعما من العديد من الأوساط والشخصيات السورية يربطه البعض بغياب بدائل كثيرة قادرة على كسر حالة الجمود السياسي الراهنة، لاسيما في ظل الفشل المزمن الذي يلاحق اللجنة الدستورية.
وفكرة تشكيل مجلس عسكري في سوريا ليست بالجديدة وسبق وأن طرحت في العام 2013 كمخرج لإنهاء الأزمة من قبل بعض المعارضين. كما اقترح المبعوث الأممي السابق ستيفان دي ميستورا في وثيقة إطار لتنفيذ “بيان جنيف” تشكيل مجلس عسكري مشترك يضم المعارضة والنظام، وذلك ضمن ثلاثة أجسام تشمل إنشاء هيئة انتقالية ومؤتمر وطني.
وعلى خلاف المرات السابقة تبدو الفكرة أكثر قبولا هذه المرة، وهناك العديد من الأطراف السورية التي تتبناها وتعمل على الترويج لها، في مقابل أطراف أخرى ترى بأن هذا الطرح قد يتناقض والقرارات الأممية المعلنة بشأن التسوية السياسية وخصوصا القرار رقم 5422.
يقول المعارض السوري أيمن عبدالنور إن الحديث عن مجلس عسكري هو نتاج زخم شعبي جراء إحباط الناس من استمرار الانسداد السياسي، وسوء إدارة أشخاص غير منتخبين ولا يمثلون الشعب السوري من قوى المعارضة التي جرى وضعها من قبل الدول المنخرطة في الصراع، لا السوريين.
ويضيف عبدالنور في تصريحات لـ”العرب” أن هذا الوضع جعل الشارع السوري يتطلع لمجلس عسكري يحقق له الانتقال نحو نظام ما بعد بشار الأسد ويعيد فرض الاستقرار والأمن، وبالتالي هو فعل داخلي، ناجم عن شعور متزايد بضرورة العثور عن مخرج.
ويشير عبدالنور إلى أنه لا يوجد حتى الآن توافق دولي حول ماهية هذا المجلس العسكري، ولتطبيقه هناك حاجة لتوافق روسي أميركي لكي يتم فرضه بالقوة إذا كان خارج إطار القرار 5422.
وأثير هذا المقترح مؤخرا عبر معارضين ينتمون لمنصتي موسكو والقاهرة، كانوا طرحوا في وثيقة مكتوبة “تشكيل مجلس عسكري خلال مرحلة انتقالية يتم الاتفاق حول مدتها”. ووفق المقترح فإن المجلس يتشكل من ثلاثة أطراف “متقاعدون خدموا في حقبة الرئيس حافظ الأسد ممن كان لهم وزن عسكري واجتماعي، وضباط ما زالوا في الخدمة. وضباط منشقون لم يتورطوا في الصراع المسلح ولم يكن لهم دور في تشكيل الجماعات المسلحة”.
وحسب المقترح فإن من مهام هذا المجلس إصلاح المؤسسة العسكرية وإعادة تأهيلها وتمكينها من القضاء على الإرهاب، وتفكيك كافة الجماعات المسلحة، وجمع السلاح واستعادة سيادة الدولة على أراضيها كافة، وتسمية حكومة مؤقتة تتمتع بكامل الصلاحيات التنفيذية التي ينص عليها دستور 2012، والدعوة لمؤتمر وطني داخل البلاد ينتج عنه جمعية تأسيسية لكتابة دستور جديد للبلاد.
وتشير الوثيقة إلى خروج كافة القوى الأجنبية من البلاد، باستثناء القوات الروسية التي ستعمل على مساعدة المجلس العسكري والحكومة المؤقتة في تأمين الاستقرار وتنفيذ القرار 2254 وتشكيل هيئة مصالحة، وحماية عملية الاستفتاء على الدستور والانتخابات البرلمانية والرئاسية.
ويرى البعض أن روسيا قد تكون خلف تشجيع معارضين على هذه الخطوة، لاسيما في ظل إدراكها باستحالة الاستمرار على هذا النحو الذي لا يصب في مصلحتها، وكانت صحيفة “نيزافيسيمايا غازيتا” الروسية، نشرت مقالا مؤخرا للصحافي السوري المعارض ياسر بدوي يتبنى فيه تشكيل مجلس عسكري “يتم بالتوافق بين الأطراف الفاعلة في سوريا، وعلى رأسها روسيا”. وفي مقاله أشار بدوي إلى أن عشائر عربية وحقوقيين وسياسيين يطالبون بتشكيل هذا المجلس وأن يرأسه مناف طلاس.
ولا يبدو اختيار العميد المنشق عن الجيش السوري اعتباطيا، فالرجل يملك من المميزات التي قد تجعله الأكثر قبولا حيث أنه ينتمي إلى الطائفة السنية التي تشكل أغلبية في سوريا، كما أنه لا يثير قلق الطائفة العلوية، إلى جانب أن الرجل لم ينخرط في أي تشكيل أو تيار منذ انشقاقه في العام 2012 وانتقاله إلى العاصمة الفرنسية باريس، وبالتالي لا يوجد عليه فيتو روسي، فضلا عن كونه يحظى بعلاقات جيدة مع العديد من القوى وسبق وأن التقى بعدد من المسؤولين الأميركيين والأتراك.
ويعد طلاس وهو من مدينة الرستن بريف حمص وحاصل على شهادة الدكتوراه بالعلوم العسكرية من موسكو عام 1994، قليل الحضور الإعلامي منذ خروجه عن الأسد، إذ يعود آخر ظهور له في مايو الماضي، حيث طرح تشكيل مجلس عسكري ضمن قرار 2254، يتولى قيادة الفترة الانتقالية.
يقول محمود الحمزة المعارض السوري المقيم في موسكو لـ”العرب” إن مناف طلاس يبدو شخصية مقبولة من قبل الكثير من ضباط الجيش النظامي وأيضا من قبل الضباط المنشقين، وهو رجل معتدل رفض قتل السورييين وحاول الدخول في مفاوضات مع المدنيين لحلحة الأمور قبل تفجر الصراع، وهذا يحسب له.
ويلفت إلى أن تسريبات كثيرة تتحدث عن أن العديد من الضباط المنشقين راسلوا العميد طلاس لتشكيل مجلس عسكري برئاسته، في ظل استشعارهم بضرورة التحرك ولعب دور لتحقيق اختراق، بعد أن جرى تهميشهم لسنوات وكانوا حرموا من المشاركة في الجيش السوري الحر جراء دخول شخصيات إسلامية وغير عسكرية هي من تولت قيادة دفة الفصائل ليتحولوا لاحقا إلى أمراء حرب.
ويستدرك الحمزة الذي يعد خبيرا في الشأن الروسي أن المجلس العسكري لا يزال مجرد فكرة لم تتبلور بعد، وأن الروس ينفون أي علاقة بهذا الطرح، لكن طبعا لا يمكن الجزم بذلك، حيث أن ما يطبخ خلف الكواليس لا يعلن عنه إلا بعد نضوجه.
ولا تبدو روسيا إلى حد الآن مستعدة للتنازل عن دعمها للرئيس بشار الأسد، ولا تزال تظهر على الأقل في العلن دعمها لإجراء الانتخابات الرئاسية في سوريا المقررة في مايو المقبل.
ويرجح المعارض أيمن عبدالنور أن يقدم الأسد على طرح ترشحه في مارس المقبل، مع أن هناك بعض الإشارات التي تعكس ترويا من بينها غياب أي مظاهر علنية تستبق هذا الإعلان، كنشر صور الأسد في الشوارع، وحتى الحملات الدعائية تبدو محتشمة وعلى نطاق ضيق.
ويرى الحمزة أن هناك تخوفا من بشار الأسد حيال الموقف الدولي الرافض له، وسبق وأن حاول جس النبض من خلال التفكير في ترشيح زوجته أسماء، حتى لا تخرج الرئاسة من جلباب العائلة، بيد أن هذا الخيار سقط في ظل وجودها ضمن قائمة العقوبات الأميركية. ويلفت إلى أن معلومات يجري تداولها عن تهيئة شخصية أمنية كبيرة كاحتياط، لكن الأرجح أن يعيد الأسد ترشيح نفسه.