سيرجي شويجو وزير دفاع روسيا الذي قد يتخذ قرارات لا تعجب بوتين

بروكسل - الطائرة الروسية التي أسقطتها المقاتلات التركية قبل أيام، فتحت الباب واسعاً أما احتمالات لا يعرف عقباها أحد، منذرة بإشعال فتيل حرب محتملة ما بين موسكو وأنقرة، ما زالت حتى اليوم تقتصر على التراشق اللفظي والإجراءات الاقتصادية من هنا أو هناك.
في موسكو، الأجواء مختلفة، ففي الأنظمة التي يحكمها الحزب الواحد يعيش جميع أفراد السلطة في عباءة الرئيس الذي يمسك بين أصابعه بكل خيوط الهرم الذي يظلّل الدولة، هكذا الحال في بلدان عديدة، ربما بعضها غارق في التاريخ وسطوته وبعضها الآخر حديث العهد بالانتهاء كالاتحاد السوفييتي وما نشأ عقب السقوط وتفتت القطب الثاني إلى أجزاء كثيرة، أُعيد تجميع بعضها تحت مظلة روسيا الاتحادية التي تولّى زمامها يلتسين والذي ما لبث أن خرج من دائرة الأضواء مع سطوع نجم الرئيس فلاديمير بوتين.
بوتين الذي استطاع بقانون الدستور الروسي الدفع برفيقه ديمتري ميدفيديف لفترة رئاسية واحدة تولّى خلالها بوتين مهام رجل الظل، ثم عاد دستوريا بانتخابات جديدة، وعاد جميع أفراد النظام إلى عباءته التي لم يغادرها أحد منهم، هكذا ترتسم الصورة أمامنا للأشخاص الذين يدورون في فلك الكرملين وتفرعاته العديدة على شكل سلطات مختلفة منها العسكرية والأخرى سياسية والثالثة اقتصادية والرابعة استخباراتية، قد تدفع الظروف المعلنة بأحد العاملين في الإدارة الضيقة بموسكو إلى الأضواء كما حدث مع سيرجي لافروف وزير الخارجية الروسي ومؤخراً مع الفريق سيرجي شويجو وزير الدفاع الذي أجرى العديد من الزيارات للشرق الأوسط عقب حادثة الطائرة الروسية في سيناء وبرزت تصريحاته في دائرة الحدث مع إسقاط القوات الجوية التركية لطائرة روسية اخترقت أجواء الجمهورية التركية خلال تنفيذ طلعات جوية فوق الأراضي السورية.
ولأنه لطالما شكلت المناصب العسكرية ومهامها حالة من الحساسية في إعلانها للعامة وتقديم رموزها للإعلام في روسيا، ظل سيرجي شويجو اسما عابرا لدى الكثيرين باستثناء الاختصاصيين، فدائرة الجيش الروسي تمثل الدائرة المحرمة التي يمنع الاقتراب منها وقد شاهدنا مؤخرا قيام الإعلام الروسي ببث لقطات مصورة لاجتماع عسكري تخلله عرض بعض الأسلحة ذات التقنيات المطورة حديثا، لكن ما لبث هذا الإعلام تحت ضغط سياسي أن سحب تلك الصور بينما فرضت دائرة الحكم رقابة إضافية على كل ما يتعلق بالإعلام العسكري الروسي.
دور شويجو يحصره بوتين بإكمال إغلاق الدائرة الوهمية التي ينصبها الرئيس لنفوذه الجديد في الشرق، ذلك النفوذ الذي أتاه بفعل الانسحاب الأميركي من الشرق، واضطراب علاقات الأنظمة وتحت شعار خطر التطرف الذي يهدد أمن روسيا القومي
ثلوج سيبيريا
ولد سيرجي كوجو غيتوفيتش شويجو في مدينة تشادان بجمهورية توفا الواقعة داخل الكيان الفيدرالي الروسي، لأب شغل منصب نائب رئيس حكومة توفا لفترة طويلة، في تلك المقاطعة الصغيرة أنهى الطفل سيرجي شويجو مراحله التعليمية الأولى قبل أن ينتقل إلى كراسنويارسك ليختتم بها عام 1977 دراسته للهندسة المعمارية ولتبدأ منها خطوته الأولى نحو العالم العملي حيث أمضى خمس عشرة سنة في سيبيريا ضمن وظيفة تتعلق باختصاصه قبل أن يتم استدعاؤه إلى موسكو ليُعيّن نائباً لرئيس لجنة الفن المعماري في جمهورية روسيا الاتحادية.
المهندس الشاب ومع بداية التسعينات، اتّخذ قراره بمغادرة موسكو و العودة إلى كراسنويارسك، تلك المقاطعة التي تقعُ على نهر ميسي وتبعدُ عن موسكو ما يقارب 4000 كيلومتر، ضمن تلك البنية التي امتازت بها المدينة الجديدة اقتصادياً وثقافياً استطاع سيرجي شويجو التخلي عن الهندسة والفن ليبدأ مشوارا جديدا في دراسة طرق تصفية وإزالة آثار الكوارث الطبيعية، وما هو إلا عام واحد حتى تولى شويجو رئاسة فيلق الطوارئ الذي امتد عام 1994 ليشملَ كل مقاطعات روسيا الاتحادية بعد اندماج قوات الدفاع المدني بفيلق الطوارئ وتشكيل وزارة الطوارئ والدفاع المدني وإزالة آثار الكوارث الطبيعية في روسيا الاتحادية، هذه الخطوة مثّلت سابقة حين إطلاقها لتتبعها القارة الأوروبية بنماذج مشابهة للنموذج الروسي الذي شكل نقطة ارتكاز أساسية في هذا المضمار حيث لجأت دول اليورو نحو موسكو لتزويدها بالخبراء القادرين على إنشاء مجمَّعات لإزالة آثار الكوارث الطبيعية، هنا برز اسم شويجو كمرجع أساسي في هذا الحقل.
سنوات طويلة أرساها شويجو في وزارته الجديدة قبل أن يصدر الرئيس الروسي آنذاك ديمتري ميدفيديف في الثلاثين من مارس لعام 2012 قرارا يقضي بتسمية سيرجي شويجو محافظاً للعاصمة موسكو وضواحيها، وكانت تلك إشارة من الكرملين ومجلس الدوما بضرورة استمرار الرجل وتهيئته لشغل مناصب حساسة في المستقبل القريب، وكأن ولايته في موسكو كانت الخطوة الأخيرة نحو الكرسي الأهم الذي اعتلاه في السادس من نوفمبر لعام 2012، أي بعد ثمانية شهور فقط من مسؤولياته الجديدة حيث أصدر الرئيس الروسي وقتذاك فلاديمير بوتين قرارا يقضي بتعيين سيرجي شويجو وزيرا للدفاع في دولة روسيا الاتحادية.
|
سلطات وزير الدفاع الخطر
لا يخفى على أحد أن وزيرا في حكومة فلاديمير بوتين يعني أن يكون تابعا للرئيس دون سلطات واضحة، هذا يمكن فهمه بشكل أعمق من خلال الأحداث السياسية والعسكرية التي شاركت بها موسكو.
تأسست وزارة الدفاع الروسية الجديدة في السابع من مايو لعام 1991 حين وقّع بوريس يلتسين على المرسوم الرئاسي الخاص بإنشائها، لتنخرط في تدخل عسكري في جورجيا ثم في أوكرانيا ومسألة شبه جزيرة القرم ومؤخراً بشكل مفضوح في سوريا، أتى نتيجة تحالفات سياسية فرَضت نفسها بصورة خدمة للحلفاء وليس لمصلحة البلاد العليا، رغم المحاولات الحثيثة التي يحاول سياسيو موسكو ترويجها عن حمايتِهم للأمن القومي الروسي العميق.
هيكلية الجيش الروسي تقوم على فيالقه المتعددة في البر والبحر والجو وبأعدادٍ واضحة ولكن بميزانيات غامضة، تلك الميزانيات تتعلق بالتدريب والتصنيع كما أورد معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام أن موسكو أنفقت ما يقارب 72 مليار دولار على التسلُّح في عام 2011 فقط، وأن هذا الرقم ازداد بنسبة 53 بالمئة مع نهاية عام 2014، هذه الأرقام المفتوحة على العدم تضعنا في مواجهة حقيقية مع الخوف الدفين من قيام حرب مُدمّرة، فهذا السباق نحو التسلح المنتشر في العالم بين كل الأقطاب إلى أين سينتهي، وأيُّ دوامة ستذهب بالسلاح سوى رحى الحروب المتواترة التي تتعاقب على منطقة الشرق الأوسط تحت مسميَّات شتى.
السلاح الروسي يعد مصدرا هاما لتسليح جيوش المنطقة العربية، وحتى مع ظهور البدائل بقيت الأنظمة المرتبطة بموسكو في سوريا والعراق وغيرهما تتغذى عليه، ورغم أن ذلك السلاح استخدمه النظام السوري لقتل المدنيين في بداية الانتفاضة السورية، فقد أعلنت إدارة الفيدرالية الروسية التزامَها التام بتنفيذ اتفاقيات التسليح التي تم إبرامها في وقت سابق مع دمشق
فعالية السلاح الروسي
قبل ظهور البدائل ظلّ السلاح الروسي مصدرا هاما للتسليح لجيوش المنطقة العربية، ومع ظهور البدائل بقيَت الأنظمة المرتبطة بموسكو في سوريا والعراق تتغذى على السلاح الروسي، ذلك السلاح الذي استخدمه النظام السوري لقتل المتظاهرين المطالبين بالحرية وسقوط دكتاتورية الحزب الواحد، وأمام هذه المعادلة أعلنت إدارة الفيدرالية الروسية التزامَها التام بتنفيذ اتفاقيات التسليح التي تم إبرامها في وقت سابق مع حكومات دمشق وبغداد مثلا.
ورغم الخسارات المتتالية التي تشهدها الساحات السورية لجيش النظام والمقاطع المصورة المنتشرة بآلاف الأعداد لدبابات روسية الصنع وهي تحترق على الأرض السورية أو لطائرات تتهاوى ومروحيات تشتعل في الأجواء إلا أنّ الرهان على جودة هذا السلاح ما يزال قائماً في ذهنية مستخدميه من خلال أوهام النصر التي يعيشون بها.
فنرى مثلاً التدخل الروسي المكشوف عبر قاعدة حميميم العسكرية في الساحل السوري من خلال طلعات جوية تم ويتم تنفيذها على مقرات داعش والمدنيين السوريين على حدٍّ سواء في مختلف المناطق من خلال طائرات متعددة الأدوار من طراز سوخوي 30 أس أم، وسوخوي 25، وسوخوي أم 24.
خلال عملية الترويج لهذا التدخل سياسيا وعسكريا ظهر سيرجي شويجو إلى جانب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مرّات عديدة كان آخرها عشية توجه الأخير إلى أنطاليا التركية لحضور اجتماع قمة العشرين حيث سبق تلك القمة باجتماع ضيّق في موسكو لبحث ملف الإرهاب الذي تعمل موسكو على ترويج شعار مواجهته في الأراضي السورية والعراقية على حساب فكرة إسقاط الأنظمة هناك.
|
ظهور سيرجي شويجو كان إشارة إلى سير العسكر بخطى واثقة خلف القيادة الروسية في مشاريعها التوسّعية الجديدة في أنحاء عديدة من دول العالم، لم ولن تكون سوريا آخرها بالمطلق، فقد شهدت القاهرة منذ أيّام زيارة رفيعة المستوى قام بها شويجو على رأس وفد عسكري يتألف من خمسة وعشرين خبيراً لبحث سبل التعاون العسكري بين وزارة الدفاع الروسية ونظيرتها المصرية، هنا يمكن فهم المشهد كاملاً بحيث ينحصر دور شويجو بإكمال إغلاق الدائرة الوهمية التي ينصبها الرئيس بوتين لنفوذه الجديد في الشرق، ذلك النفوذ الذي أتاه بفعل الانسحاب الأميركي من الشرق، واضطراب علاقات الأنظمة وتحت شعار خطر التطرف الذي يهدد أمن روسيا القومي.
في سبيل النفوذ الروسي الجديد والطارئ معاً في شكله الحالي فإن المعادلة تغدو بصورة أخرى وتمكن رؤيتها من خلال صواريخ أس 400 مثلاً التي تم الإعلان عنها مؤخرا، تلك الصواريخ التي مانعت موسكو طويلا في تسليمها للنظام الحاكم في سوريا وهذا ما يمكن وضعه ضمن منطق لعبة الموازنات العسكرية في منطقة الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، ذلك الحوض الذي يشمل سوريا وفلسطين والكيان الإسرائيلي، والذي طالما حرصت موسكو على إبقاء مفتاح النفوذ يلجُ إلى المنطقة من بابه الواسع باعتباره منفذ المياه الدافئة لها إلى الشرق عموما.
المشهد الأخير
سيرجي شويجو العسكري القادم من خلفية هندسية وأرضية فنية ومسيرة عامرة بإزالة آثار الأزمات الناتجة عن الكوارث الطبيعية، ثلاث سنوات أمضاها الرجل في الرتبة الأعلى ضمن وزارة الدفاع الروسية خاض خلالها حربَين إحداهما في أوكرانيا والثانية تجري جولاتها بالشكل الذي تريده موسكو على الأرض السورية وفي أجوائها من خلال طائرات روسية تقصف الأرض السورية ليتقدَّم جيش الأسد الذي يعتلي سلاحاً روسيا أيضا ويفرض نفوذه نهاراً ويخسره من جديد ليلاً.
ومن يدري كيف يمكن أن تجري الأمور في بلاد مدججة بالسلاح الثقيل مثل روسيا، حين تتخبط السياسة الخارجية لتؤدي إلى تورط الدولة في مستنقعات لا يمكن الخروج منها بسهولة، حينها قد يعلو صوت السلاح لكن في قلب موسكو ذاتها.