"سيد الناس" دراما تائهة في التكرار بين ثيمتي الأسطورة وجعفر العمدة

محمد سامي ينجح في دراما الإثارة الشعبية بمسلسلات متشابهة.
الثلاثاء 2025/04/22
دراما شعبية مشحونة بالصراعات

كشف مسلسل "سيد الناس" الذي عرض لأول مرة خلال رمضان الماضي مدى ارتباط الدراما المصرية بتكرار مواضيع تتعلق بالانتقام والصراعات العائلية، وتحديدا تلك التي يقدمها المخرج محمد سامي، حيث تأتي مسلسلاته متشابهة من حيث مختلف عناصرها ومكوناتها وأحيانا الممثلين المشاركين فيها، وهو في مسلسل "سيد الناس" يبدو أنه قدم توليفة مكررة عن عملين سابقين له.

الرباط- تدور أحداث مسلسل “سيد الناس” للمخرج المصري محمد سامي حول شخصية الجارحي أبوالعباس، الذي تنقلب حياته بعد وفاة والده، حيث يكتشف مفتاحًا غامضًا يقوده إلى ثروة هائلة وأسرار ماضٍ مظلم، فيواجه أعداءً لا يرحمون ويخوض صراعات خطيرة لحماية عائلته وإرثه.

العمل من سيناريو محمد سامي وبطولة كل من عمرو سعد وإلهام شاهين وأحمد زاهر وأحمد رزق وإنجي المقدم وريم مصطفى ومنة فضالي ورنا رئيس وأحمد فهيم وبشرى وملك أحمد زاهر وسلوى عثمان ونشوى مصطفى.

يُبرز المسلسل محاولة طموحة لتقديم دراما شعبية تدور حول الجارحي أبوالعباس، الذي يواجه تحولات جذرية في حياته بعد وفاة والده، إذ يرث ثروة طائلة ويجد نفسه محاطا بأعداء وصراعات غامضة، لكن هذا الطموح يصطدم بسيناريو يعاني من مشاكل بنيوية عميقة، تتمثل في حوارات مطولة بلا سياق درامي، ومشاهد متفرقة تفتقر إلى التماسك، وإفراط في استخدام الشتائم والألفاظ البذيئة دون وقع دقيق، وهذه العيوب تجعل العمل أشبه بمحاولة لجذب الانتباه عبر الصدمة بدلاً من بناء قصة متينة تحترم ذكاء المشاهد.

وتُثقل الحوارات المطولة كاهل المسلسل، كثرثرة عشوائية لا تخدم تطور الأحداث أو تعميق الشخصيات، مع العلم أن هدفها هنا هو أن تكون أداة لنقل الصراعات النفسية والاجتماعية أو بناء علاقات متماسكة بين الأبطال، فتتحول إلى سلسلة من المشادات الكلامية المبالغ فيها، التي غالبا ما تعتمد على الصياح والألفاظ المملة، وهذه الحوارات تفتقر إلى سياق درامي يبرر وجودها، لأنها مفتعلة ومُجهدة للمشاهد، فمثلا المشاهد التي تتضمن شتائم أو لغة نابية لا تضيف قيمة إلى القصة، وإنما شتتت الجمهور عن التركيز من الصراع الأساسي إلى الإثارة الزائفة، وهذا يُضعف الإحساس بالواقعية ويُفقد العمل تماسكه الفني.

وتُكرر القصة ثيمتي الانتقام والخيانة العائلية المعروفة في الدراما المصرية، دون تقديم زوايا جديدة تخلق نوعا من الحيوية، فصراع الجارحي مع أعدائه داخل عائلته يعتمد على نمط مألوف من الخيانات والمؤامرات، لكنه يفتقر إلى الواقعية الدرامية في الطرح الذي يجعل هذا النوع من العقد مثيرا للانتباه، ويقع في التكرار المستمر لهذه الثيمات دون محاولة لاستكشاف جوانب جديدة بعيدة عن الخيانات العائلية التقليدية.

هذا النهج يُشعر المشاهد بأن القصة عالقة في حلقة مكررة فمسلسل “سيد الناس” يبدو بوضوح أنه مزيج من مسلسل “الأسطورة” في ما يخص حكاية مصنع الحديد والأسلحة والمخدرات وبعض من مسلسل “العمدة” في ما يخص الرواية العائلية، حيث تُعاد صياغة نفس الصراعات دون إضافة تُبرر وجودها في سياق درامي جديد، بينما تُعيق المشاهد غير المحبوكة تماسك السيناريو، وتبدو عناصره كجزر منفصلة لا ترتبط عضويّا بالخط الدرامي الرئيسي، كما أن الانتقالات بين المشاهد مضللة وتفتقر إلى التسلسل المنطقي، وهذا يُربك المشاهد ويُضعف انغماسه في القصة.

ويُطيل الإخراج مدى اللقطات بشكل مبالغ فيه، إذ يُشعر المشاهد بالملل ويُضعف إيقاع القصة؛ فالمشاهد التي تركز على انفعالات الشخصيات، مثل الغضب أو الصراخ خاصة في علاقة الجارحي بعائلته، تُقدم بإطناب غير مبرر، كما تستمر اللقطات لمدة أطول مما يتطلبه الموقف، وهذا الأسلوب الذي يعد محاولة لتكثيف التوتر يتحول إلى رتابة بصرية، كما يُثير تصوير الرجل المتدين عفيفي أبوالعباس وهو يصارع شهواته الجنسية تساؤلات حول حساسية السيناريو تجاه القيم الاجتماعية، فهذا العنصر الذي يُقدم كصراع نفسي للشخصية، يبدو مفتعلا وغير مدروس، خاصة في سياق شهر رمضان الذي عرض خلاله العمل للمرة الأولى والذي يحمل طابعا روحانيا، وبالتالي قدمت حكاية عفيفي بشكل سطحي يُسيء إلى صورة الدين والمتدينين ويُثير استياء المشاهدين.

وهذا الطرح الدرامي يحمل في طياته افتقارا إلى التوازن بين حرية التعبير الفني واحترام السياق الثقافي، وهذا تحديدا يجعل العمل عرضة للرفض من جمهور يتوقع دراما تتماشى مع قيمه، بينما الحقيقة هي أن المسلسل أخفق في تحقيق توازن بين الإثارة والجودة الفنية، ما جعله تجربة درامية متعثرة، ورغم الطاقم التمثيلي القوي والإمكانات الإنتاجية العالية، فإن الاعتماد المفرط على الثرثرة والنكد والمشاهد غير المتماسكة والثيمات المكررة يُضعف جاذبية العمل.

ويمكن القول إن السيناريو كان بحاجة إلى حوارات أكثر تركيزا تخدم القصة، وإيقاع إخراجي أسرع يحافظ على اهتمام المشاهد، وثيمات متنوعة تبتعد عن النمطية، كما كان يمكن للعمل أن يحترم السياق الثقافي والروحاني لجمهوره من خلال تجنب العناصر المثيرة للجدل التي لا تضيف قيمة درامية بينما يبقى العمل فرصة ضائعة لتقديم دراما شعبية تُلهم وتُمتع، تاركاً المشاهد في حيرة بين محاولات الإثارة وغياب الرؤية الفنية.

واسم واحد يجمع بين مسلسلات “سيد الناس” و”الأسطورة” و”جعفر العمدة”، هو المخرج محمد سامي، الذي قدم في “الأسطورة” عام 2016 شخصية رفاعي الدسوقي (محمد رمضان)، الحداد الشعبي الذي يتورط في تجارة السلاح والمخدرات، ليعكس صراعًا بين قيمه الأصلية وإغراءات المال والسلطة، وكرر هذه الثيمة في “سيد الناس” عام 2025 من خلال شخصية الجارحي، الذي يرتبط ماضي عائلته بأنشطة غير قانونية مماثلة عبر والده رشدي، ليؤثر على مساره السردي، ويبرز هذا التكرار ميل سامي إلى تصوير أبطال شعبيين في بيئات قاسية، حينما تتشابك المهن التقليدية مع الجريمة لإظهار الصراع الاجتماعي والنفسي، وينتقد البعض هذا النمط لافتقاره إلى التجديد، إذ تبدو الأحداث في “سيد الناس” متوقعة ومشابهة لأعمال سابقة، تدعم اتهام المسلسل بأنه “فاشل دراميًا”، ويقابل ذلك نجاح المسلسل جماهيريًا بفضل جاذبيته لمحبي الدراما الشعبية المشحونة بالصراعات، وربما حقق نسب مشاهدة مرتفعة، لكن هذا يشير إلى أن التكرار لم يعق نجاحه التجاري رغم العيوب الفنية من وجهة نظر بعض النقاد، أو أن نسب المشاهدة مدفوعة الأجر.

◄ القصة تُكرر ثيمتي الانتقام والخيانة العائلية المعروفة في الدراما المصرية، دون زوايا جديدة تخلق نوعا من الحيوية
القصة تُكرر ثيمتي الانتقام والخيانة العائلية المعروفة في الدراما المصرية، دون زوايا جديدة تخلق نوعا من الحيوية

وركز سامي في “جعفر العمدة” الذي عرض عام 2023 على ثيمة العائلة من خلال شخصية جعفر (محمد رمضان) الذي يسعى لجمع شمل عائلته بعد اختفاء ابنه، لكنه يواجه خيانات من المقربين، وهذا أضفى طابعًا ميلودراميًا على المسلسل، لكن عادت هذه الثيمة في “سيد الناس” مع الجارحي، الذي يصارع خيانات أشقائه وزوجة والده اعتماد، التي تمثل نموذج الشر العائلي، ويبرز هذا التكرار أسلوب سامي المميز في تقديم صراعات عائلية مشحونة عاطفيًا، لكنه يثير انتقادات بسبب غياب الإبداع والابتكار والتجديد، وهذا يؤكد فكرة الفشل الدرامي لدى النقاد، إذ تشمل الانتقادات أيضًا المبالغة في الأداء والألفاظ غير اللائقة، لكن الإيقاع السريع والصراعات العاطفية حافظا على جاذبية المسلسل لجمهور واسع، ويظهر النجاح الجماهيري أن الثيمات المكررة لا تزال تلقى صدى، بينما يرى النقاد أن غياب الابتكار يحد من القيمة الفنية، ما يجعل تقييم “سيد الناس” كفاشل دراميًا نسبيًا يعتمد على منظور الناقد مقابل تفضيلات الجمهور.

وبرز المخرج المصري برؤية إبداعية متفردة جعلته واحدا من أبرز صناع الدراما في العالم العربي، إذ تنوعت أعماله الإخراجية بين المسلسلات والأفلام، وقدم أعمالا درامية قوية مثل “آدم” و”حكاية حياة” و”الأسطورة” و”البرنس” و”جعفر العمدة”، التي تميزت بحبكاتها الدرامية القوية وشخصياتها المعقدة، بينما في السينما أخرج أفلاما مثل “ريجاتا” و”أهواك” و”تصبح على خير”، معتمدا على أسلوب بصري ديناميكي يبرز تفاصيل القصة ويعزز التجربة السينمائية، وقدرته على التقاط نبض الشارع المصري وتحويله إلى قصص ممتعة جعلت أعماله محط أنظار النقاد سلبيا وإيجابيا.

وساهم محمد سامي في التأليف وصياغة نصوص درامية وأغانٍ، إذ كتب مسلسلات مثل “البرنس” و”نسل الأغراب”، اللذين تميّزا بحواراتهما الحادة وصراعاتهما المشوقة، بالإضافة إلى إشرافه على كتابة أعمال مثل “لؤلؤ”، وقدم كلمات لأعمال ناجحة مثل “أنت تاني” و”مليون إحساس” لهيفاء وهبي و”بوم بوم” لمحمد رمضان، التي لاقت رواجًا كبيرًا بفضل طابعها الشعبي الجذاب.

14