سيادة العقل القبوري

الموت هو الشيء الوحيد الذي يتساوى فيه البشر ولا خلاف على ذلك منذ أن مات أول إنسان.
الاثنين 2022/02/28
المقابر لها قواعد

لدينا قصص بشأن طرق الدفن الحمقاء من قبل الأثرياء تثير الازدراء، مثلما تذكّر بالسحق الذي يعيشه فقراء في المقابر. وفي كل ذلك هناك ما يمكن تسميته بسيادة العقل القبوري، بينما الجدير بالإنسان السويّ الاحتفاء بالحياة وليس كما ينظر لها المتصوف الإسلامي الليبي عبدالسلام الأسمر، بوصفه الحياة بـ”جيفة لا تستحق العيش!”، ذلك منطق تاريخي لسيادة العقل القبوري.

تتكرر قصص مثيرة للانتباه بشأن تكرار دفن موتى أثرياء مع سياراتهم الفخمة، بذريعة توفير مكان مريح لهم في حياتهم الأخرى، أو بمسوغ إجراء دفن يليق بمكانتهم. مع أن الموت هو الشيء الوحيد الذي يتساوى فيه البشر ولا خلاف على ذلك منذ أن مات أول إنسان. ويمكن أن نعزو ذلك الوفاق بين البشر إلى سبب في غاية البساطة بأننا ما زلنا نجهل ماذا يحصل للميت، فلم يحدث أن عاد ميت إلى الحياة ليخبرنا عن حياته الأخرى!

يستعين أولئك الأثرياء بتبرير عبثهم بنصوص قانونية تقول “ليس عليك أن تدفن في تابوت، فلا يوجد قانون ضد اختيار حاوية بديلة. على الرغم من أن المقابر قد تكون لها قواعد بشأن ذلك”.

قبل سنوات دفن نيجيري والده في سيارة بي.أم دبليو معتبرا أن ذلك توديعا كريما يليق بمكانته، وبعدها تم تداول خبر في وكالات الأنباء عن نيجيري ثري دفن والدته في عربة همر تمّ تكفينها بالمال! وتمّ تداول قبل أيام إعلان على وسائل التواصل الاجتماعي عن رجل أعمال برازيلي دعا إلى مراسيم استباقية لموته بأن يدفن بسيارته البنتلي الثمينة، وبنفس الذريعة النيجيرية حتى يكون مرتاحا في حياته الأبدية! لكن بمجرد تجمع الصحافيين على تلك المراسيم أوقف الثري البرازيلي الإجراء واعترف بأنه عمل بمشورة وكالة إعلانات في تلك الحيلة من أجل الترويج إلى التبرّع بالأعضاء البشرية، تحت شعار “من العبث دفن الجثث التي يمكن أن تنقذ العديد من الأرواح. لا شيء أكثر قيمة. كن متبرعا وأخبر عائلتك”.

في كل ذلك أنا لا أتوقع إلا أن يقابل مايكل شوماخر ولويس هاميلتون أسطورتا سباق فورمولا 1، بالتهكم ووصف السؤال بالحماقة عندما تعرض عليهما فكرة دفنهما بسياراتيهما الرائعتين وبوصفهما من الأبطال الأثرياء.

نحن في عالمنا العربي نمتلك سؤالا أكثر وجعا بمجرد أن نعرف الأرقام المهولة عن أسر مصرية تعيش في المقابر، في وقت تحولت قصة عائلة عراقية تعيش في مقبرة منذ عشر سنوات، إلى مثار جدل بعد عرضها قبل أيام على الشاشات، بالتزامن مع دخول برلمانيين عراقيين فائزين بالانتخابات الأخيرة أولى جلسات البرلمان بأكفانهم البيضاء احتفاء بالموت. بينما يفترض بالسياسي الاحتفاء بصناعة الحياة وليس مثل الإسلامي الليبي عبدالسلام الأسمر الذي يدعو إلى عدم الاعتزاز بالحياة لإنها خائنة غدارة.

20