سوريون ينازعون للبقاء مع انخفاض المساعدات الدولية

دمشق – تنازع فاطمة العمر، وهي بعمر الزهور (19 عاما) للبقاء، حيث أنها المعيل الوحيد لعائلتها الصغيرة المكونة من والدتها المصابة بمرض السرطان، وجدتها وأشقائها الثلاثة.
فقدت فاطمة منزلها في شمال غرب سوريا، خلال معركة بين القوات الحكومية والمجموعات المعارضة والجهادية، واضطرت إلى الانتقال مع عائلتها إلى بنش، البلدة الصغيرة في إدلب، حيث اشتغلت هناك في جني الزيتون، قبل أن تجبر على التوقف بسبب إصابتها بفايروس كورونا، وهي الآن تواجه خطر الانتقال مرة أخرى، بسبب عدم قدرتها على دفع الإيجار.
تجد فاطمة نفسها اليوم كما الآلاف من السوريين في وضع صعب ومعقد، مع تراجع تدفق المساعدات الإنسانية، التي كانت تشكل متنفسا.
هذا التراجع بدأ قبل أزمة كورونا بسبب إرهاق المانحين مالياً، لكن الوضع ازداد سوءا مع الجائحة. ويخشى المسؤولون أنه مع التباطؤ الاقتصادي العالمي الناجم عن الجائحة، فإن المساعدة الدولية لسوريا على وشك أن تتعرض لضربة جديدة في الوقت الذي تشتد الحاجة إليها.
وفي وقت سابق من هذا الشهر، تمت الاستجابة لنداء من الأمم المتحدة لمساعدة اليمن، الذي يعيش هو أيضا أسوأ أزمة إنسانية، لكن المساعدات كانت أقل من 50 في المئة، وهو ما وصفه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بالمخيب للآمال.
ومن المتوقع أن يتكرر ذات السيناريو خلال مؤتمر جديد للمانحين الدوليين بشأن سوريا الذي بدأ الاثنين ويختتم الثلاثاء.
وفي جميع أنحاء سوريا، أدت جائحة كورونا إلى تفاقم أسوأ أزمة اقتصادية منذ بدء الصراع في عام 2011. وانهارت العملة المحلية وارتفعت أسعار المواد الغذائية، حيث زادت بنسبة 222 في المئة عن العام الماضي.
ويعيش تسعة من كل عشرة أشخاص تحت خط الفقر. وفي شمال غرب سوريا، يعاني ما يقرب من ثلاثة أرباع السكان البالغ عددهم 4.3 مليون نسمة من انعدام الأمن الغذائي.
ووفقًا للأمم المتحدة، يحتاج 13.4 مليون شخص في سوريا، أي أكثر من نصف سكان البلاد قبل الحرب، إلى المساعدة، وهو عدد ازداد بنسبة 20 في المئة عن العام الماضي.

يقول مارك كاتس، نائب منسق الأمم المتحدة الإقليمي للشؤون الإنسانية في سوريا “ليس لدينا ما يكفي من المال لتوفير الخدمات المطلوبة. لا يزال الأمر مجرد صراع من أجل البقاء لجميع هؤلاء الأشخاص، وغالبًا ما تكون النساء والأطفال وكبار السن والأشخاص ذوي الإعاقة هم من يعانون أكثر من غيرهم”.
تسعى الأمم المتحدة وجماعات إغاثة أخرى للحصول على أكثر من 4 مليارات دولار من المساعدات لسوريا في المؤتمر، بالإضافة إلى حوالي 6 مليارات دولار أخرى لنحو 6 ملايين لاجئ سوري فروا من وطنهم.
وعلى مر السنين، كانت تبرعات المانحين أقل مما كان متوقعاً. على سبيل المثال، كانت المساعدات الإنسانية لعام 2020 أقل بنسبة 45 في المئة عن هدفها البالغ 3.82 مليار دولار، وهو ما يقرب من 14 في المئة انخفاضًا عن العام السابق.
يقول فيليبو غراندي، مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين “ندرك تمامًا أن الدول المانحة متأثرة بالجائحة، وأن الميزانيات متزعزعة، ولكن أيضاً وبسبب هذا الوباء نفسه، ليس هذا الوقت المناسب للتخلي عن المساعدات”.
وفي إدلب التي تسيطر عليها الجماعات الجهادية، أدت القيود المفروضة بسبب الجائحة إلى زيادة تباطؤ النشاط الاقتصادي، وإغلاق المدارس والحد من التجارة والحركة مع تركيا.
وتُجبر النساء والأطفال على إيجاد وظائف منخفضة الأجر ومحفوفة بالمخاطر، بما في ذلك القُصر الذين يجمعون القمامة أو يتسولون أو يتم تجنيدهم من قبل الجماعات المسلحة. وتقول جماعات الإغاثة إن التقارير عن محاولات الانتحار بين الشباب والمراهقين آخذة في الازدياد.
يكشف أمجد يامين، من منظمة إنقاذ الطفولة، أن واحدًا من كل ثلاثة أطفال تركوا المدرسة، في انخفاض يقدر بحوالي 70 في المئة عن العام السابق.
وخفض برنامج الغذاء العالمي سلة الغذاء الشهرية في جميع أنحاء سوريا، وهذا يعني خفض السعرات الحرارية من 2100 للفرد إلى 1264 – أي بنسبة 40 في المئة. تقول بعض العائلات إن حصة الأرز في السلة انخفضت بمقدار النصف.
وفي الوقت نفسه، زادت الاحتياجات للمياه بنسبة 40 في المئة بسبب الجائحة، لكن التمويل لم يستمر. وأبلغت المنظمات غير الحكومية المحلية في رسالة المانحين أن التخفيضات قد تجبر ما يصل إلى 55 محطة مياه في جميع أنحاء شمال غرب سوريا على الإغلاق، مما يحرم ما يقرب من 740 ألف شخص من الوصول إلى المياه.

يحذر تو جاكوبسن المسؤول في منظمة كير الدولية “نواجه فجوات هائلة”. وتم تسريب تقارير عن التخفيضات المتوقعة للمساعدات، بنسبة تصل إلى 67 في المئة من قبل بعض أكبر المانحين. ويحاول عمال الإغاثة تعديل الميزانيات والتخطيط لمواجهة هذه التخفيضات.
واجهت فاطمة وعائلتها صعوبة بالفعل في الحصول على المساعدة. وقالت إنه منذ أن فقدت عائلتها منزلهم، لم يتلقوا أي مساعدات غذائية، وتم الاعتماد على المدخرات لدفع جزء من علاج والدتها من السرطان، فيما موّلت التبرعات الخيرية والمحلية الباقي، بما في ذلك الرحلات الطبية الطويلة إلى تركيا. لكن المساعدة النقدية التي تتلقاها لدفع الإيجار تبقى غير مضمونة.
وفرغت مخزونات فاطمة، حيث كانت تحتفظ باحتياطي من المواد الغذائية. وتقول الفتاة التي هجر والدها الأسرة منذ 11 عاماً “ليس لدينا شيء. ليس لدينا ماء. نعيش تحت خط الفقر”.
كانت أفضل وظيفة عملت بها فاطمة حينما كانت في منزلها، حيث كانت تخيط الأقنعة وتكسب حوالي 7 دولارات لكل 1500 قناع، مما ساعدها على رعاية أشقائها. لكنها خسرت هذه الوظيفة عندما انتقلت إلى بنش مع أسرتها.
وبعد مرور عام على النزوح، تحلم فاطمة بغرفة في أحد مخيمات النازحين. وقالت “سيكون هذا أفضل من كل هذا التنقل المرهق”.