سوريا في قلب صراع دولي يحتدم على النفط والغاز

الرئيس التركي يحض القوى العالمية على استخراج النفط السوري وإنفاق عائداته على اللاجئين في شمال سوريا.
الأربعاء 2019/12/18
محور الصراع

دمشق  – تسارع روسيا الخطى لوضع يدها على ما يمكنها من منابع النفط والغاز السوريين في ظل وجود منافسين إقليميين ودوليين يضعون نصب أعينهم هذا الهدف، خاصة بعد دعوات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للاستفادة من نفط وغاز سوريا في دعم مشروعه التوطيني شمال البلاد، وقبلها قيام الولايات المتحدة بالسيطرة على أهم الحقول في الجزء الشرقي، ونشر قوات لها هناك.

وأذكت الاتفاقية التركية الليبية التي وقعها الرئيس رجب طيب أردوغان ورئيس حكومة الوفاق فايز السراج في 27 نوفمبر الماضي، والتي تتضمن في شق منها ترسيم الحدود البحرية شرق المتوسط، المخاوف الروسية خاصة وأن هذه الاتفاقية تمس بشكل جوهري مصالح سوريا البحرية.

وأعلنت روسيا الثلاثاء عن مناورات عسكرية مع القوات الحكومية السورية قبالة سواحل طرطوس في البحر المتوسط، وسط أنباء عن توجه لتوقيع موسكو ودمشق عقودا بشأن التنقيب عن الغاز والنفط في المتوسط، ومرجح أن يتم ذلك خلال اجتماع اللجنة الحكومية المشتركة في موسكو المقرر عقدها في وقت لاحق من هذا الشهر.

ويقول محللون إن الدوافع التي تحدثت عنها البحرية الروسية بخصوص إجراء المناورات والتي ربطتها بمكافحة الإرهاب ومواجهة الطائرات المسيرة لا تبدو مقنعة، خاصة في هذا التوقيت بالذات، فضلا عن كون التصدي للجماعات الإرهابية المحصورة في مناطق معينة في سوريا وتحديدا في إدلب وجزء من ريف حلب لا يتطلب إجراء هكذا تمرينات.

ويعتبر المحللون أن الهدف الأساسي من المناورات العسكرية الروسية السورية في البحر المتوسط، هو إرسال رسالة لتركيا على وجه الخصوص من أنه لن يسمح لها بضرب مصالح دمشق وموسكو البحرية أو التواطؤ في مشاريع للسيطرة على حقول النفط والغاز في الداخل.

ووجه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الثلاثاء نداء إلى من أسماها بالقوى العالمية الفاعلة يدعو فيه إلى استخراج النفط السوري وإنفاق عائداته على اللاجئين الذين سيتم توطينهم في الشمال السوري.

وبدت دعوة أردوغان موجهة أساسا للولايات المتحدة التي تراجعت عن انسحابها المعلن من سوريا في أكتوبر الماضي على خلفية عملية تركيا العسكرية “نبع السلام” في شمال شرق البلاد، لتبقي على جزء من قواتها “لحماية” حقول النفط التي لا تزال بأيدي قوات سوريا الديمقراطية في كل من محافظات الحسكة ودير الزور والرقة. وفي نبرة تحدّ صرح الرئيس الأميركي دونالد ترامب الشهر الماضي على هامش مؤتمر حلف شمال الأطلسي “النفط السوري بأيدينا وسنفعل به ما نشاء”، الأمر الذي أثار حفيظة روسيا.

وفي كلمته التي ألقاها خلال مشاركته في المنتدى العالمي للاجئين، بمكتب الأمم المتحدة في مدينة جنيف السويسرية، قال أردوغان موجها كلامه “للقوى العالمية الفاعلة” “لنستخرج معا النفط من الآبار التي يسيطر عليها الإرهابيون (الأكراد) في سوريا، ولننجز مشاريع بناء الوحدات السكنية، والمدارس، والمستشفيات، في المناطق المحررة من الإرهاب، ونوطن اللاجئين فيها”.

ويرنو الرئيس التركي إلى توطين نحو مليون لاجئ سوري معظمهم (عرب سنة) في شمال سوريا، وسط اتهامات من الأكراد لأردوغان بالسعي لتغيير الطبيعة الديموغرافية في ذلك الجزء الجغرافي بما يجعلهم مجرد أقلية متناثرة، وتشكيل حزام بشري على الحدود يدين بالولاء لأنقرة.

وأشار الرئيس التركي إلى عودة 371 ألف سوري بشكل طوعي حتى الآن إلى المناطق التي أمنتها تركيا شمالي سوريا، مشددا على أن هذا الرقم سيرتفع إلى المليون في المرحلة الأولى.

ويقول محللون إن دعوة أردوغان للدول الفاعلة للاستثمار في النفط والغاز السوريين هي دعوة ملغومة هدفها تنفيذ أجندته التي باتت تشكل بالفعل تهديدا لاستقرار المنطقة، ويشير المحللون إلى أن النوازع التركية التوسعية باتت تثير روسيا وإن كانت الأخيرة لا تزال تبقي على أولوية التعاون مع أنقرة، حيث تفضل حل الخلافات معها عبر الطرق الدبلوماسية بدل السياسة التصادمية، خاصة وأن الوضع في سوريا مازال متداخلا بشكل كبير وهناك خشية من أن تعيد تركيا بوصلتها صوب الولايات المتحدة.

أردوغان يستثمر في اللاجئين
أردوغان يستثمر في اللاجئين

وينتظر أن يقوم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بزيارة الشهر المقبل لأنقرة لبحث الهواجس الروسية حيال التحركات التركية في سوريا كما في شرق المتوسط، وإلى حين اللقاء ستعمل موسكو على استخدام سياسة العصا والجزرة، بالتوازي مع التحرك لتأمين حصتها من النفط والغاز السوريين.

وأقر البرلمان السوري الاثنين عقودا للتنقيب عن النفط مع شركتين روسيتين. وذكرت الوكالة العربية السورية للأنباء (سانا) أن الصفقات تشمل التنقيب والإنتاج في ثلاث مناطق من بينها حقل نفطي في شمال شرق سوريا وحقل غاز شمالي العاصمة دمشق.

وأضافت أن العقود التي أقرها البرلمان في جلسته الاثنين وُقعت في وقت سابق من العام الجاري مع شركتي ميركوري المحدودة المسؤولية و فيلادا المحددوة المسؤولية الروسيتين.

وقال وزير النفط والثروة المعدنية علي غانم إن منح العقود للشركتين يتماشى مع استراتيجية الحكومة “ضمن التوجه… للدول الصديقة التي وقفت إلى جانب سوريا وعلى رأسها روسيا وإيران”.

وكانت سوريا تنتج نحو 380 ألف برميل من النفط يوميا قبل الحرب ولكن الإنتاج انهار خاصة بعد أن ألحق القتال الضرر بشرق البلاد وشمالها الغني بالنفط، ولئن استعادت الحكومة السورية جزءا من الآبار في تلك الرقعة الجغرافية إلا أن الجزء الأهم بقي بيد واشنطن التي تتخذ من هذه المسألة ورقة ضغط في بزار المساومات مع روسيا.

2