سوريا ستزدهر.. والتنوع سرّها

الألم الذي عانته سوريا وشعبها كشف الخدعة. كل ما يريده السوريون اليوم هو العيش بسلام مع بعضهم ومع الآخر.
الجمعة 2024/12/20
نتوق إلى غد أفضل

هناك درس يمكن أن نتعلمه من مدينة لندن، ليس كأفراد فقط، بل كحكومات أيضًا. هذا الدرس تكرر أكثر من مرة وصدر عن أكثر من مدينة.

لندن، التي يزيد عمرها على 1980 عامًا، وكانت يومًا عاصمة لإمبراطورية لا تغيب عنها الشمس، لم تحظَ خلال القرن الماضي بالمكانة الأولى بين المدن التي اعتُبرت مركزًا للثقافة والفن ونوعية الحياة، مثل باريس ونيويورك وبرلين.. ومن قبلها روما والقسطنطينية وفينيسيا.

اليوم، وبعد أن غابت شمس الإمبراطورية البريطانية، تتوج لندن كأفضل مدينة في العالم، للعام العاشر على التوالي. التصنيف أخذ في الاعتبار مجموعة واسعة من العوامل، بينها جودة البيئات الطبيعية والمبنية، والحيوية الثقافية، والطعام والحياة الليلية، والتسوق، والبنية التحتية للأعمال. لكن غاب عن التصنيف أن يذكر أن سر لندن ومن سبقها من مدن هو التنوع الثقافي والعرقي.

الصفة التي تجمع بين لندن وكل من سبقها من مدن ازدهرت في الماضي البعيد والقريب، ليس فقط التنوع، بل قبول الناس لهذا التنوع. دون ذلك يتحول التنوع إلى كارثة، والدليل ما حل بسوريا وشعبها.

إذا كانت المدن التي ذكرت سابقًا قد مرّت عليها رياح التنوع، خلال فترة ما، من تاريخها، فإن سوريا متنوعة منذ الأزل. في سوريا خمس مدن بينها العاصمة دمشق مصنفة بين أقدم عشر مدن في العالم، ويعود تاريخ دمشق إلى حوالي 6300 قبل الميلاد. وبفضل موقعها الجغرافي المتميز، أصبحت نقطة عبور مهمة للقوافل التجارية ومحورًا في شبكة التجارة الدولية.

كانت دمشق مركزًا تجاريًا رئيسيًا في المنطقة، حيث كانت تقع على طريق الحرير الشهير الذي ربط بين الشرق والغرب. هذا الموقع الإستراتيجي جعلها مركزًا لتبادل السلع والثقافات بين الحضارات المختلفة. وفي العصر الإسلامي، أصبحت عاصمة الخلافة الأموية، مما زاد من أهميتها التجارية والسياسية، وزاد أيضًا تنوعها الثقافي والعرقي والاجتماعي.

لكن، كما للتنوع ميزاته، للتنوع أيضًا مخاطره عندما يتم توظيفه بطرق شيطانية، وهو حال سوريا وعاصمتها دمشق في ظل حكم عائلة الأسد. خلال 54 عامًا عمل النظام السوري على نفخ النار تحت الرماد، في الظاهر يدّعي الوحدة وفي السر زرعت ممارساته الشك والخوف والانقسام بين الطوائف والأديان والإثنيات.

الألم الذي عانته سوريا وشعبها كشف الخدعة. كل ما يريده السوريون اليوم هو العيش بسلام مع بعضهم ومع الآخر. السوريون سواء من بقي منهم داخل سوريا أو نزح عنها وأصبح لاجئًا في دول الجوار وفي أوروبا، صقلته التجارب. والدليل، عندما اقتربت ساعة العودة إلى الوطن، شعرت المدن التي استقبلتهم أنها ستفقد أناسًا ساهموا في خلق إضافات إيجابية أينما حلوا. نسمع هذا الكلام يتردد في ألمانيا البلد الأوروبي الذي استضاف أكبر عدد من السوريين، ومن تركيا المجاورة لبلدهم، ونسمعه أيضًا من مصر.. وغيرها كثير.

سيعود جزء من المهجّرين، ويبقى منهم جزء في البلدان المضيفة، لكن ما هو مؤكد أن الجميع سيساهم بعد هذه التجربة، بحلوها ومرّها، في إضافة الجديد إلى سوريا التي ستزدهر وتنمو. وما أدرانا قد يظهر اسمها في قائمة أفضل عشر مدن في العالم.. وقد تحتل المرتبة الأولى.

18