سوريا تعلق استيراد الهواتف المحمولة لتحسين سعر الليرة

المبادرة تستهدف تقليل الطلب على الدولار مؤقتا وضبط أولويات التوريد.
الخميس 2021/03/25
أسعار الهواتف حلقت عاليا

لجأت الحكومة السورية إلى تعليق استيراد الهواتف المحمولة في محاولة لضبط الاستيراد بالدولار وتوجيهه نحو المواد الأساسية، في ظل شحّ قياسي في مخزون النقد الأجنبي وانهيار غير مسبوق لليرة، حيث تستهدف السلطات تحسين سعر الليرة من خلال تقليل الطلب على الدولار بشكل مؤقت.

دمشق - علّقت وزارة الاقتصاد السورية استيراد أجهزة الهواتف المحمولة “حتى إشعار آخر”، في خطوة برّرتها الهيئة الناظمة للاتصالات بمنح الأولوية لاستيراد مواد أساسية وسط شحّ الدولار وتدهور الليرة.

وتعاني سوريا، التي تشهد أزمة اقتصادية حادة بعد عشر سنوات من الحرب وتطالها عقوبات غربية، في توفير الدولار الضروري لاستيراد احتياجاتها الأساسية، في وقت تسجّل الليرة منذ مطلع العام انخفاضا غير مسبوق، تراوح معه سعر الصرف بين أربعة آلاف ونحو 4500 ليرة. ولا يزال سعر الصرف الرسمي يعادل 1256 ليرة.

وطلبت وزارة الاقتصاد في قرارها من إداراتها في المحافظات “عدم قبول طلبات لاستيراد أجهزة الهاتف المحمول وعدم منح أي إجازة استيراد” جديدة.

وأفادت الهيئة الناظمة للاتصالات والبريد في بيان الثلاثاء عن تعليق التصريح عن الأجهزة الخلوية الجديدة، وذلك “بعد التأكد من توفّر أعداد أجهزة خلوية أكثر من ثلاثة أضعاف أعداد المشتركين الحاليين، من أجل إعطاء الأولوية لاستيراد المواد الأساسية اللازمة لاحتياجات المواطنين”.

ونقلت صحيفة الوطن عن مصدر مالي قوله إن “الحكومة اتخذت سلسلة من الإجراءات” لوقف تدهور الليرة، أهمها “إيقاف استيراد العديد من المواد التي تعتبر من الكماليات ويمكن الاستغناء عنها لعدة أشهر، الأجهزة الخلوية على سبيل المثال”.

مخصصات الهواتف المحمولة ستوجه إلى تمويل مواد أساسية أخرى وسط شح الدولار وتدهور الليرة

ووفق ما أوضح محلل اقتصادي في دمشق، رفض الكشف عن اسمه، فإن من شأن القرار أن “يحسّن من سعر الصرف لفترة محدودة، لأنه يُقلل الطلب على الدولار من السوق الموازي أو من المصرف المركزي، لكن بشكل مؤقت”.

ووفق المحلل، يموّل المصرف المركزي “جزءا من كلفة إجازات الاستيراد الرسمية، ومع هذا القرار، سيذهب الجزء المخصص للهواتف المحمولة إلى تمويل مواد أساسية أخرى”.

وفور التداول بالقرار، شهدت أسواق الهواتف المحمولة ارتفاعا متفاوتا في أسعارها. وقال جريس (33 عاما)، وهو صاحب محل في دمشق “بكل تأكيد سترتفع أسعار الهواتف الموجودة في السوق وسيكون هناك طلب أكبر في المستقبل من دون ازدياد في البضاعة المعروضة”.

وأبدى تخوّفه من أن يدفع القرار كبار “التجار إلى أن يحتكروا ويتحكّموا بأسعار هواتف معينة مطلوبة أكثر من غيرها”.

ويشّكك البعض في خلفيات القرار. وقال خبير تقني مقيم في تركيا، فضل عدم الكشف عن هويته، إن “هدف دمشق قد يكون حصر سوق الهاتف الخلوي بيد رجال أعمال محسوبين عليها”، ما يعني أنه سيكون على المواطنين شراء الهواتف من “شركات مقرّبة من السلطات وبالأسعار التي تفرضها”.

وبموجب القرار ذاته، سيتم وقف عمل أي جهاز جديد على الشبكة السورية بدءا من الـ18 من الشهر الحالي، على أن يتمّ السماح للوافدين إلى سوريا باستخدام أجهزتهم لمدة 30 يوما شرط التعريف عنها لدى دخولهم الحدود.

وتشهد سوريا بعد أكثر من عشر سنوات من الحرب أزمة اقتصادية خانقة فاقمتها مؤخرا تدابير التصدي لوباء كوفيد – 19. كذلك زاد الانهيار الاقتصادي المتسارع في لبنان المجاور، حيث يودع سوريون كثر، بينهم رجال أعمال، أموالهم، الوضع سوءا في سوريا.

وضغطت الأزمة اللبنانية على مصدر رئيسي للدولار بالنسبة إلى سوريا، مما أدى إلى إلحاق المزيد من الضرر بعملة تئن تحت وطأة سنوات من العقوبات الغربية وصراع مدمر مستمر منذ نحو عشر سنوات.

وحسب بيانات منظمة الأمم المتحدة في تقرير صدر في سبتمبر 2020، بلغ إجمالي الخسائر المالية التي مُني بها الاقتصاد السوري بعد ثماني سنوات من الحرب فقط نحو 442 مليار دولار.

ووفق ما أفاد وزير النفط والثروة المعدنية بسام طعمة أمام مجلس الشعب في فبراير الماضي، تكبد قطاع النفط خسائر بنحو 91.5 مليار دولار.

وحسب طعمة، أنتجت سوريا خلال العام 2020 نحو 80 برميل نفط يوميا من إجمالي حوالي 89 برميلا استخرجت من مناطق خارجة عن سيطرة دمشق، مقابل إنتاج يومي بلغ 400 برميل قبل اندلاع النزاع.

وتدهور سعر صرف قيمة العملة المحلية الليرة بحوالي 98 في المئة مقابل الدولار في السوق السوداء خلال العقد الأخير، وهوت الليرة بنحو 40 في المئة خلال العام الجاري فقط.

الليرة السورية في الحضيض
الليرة في الحضيض

وحدث آخر تهاوي لليرة السورية في الصيف الماضي عندما بلغت حاجزا نفسيا عند ثلاثة آلاف ليرة للدولار، بسبب مخاوف من أن يزيد تشديد العقوبات الأميركية حال الاقتصاد سوءا.

وألحق هبوط الليرة الضرر بأنشطة الأعمال مع تردد الكثير من التجار وشركات التجارة في البيع أو الشراء، في بلد يلجأ فيه كثيرون إلى المدخرات الدولارية للحفاظ على أموالهم.

وتنتقد أوساط اقتصادية تردد السلطات في التدخل لحماية احتياطياتها من النقد الأجنبي، مما زاد الضغوط على الليرة، في ظل تراجع حاد في التحويلات النقدية من الخارج، والتي تمثل مصدرا مهما للنقد الأجنبي، من عشرات الآلاف من السوريين المقيمين في دول متضررة من جائحة كوفيد – 19.

وبلغ متوسط الراتب الشهري للموظفين في القطاع العام في مناطق سيطرة الحكومة السورية مطلع العام 2021 حوالي عشرين دولارا وفق سعر الصرف في السوق السوداء. فيما بلغ متوسط راتب الموظفين في القطاع الخاص حوالي خمسين دولارا.

وقدرت قيمة كلفة السلة الغذائية الأساسية لأسرة مكوّنة من خمسة أفراد لمدة شهر بحوالي 136 دولارا وفق سعر الصرف في السوق السوداء.

وكانت لقانون العقوبات الأميركي المعروف باسم قيصر آثار مدمرة على الاقتصاد السوري، حيث تجلى ذلك في استهداف كل شخص أجنبي يتعامل مع الحكومة السورية وحتى الكيانات الروسية والإيرانية في سوريا، وشمل مجالات عدة من البناء إلى النفط والغاز.

واستهدف القانون عددا من الصناعات التي تديرها سوريا، بما في ذلك تلك المتعلقة بالبنية التحتية والصيانة العسكرية وإنتاج الطاقة.

11