سوريا تستعيد آثارها المنهوبة

"كنوز سورية مستردة" معرض يقدم قطعا من مختلف العصور، ويضم العشرات من الآثار السورية التي فقدت خلال سنوات الحرب.
الجمعة 2018/10/19
سوريا تمكنت من استعادة بعض القطع التي كانت مفقودة

تختزل الآثار حضارة وثقافة الشعوب، لذا فإن الاعتداء عليها بالنهب أو السرقة، يعتبر اعتداء على تاريخ الشعوب وثقافاتها وحضاراتها المتعاقبة. ولم تشهد منطقة أحداث اعتداء شجبها كل العالم مثلما شهدته سوريا والعراق، البلدان العريقان والمعروفان بحضاراتهما العريقة.

دمشق - بحسب تقديرات رسمية للأمم المتحدة فإن سوريا والعراق مجتمعين يشهدان أكبر عمليات سرقة للآثار في العالم في الفترة المعاصرة التي تمتد منذ العام 2003 عندما احتل الأميركيون ودول التحالف العراق.

وعبر سنوات الحرب في سوريا، تعرضت الكثير من المواقع الأثرية السورية وكذلك عدد من المتاحف لعمليات ممنهجة من السرقة والتعديات التي قامت بها جهات مختلفة، ترتبط مع شبكات تهريب آثار عالمية، موجودة في عدد من دول العالم أهمها “إسرائيل”، لسرقة هذه الآثار، نظرا إلى قيمتها المالية الكبيرة أو لأهداف سياسية وحضارية هدفها طمس هوية المنطقة وآثارها التاريخية.

الاعتداء على التاريخ

يثبت التاريخ أن سرقة الآثار في سوريا موجودة منذ فترات بعيدة بدأت مع الاحتلال العثماني ثم الاحتلال الفرنسي، ويرسخ في أذهان السوريين عموما معلومات عن الآثار التي سرقها الجنرال غورو من ضريح القائد صلاح الدين الأيوبي عند دخوله دمشق. عندما وقف على ضريحه ليقول له “ها قد عدنا يا صلاح الدين”، ثم قام بسرقة العديد من الآثار التي ما زالت موجودة حتى الآن في متاحف باريس.

يؤكد مختص بالآثار السورية وهو محمود حمود المدير العام السابق للآثار والمتاحف في سوريا، أن فيها ما يزيد عن عشرة آلاف موقع أثري مختلف الحجم والأهمية، بعض هذه المواقع مسجلة في السجلات العالمية (قائمة الآثار المحمية كجزء من التراث المادي العالمي) وبعضها غير مسجل.

أكبر حالات التعديات والسرقة التي تمت على الآثار السورية تلك التي جرت في مدينة تدمر الأثرية من جرائم الإرهابيين

هذه الآثار تمتد على مساحة الوطن السوري بكامله وقسم كبير منها محمي ضمن متاحف خاصة ويعود إلى مديرية الآثار والمتاحف في وزارة الثقافة. وتوفر الدولة لها حماية كاملة، لكن استفحال الأزمة والحرب التي حدثت، أخرجا بعض المناطق عن سيطرة الدولة، وبالتالي تعرضت هذه الآثار للمخاطر والتعديات والسرقة”.

كانت أكبر حالات التعديات والسرقة التي تمت على الآثار السورية تلك التي جرت في مدينة تدمر الأثرية، التي سيطرت عليها قوات داعش، حيث أعدمت المؤرخ والباحث التدمري الشهير خالد الأسعد ودمرت العديد من آثار المدينة الأثرية. كما قامت بإعدام العديد من الجنود بشكل علني في مواقع فيها، كرمزية على محاربتها لما تدعي أنه حالة من عبادة الأصنام. ولاقت جراء ذلك استنكار العالم كله.

وعن المعرض الذي أقيم مؤخرا، والذي عرضت فيه العشرات من القطع المنهوبة يبين محمود حمود أنه منذ بداية الحرب، قامت المديرية العامة للآثار والمتاحف بنقل هذه الآثار إلى أماكن آمنة، مؤكدا “في بعض الحالات لجأنا إلى وضع نسخ عن الآثار الحقيقية لحماية تلك الحقيقية من الأخطار التي يمكن أن تتعرض لها، كما حدث في تدمر، وكذلك كنا نضع في نعوش الشهداء بعض الآثار الصغيرة التي يمكن أن تخبأ فيها، وبذلك أنقذنا العشرات من الآثار. إضافة إلى جهود التعاون مع الأنتربول ومنظمة اليونسكو ومنظمة الـundp التي ساهمت بشكل فاعل في هذه المجال”.

صدر عن الأمم المتحدة قراران سابقان، بتجريم كل من يتاجر بآثار كل من العراق وسوريا، في عامي 2015 و2017، لكن هذين القرارين لم يوقفا النزيف الكبير في تهريب الآثار، فظلت الآثار تسرق وتهرب، ويؤكد الآثاريون السوريون، أن تعاون الهيئات الدولية في اليونسكو ساهم إلى حد بعيد في استعادة بعض هذه القطع.

 المعرض سيزور متحف بوشكين في موسكو للانفتاح على عشاق التاريخ
 المعرض سيزور متحف بوشكين في موسكو للانفتاح على عشاق التاريخ

وكذلك في تعاون الشرطة الدولية الأنتربول، التي تسلمت قائمة بالآثار السورية المسروقة من وزارة الثقافة السورية. وهي تقوم عند كل مصادرة لقطعة أثرية في أي مكان في العالم بالاتصال بالجهات الرسمية السورية وإبلاغها عن القطعة وإرسال صور ومعلومات عنها. وبالمطابقة تمكنت سوريا من استعادة بعض القطع التي كانت مفقودة.

أما عن التوثيق للآثار المنهوبة، فإن المعنيين يجدون صعوبة في ذلك بسبب أن بعض المتاحف قد سرقت تماما كما في معرة النعمان والرقة، حيث تم نهب محتويات المتحفين، وهنالك مئة قطعة أثرية نهبت من حمص. لذا فإن اللجان الموجودة لدى وزارة الثقافة تذهب إلى المناطق التي تعود لسيطرة الدولة فورا وتقوم بجرد كلمل للآثار وتعود بالمتبقي إلى المتحف الوطني بدمشق. ولكن قسما من الآثار ما زال مختفيا إما داخل سوريا أو خارجها.

معرض لحضارات سوريا

في أوائل الشهر الجاري، وفي أوبرا دمشق، تم افتتاح معرض رسمي، بعنوان “كنوز سورية مستردة”. ضم العشرات من الآثار السورية التي فقدت خلال سنوات الحرب. شملت المعروضات لقى حجرية وأسلحة وتماثيل كاملة ونصفية للعديد من الشخصيات التاريخية الهامة، كما ضم المعرض لقى من نقود معدنية يعود تاريخها إلى فترات مختلفة، وكذلك مقرنصات وتيجان أعمدة من عصور شتى، متعددة الأحجام والألوان. وحظي المعرض بمتابعة لافتة من مختصين وجمهور عادي في دمشق. وقد زاره طلاب ومختصون في التاريخ والآثار ليتعرفوا على طبيعة الآثار التي نهبت وتمت استعادتها.

وسينتقل المعرض إلى موسكو في متحف بوشكين للفنون خلال الفترة القريبة القادمة، حيث تقرر أن تشارك مديرية الآثار السورية به ليتم عرض هذه القطع أمام الجمهور الروسي المهتم بدراسة الآثار وتاريخ الحضارت القديمة في المنطقة العربية. حتى يتعرف الناس في روسيا على الآثار السورية والتي تحمل مؤشرا حضاريا هاما على القدم الحضاري الموجود في هذه البلاد. الأمر الذي يعني منظمي المعرض هو إعادة هذه الأوابد لتكون ضمن السلسلة الكاملة لآثار سوريا ولتوثيق ما تعاقب عليها من حضارات. وكذلك لتعريف المواطن السوري العادي بحضارة وطنه، والمخاطر التي تستهدف طمسها.

15