سنة ثالثة طوارئ

لا ضرورة لشرح المقصود من العنوان، فالقارئ المحشور في الزاوية مثلنا جميعاً، يفهمه مباشرة، بل ويعيشه كل يوم منذ 2020 وحتى 2021، وحتى نقدّم الجديد، نسأل ونذكّره: ولكن متى لم تكن حياتنا مسلسلاً من الطوارئ؟ في السنوات الأخيرة فقط، ظهر وباء ماكر أرسلته الصين ليعبث بالعالم، ولكن قبل ذلك كانت السيرة البشرية في تقلّب دائم تحت مزاريب الحالات الاستثنائية، حتى بات الاستثنائي هو القاعدة والاستقرار هو الحالة المؤقتة.
في اللحظات الأخيرة من العام الحالي، من الطبيعي أن نجري مراجعة لما تعلّمناه من التكيّف مع حالة الاستنفار وتحضير المؤن والكمامات والتباعد الاجتماعي ومتابعة المؤشرات ومفارقة الأصدقاء المفاجئة. ماذا تعلّم الإنسان؟
في العالم العربي السعيد، تعلّم الإنسان في ظل الخطر الوبائي الداهم، المزيد من عدم الاكتراث والمزيد من ”التطنيش“ فهو وسيلته الوحيدة لمواجهة انهيار الأنظمة الصحية وإدارة الدولة للشأن العام، حالات قليلة نجت في بعض البلدان، أما العموم فهم في كوكب آخر.
في العالم الغربي، اكتسب الإنسان خبرة أكبر في كيفية الاتكال على الدولة وامتصاص المجتمع والشكوى والندب لتهب إليه سيارات الإسعاف وتبذل خزائن الحكومات الأموال الطائلة لتعويضه عن الأضرار التي تسبب بها كوفيد اللعين، كما تعلّم شيئاً آخر، هو التعايش مع قناع الوجه الذي كان يراه أمراً عجيباً لدى المنقبات من بعض المسلمات واليهوديات الحريديات، فقد صرنا كلنا منقبين ومنقبات، بالأبيض والأسود والألوان، بفضل التقدْم العلمي والوهج الحضاري والحسابات الطبية الدقيقة.
وفي الشرق البعيد، كل شيء قابل للقلب وإعادة التفسير، كما يعتقد الصينيون والروس، ولا بأس من وباء يعيد الأمور فقد مرّ الأسوأ من قبل.
وفي كل تلك العوالم، تعلّمت الأجيال الجديدة، أن تضييع الوقت في الانتظار واللايقين، أمرٌ لا بأس به وليس عيباً كما كنا نقول لأطفالنا، فالكل ينتظر ولا أحد يعرف شيئاً عن اللحظة القادمة.
دعنا مما مضى وانظر إلى الأمام، عام جديد عليه أن يكون مختلفاً، تستطيع فعل ذلك، حين تتذكر أن العالم نفسه الذي يبدو هلعاً خائفاً من متحورات كورونا، والزبون الجديد أوميكرون، كان قد قال لك أمامك خيار آخر؛ ”مناعة القطيع“. ولكنك لم تقبل، فكيف تعتبر نفسك عضواً في قطيع وأنت سيد الكوكب؟ قطيع بعد كل تلك الآلاف من السنين؟ وأين ذهب إنتاجنا العلمي والفكري والهندسي والطبي والثقافي؟
ولكن يا عزيزي وأنت تتقبل التهاني بالعام الجديد، عليك أن تعلم أن الطبيعة الأم تراك جيداً، ولا تنطلي عليها البروباغندا التي تروجها عن نفسك، ولو رأتك تتصرف بغير سلوك القطيع، لما طالبتك بأن يكون لديك ”مناعة قطيع“.
وكل عام وأنتم بخير وصحة عقلية أولاً.