سمية البغدادي.. فنانة عراقية تستعيد بالفخار أمجاد السومريين

التشكيلية العراقية تنظّم دورات تعليمية للأطفال حول فن الخزف للحفاظ على تراث العراق وثقافته القديمة.
الأربعاء 2021/06/30
من إنجازات الأطفال في دورة الفخار التي تشرف عليها سمية البغدادي

سمية البغدادي فنانة تشكيلية عراقية اختصّت في فن الخزف. عشقت الرسم وهي طفلة من خلال مشاركاتها في العديد من المعارض المدرسية، وعند التحاقها بمعهد الفنون الجميلة تعرّفت على فن الفخار والخزف، فأحبته ووجدته قريبا إلى نفسها، ومن هناك مارسته واحترفته، بل باتت تدرّسه للأطفال في سعي حثيث منها للحفاظ على هذا الفن العريق ومنعه من التلاشي والاندثار.

البصرة (العراق) - تصنع الفنانة التشكيلية العراقية سمية البغدادي بعناية ثورا مجنّحا (وهو أحد آلهة الآشوريين القدماء) في ورشتها بمدينة البصرة جنوب العراق، وتقول إنها تريد الحفاظ على فن الفخار الذي يعود تاريخه إلى آلاف السنين في بلدها.

وقرّرت البغدادي، وهي أستاذة فنون عراقية من مدينة البصرة، أن تنظّم دورات تعليمية للأطفال حول هذا الفن القديم، فهي ترى أنه لم يبق في البصرة حاليا سوى القليل جدا من فناني الخزف، ومن أجل الحفاظ على هذا التراث الذي يعود إلى آلاف السنين شرعت في تنظيم هذه الدورات.

وتعلّم الخبيرة العراقية في فنون الفخار طلبتها تراث العراق وثقافته القديمة عن طريق صناعة الأواني والمزهريات الملونة.

وأوضحت البغدادي أن “هذه الدورات مفيدة جدا بالنسبة إلى الأطفال، وفي الآن ذاته تساعدنا على إحياء تراث الفخار الذي يعاني من شبه اندثار في العراق، فنحن نعمل على إعادة إحيائه من جذوره عن طريق تعليم الأطفال الذين أحاول أن أبثّ فيهم حب هذا الفن حتى يكملوا مستقبلا هذه الرسالة”.

وتعود صناعة الفخار -وهي حرفة شعبية- إلى الحضارة السومرية، كما بيّنت ذلك أعمال التنقيب عن الآثار في حضارة وادي الرافدين.

وأشارت البغدادي إلى أن “فن الفخار عُرف منذ آلاف السنين، من أيام العصر الحجري، حيث كان الإنسان البدائي يصنع أدواته بيده بدءا من الكؤوس التي يستخدمها للشرب وصولا إلى الأواني التي يستعين بها للأكل”.

وتابعت “هذا الفن عرف العديد من التطوّرات التي يمكن تبيّنها من خلال تعاقب الحضارات، من بينها الآشورية والبابلية والسومرية، إذ كل حضارة كانت في حاجة إلى إدخال تعديلات على الأدوات التي خلفتها الحضارة التي قبلها”، مشيرة إلى أن القدامى “استخدموا الأختام الأسطوانية، حيث كانوا في ذاك الوقت يدوّنون عليها تاريخ كل حاكم من خلال نقوش، إذ كان لكل حاكم ختم أسطواني خاص به يصنع خصيصا له”.

والفخاريات في العراق تدخل في تفاصيل الحياة اليومية، ومن بينها تنّور الطين الذي يعد إحدى الأدوات السومرية التي لا تزال مستخدمة من قبل عائلات عراقية كثيرة.

وتحرص البغدادي على نقل مهاراتها إلى الأطفال الذين تعلّموا من خلال دوراتها المتعدّدة كيفية صنع الكؤوس وكتابة أسمائهم باللغة المسمارية على ألواح طينية، وهي من أقدم أساليب الكتابة في بلاد ما بين النهرين القديمة.

الخزافة العراقية آلت على نفسها أن تنقل مهاراتها إلى الأطفال، في محاولة منها للحفاظ على فن الخزف العريق
الخزافة العراقية آلت على نفسها أن تنقل مهاراتها إلى الأطفال، في محاولة منها للحفاظ على فن الخزف العريق

وقالت أستاذة الفنون العراقية إنها أرادت في ورشها التعليمية تعريف الأطفال بالكتابة المسمارية التي ظهرت في بلاد الرافدين، وإبلاغهم فكرة أن أسلافهم أول من عُرف بالكتابة، بالإضافة إلى تمكّنهم من صنع بعض الأواني.

ووجدت هذه الورش صدى طيبا لدى عدد من الأطفال، ومن بينهم دانا سعد (14 عاما) التي تؤكّد أنها اكتسبت من مشاركتها مهارات جديدة وأصبحت تجد في الفخار أمرا مسليا، وفي الوقت نفسه تعلمت أن هذا الفن يشكل جزءا من التراث العراقي ويسلط الضوء على حياة العراقيين القديمة بكل التفاصيل التي عاشها الأسلاف، بالإضافة إلى أنها تعرّفت على أصدقاء جدد.

أما المشارِكةُ الأخرى الطفلة بلقيس سالم (14 عاما)  فتعتبر أن صناعة الفخار بالنسبة إليها تتجاوز بعدها الثقافي إلى مشروع استثماري بدأت فكرته تدور في ذهنها، وقد وجدت في الأمر فرصة لتمضية أوقات فراغها في تعلّم أشياء مفيدة، ترى أنها ستفيدها كثيرا في المستقبل.

وتمثل إقامة ورش الفخار بالنسبة إلى البغدادي تحديا بسبب المعدات غالية الثمن مثل الفرن الضروري لأعمالها الفنية المصنوعة من الطين، وهي لا تكتفي بتعليم الأطفال فن الفخار والخزف، بل شملت ورشها التدريبية جميع الأعمار من الجنسين، وخاصة النساء (مهندسات وطبيبات وطالبات).

وعن ذلك تقول “الدورات الموجعة للكبار أقيمها في الغالب في مشغلي الخاص بي في بيتي، وبالنسبة إلى ورش الأطفال اخترت مكانا جميلا وتراثيا وهو قصر الثقافة والفنون في البصرة الذي هو عبارة عن بيت الشناشيل لأهل البصرة القدماء، وذلك من أجل أن يتعرّف الأطفال على هذه الأماكن الجميلة والأصيلة وكيف كان يعيش أهل المدينة في مثل هذه البيوت التراثية، وما يوجد داخلها من ساحة كبيرة تسمى ‘الحوش’، حيث تكون الغرف موزّعة حول الحوش، وهذا التنوّع المكاني يروق للأطفال الحالمين دائما وأبدا”.

وتعمل البغدادي على استغلال فرصة العطلة الصيفية في محاولة إفادة الأطفال في مجتمعها، ففي العام 2018 نظمت دورة فنية لهم بهدف إبعادهم قدر المستطاع عن هواتفهم الذكية.

وتقول عن هذه المبادرة التي ترسّخت بمرور الوقت “للأسف أغلب الألعاب المتوفرة في أجهزة الهواتف تحتوي على مواد ضارة، فهي قائمة على القتل والعنف، بالإضافة إلى أنها تضمّ ألفاظا ومفردات غير دقيقة، كما أنها منافية للأخلاق، وكل هذه الأمور من السهل جدا أن تساهم في تعليم الأطفال سلوكيات مشينة. في المقابل نحن نسعى لحملهم على المشاركة في هذه الدورات الزاخرة بمواد متنوعة (تثقيفية، تعليمية، ترفيهية…) ومراعية لأعمارهم ومستوياتهم العلمية”.

16