سمكة نيوتن وهذه اللحظة

كل ما يحدث على هذه الأرض، سواء كان مهما أو قليل الأهمية أو تافها حتى، تكون له ارتدادات تكبر مثل الموجات على سطح الماء. لا شيء بلا أثر.
وقد قرأت أن حياتنا، نحن سكان كوكب الأرض، كان يمكن أن تتغير كثيرا بسبب سمكة، وكان يمكن أن نكون الآن نحن من يسبح في بحر من الظلام لو نجحت تلك الصغيرة في مهمتها الشيطانية. ففي العام 1686 كانت الجمعية الملكية البريطانية، تستعد لنشر كتاب هام جدا كان سيحمل عنوان “الأصول الرياضية للفلسفة الطبيعية” للمرة الأولى، وكان الكاتب شخصا في الأربعين من عمره يدعى إسحق نيوتن.
لكن المشكلة كانت أن برنامج النشر يضم مهمة قبل إصدار كتاب ذلك الشاب، وهي طباعة كتاب عن تاريخ السمك لجون راي وفرانسيس ويلوغبي. وهو بمثابة موسوعة علمية كبرى حول السمك. وبما أننا كنا نعيش في عصر لا كاميرات فيه، فالحل الوحيد الذي لجأ إليه المؤلفان لتجسيد السمك هو الرسم، ما أضاف تكاليف باهظة على ميزانية الجمعية، وخاصة بعد أن تكلف رسم سمكة طائرة واحدة في الكتاب مبلغا خياليا آنذاك.
وهكذا فرغت خزينة الجمعية الملكية البريطانية وتم إلغاء طباعة كتاب نيوتن. بقي الأمر على حاله فترة طويلة، حتى تبرع أحد أصدقاء نيوتن، من أثرياء ذلك الزمن، بكل التكاليف، ولولا ذلك لما عرفت البشرية قوانين الحركة الثلاثة الشهيرة ومعها قانون الجاذبية وبراهين أخرى ستعتمد عليها الحضارة في الفلك والطيران وتقريبا كل شيء.
السؤال الآن؛ ماذا لو لم يكن ذلك الثري الذي أنقذ الكتاب العظيم موجودا في اللحظة المناسبة؟ ربما لم نكن سنتعرف على كيفية إنتاج الطاقة، وبالتالي لن نتمكن من الحصول على تكنولوجيا توصلنا إلى ما نملكه في هذا اليوم بما فيه الاتصالات والتصوير والبث. ماذا لو لم تكن تقنية البث المباشر والسلاح والثقافة العنصرية متوافرة لدى ذلك الإرهابي المسيحي الأسترالي الذي فتك بأرواح المسلمين الخمسين الأبرياء في مسجدي كرايستشيرش بنيوزيلندا؟
وماذا لو كان المسلمون في أنحاء العالم لا يعيشون دور “الضحية” منذ سقوط الخليفة العثماني قبل مئة عام من الآن؟ ماذا لو عرفوا أن كثيرا من الأمور التي يجدونها الآن قضايا صعبة ومعقدة، كانت قائمة في عهد المأمون وعصر ابن رشد وأزمنة أخرى عديدة دون أن تعرقل نهضة العلوم والمعارف، ولم يعجز الناس حينها عن التفكير والخلق والإبداع؟
بالنسبة إلينا، فقد تكرّر الأمر ونجحت أسماك تافهة عديدة، مثل سمكة نيوتن، في منع تقدمنا، وبدلا من أن نبحث عن صديق يساعد، بدأنا بالندب وصببنا اللعنات على القريب والبعيد.