سمرقند، خيوة وتيمورلنك.. دبلوماسية أنقرة لإحياء العالم التركي

العرق واللغة والاستثمار ثالوث يعول عليه أردوغان لاستعادة الأمجاد.
الاثنين 2021/03/08
جولة لإذكاء المشاعر

تعمل أنقرة على الترويج لوحدة الدول الناطقة باللغة التركية عبر اختراقها الواسع لهذه الدول، حيث تشتبك المصالح الاقتصادية بالأجندات التوسعية للرئيس التركي رجب طيب أردوغان الحالم باستعادة أمجاد الإمبراطورية العثمانية. وتعتبر أوزبكستان التي تسبب أحد قادتها التاريخيين في انهيار الدولة العثمانية، أحد أبرز المناطق التي يعول عليها أردوغان لإحياء الأمجاد.

سمرقند ( أوزباكستان) - افتتح وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو الأحد، قنصلية بلاده في مدينة سمرقند الأوزبكية، في خطوة يرى مراقبون أنها تندرج ضمن أجندات تركيا التوسعية وبسط نفوذها في آسيا الوسطى، عبر استثمار الروابط اللغوية والعرقية في إحياء ما يعرف بالعالم التركي.

وزار جاويش أوغلو مدينة خيوة التاريخية في أوزبكستان وضريح أمير تيمور المعروف باسم تيمورلنك، مؤسس الدولة التيمورية (1370-1507)، في مدينة سمرقند. وتيمورلنك، قائد مغولي مُسلم تسبب في انهيار الدولة العُثمانية.

وفي 2009 أسست تركيا ما يسمى بمجلس تعاون الدول الناطقة باللغة التركية، الذي يضم كلاّ من أذربيجان وشمال قبرص وتركمانستان وأوزبكستان وقرغيزيا وكازاخستان، حيث يسعى الرئيس التركي رجب طيب أرودغان من خلاله إلى جمع الدول الناطقة باللغة التركية تحت خيمته.

ويتمثل الهدف الرئيسي المعلن لمجلس تعاون الدول الناطقة بالتركية في تأسيس وتعزيز التعاون بين الدول الأعضاء في قضايا السياسة الخارجية والاقتصاد والمواصلات والجمارك والسياحة والتعليم والإعلام، والرياضة والشباب.

كما يستهدف تعميق العلاقات بين الدول الناطقة بالتركية، وتوسيع مجالات التعاون الدولي في العالم الإسلامي، وبين بلدان الشرق الأوسط والمنطقة الأوراسية.

وتعتبر أوزبكستان ثاني أكبر دولة ناطقة باللغة التركية بعد تركيا من حيث عدد السكان، حيث تجاوز عدد سكانها وفق إحصاء عام 2016 الـ31 مليون نسمة.

ويريد الرئيس التركي من خلال هذا المجلس، حسب مراقبين، إعادة تأسيس إمبراطورية تركية بمواصفات جديدة. إمبراطورية معنوية قائمة على شبكة المصالح والارتباطات مع دول قائمة ومهمة ومؤثرة أو مع دول تنتظر دعمه.

تمزج تركيا في بسط نفوذها بين عوامل العرق واللغة والدين ثم تبني عليها المصالح الاقتصادية والاستراتيجية

ويقول كبير الباحثين في أكاديمية وزارة الخارجية الروسية فلاديمير أفاتكوف، إنّ “أنقرة تريد أن تصبح سيدة العالم التركي. فأكثر القوميين الأتراك تطرفا واثقون من أن جميع الأتراك يجب أن يتوحدوا تحت راية تركيا ويعيشوا وفقا للقواعد التركية”.

وإلى جانب أصول المجتمع الأوزبكي التركية وما بينهم من قيم ثقافية وتاريخ عميق ومعتقدات مشتركة وقواسم لغوية، تعتبر الإمكانات الاقتصادية إحدى الأولويات الرئيسية لاستراتيجية أنقرة في المحافظة على علاقة مستقرة مع أوزبكستان.

وفي عام 2017، بلغ حجم التجارة الثنائية بين تركيا وأوزبكستان ما قيمته 1.5 مليار دولار، ويهدف الجانبان إلى تحويل حجم التبادل التجاري إلى 5 مليارات دولار في السنوات القادمة، وتبعا لذلك احتلت تركيا المرتبة الثانية بين الدول التي أسست معظم شركاتها في أوزبكستان، إذ أنشأت تركيا 364 شركة مختصة بأعمال التجارة والبناء والصناعة في عام 2018، حسبما ذكرت هيئة الإحصاءات الأوزبكية.

وتعزيز أنقرة للتعاون مع أوزبكستان ليست مفاجأة، حيث أن البلد الذي يبلغ عدد سكانه 32 مليون نسمة هو سوق استهلاكية كبيرة نسبيا للشركات الحكومية والخاصة التركية، وهذا ما يشجع تركيا دوما على توقيع العديد من الاتفاقيات وإنشاء المشاريع الاستثمارية في الاقتصاد والتجارة والنقل والخدمات اللوجستية والطاقة والعلوم والتعليم والسياحة.

ومنذ انضمام أوزبكستان إلى مجلس التعاون التركي بدأت الخطوط الجوية التركية بالعمل بين إسطنبول وسمرقند، ووقع الطرفان مرسوما بتبسيط إجراءات التأشيرة للمواطنين الأتراك وإصدار تأشيرات العمل في غضون ثلاثة أيام، بهدف زيادة التعاون في المجال الاقتصادي. إذ يغادر عدد كبير من المهاجرين الأوزبكيين البلاد بحثا عن وظائف، وبالتالي أصبحت المدن الكبيرة في تركيا مثل إسطنبول وأنطاليا وإزمير وغيرها أكثر الوجهات الشعبية للعمال الأوزبكيين.

ويقول محللون إن تركيا تمزج في بسط نفوذها في آسيا الوسطى بين العامل القومي والعرقي واللغوي، ثم تبني عليه المصالح الاقتصادية والإستراتيجية، حيث تكون تركيا – أردوغان هي الأخ الأكبر والزعيم الأوحد لكل هذه الشعوب.

Thumbnail

وعلاوة على ذلك فإن آسيا الوسطى تزخر بموارد الطاقة “النفط والغاز الطبيعي” اللذين يمثلان العامل الجيوسياسي الرئيسي والمحوري، الذي يحظى بأولوية متقدمة في عمليات التخطيط الاستراتيجي.

ويقول المحلل السياسي الروسي ألكسندر سامسونوف، إنّه “بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، بدأت تركيا تدريجيا في بناء سياسة عسكرية وسياسية واقتصادية جديدة في المناطق التي كانت في السابق جزءا من الإمبراطورية العثمانية، في البلقان والشرق الأوسط والقوقاز. وهذه العملية ملحوظة بشكل خاص في ظل حكم أردوغان”.

ويتعامل الرئيس التركي بحماس مع أيّ تحالف ولو كان مجرد فكرة، وذلك لإرضاء طموحه الكبير إلى السلطة واستعادة صورة السلطان الذي لا يكتفي بحكم تركيا وحدها، ولذلك دائما ما يعرض المبادرات والأفكار عن “الوحدة” و”التقارب” خلال زياراته الخارجية، وخاصة في مناطق سيطرة الدولة العثمانية السابقة في آسيا الوسطى والبلقان.

وفي فبراير الماضي أكد أردوغان في رسالة بعثها إلى “منتدى الأرصاد الجوية للعالم التركي”، أنّ العالم التركي (الدول الناطقة بالتركية) أظهر أهمية التعاون في مختلف الأصعدة.

وقال أردوغان في رسالته “لقد أظهر العالم التركي أهمية التضامن والتعاون والعمل المشترك، في كافة الأصعدة ابتداء من حرب مرتفعات قرة باغ، ومرحلة جائحة كورونا ومرورا بالدبلوماسية والدفاع ووصولا إلى الصحة والزراعة والسياحة والطاقة”.

وسلط أردوغان الضوء على أهمية التعاون بين الشعوب التركية قائلا “نحن عائلة كبيرة من 300 مليون، نتكلم نفس اللغة ونؤمن بنفس الدين، ونتشارك التاريخ والثقافة والحضارة، ولقد رأينا أن مسؤوليتنا تحتم علينا تقوية أواصر الصلة والتعاون بيننا في المرحلة القادمة”.

5