سمراء في قلب كل محب

لم يمض على دخول شهر رمضان إلا أيام قلائل ومع ذلك يعز عليّ فراقها وأكتوي بنيران البين، ولا أظنني في عشقها استثناء ولا في حبها أنا الوحيدة.
في ذكرها أسيلت أحبار وكتب عنها القاصي والداني. وقيل عنها مفتاح النهار ومن أعماق سوادها يشع نور اليقين والإيمان بيوم مشرق جميل، ومن مرارة مذاقها تنبع حلاوة الإحساس بطعم الحياة.
افتقد حال الكثير من الصائمين لفنجاني القهوة الصباحي والمسائي جعلني أحاول تقصي أصل وفصل هذه المعشوقة السمراء، واكتشفت بين الأخبار المبعثرة عن هذا المشروب السحري أن من بين الدلائل أن أوائل من زرع البن وصدره إلى العالم الجمهورية اليمنية، قصة متداولة بين اليمنيين لا يعلم إن كانت حصلت بالفعل تقول إن راعي غنم لاحظ أن أحد خِرافه أصبح نشيطا وبدأ يتحرك كثيرا بعد أن تناول نوعا من الحبوب التي كانت في أحد السهول، وبعد فترة من الزمن، بدأ أهل اليمن يصنعون شرابا من حبوب البن المكتشفة على درجة حرارة عالية، سرعان ما تم تسميته بالقهوة.
وإن ثبت صحة هذه الرواية فهنيئا لأول شاربيها.
ووجدت فيما وجدت أن هذه السمراء التي لا تنزل الأحزان ساحتها لعبت أدوارا هامة عبر تاريخ الكثير من الشعوب، أشعلت فتيل حروب، وفضت نزاعات لا تحصى.
ومن بين هذه الصراعات حروب المقاهي بالجزائر التي خمدت إبان الاستقلال، وأيضا ذكر الشيخ الحنبلي عبدالقادر بن محمد الجزيري في كتابه “عمدة الصفوة في حل القهوة”، الذي ناقش فيه القهوة من منظور فقهي إسلامي، أن القهوة سببت فتنا في مكة ومصر والحجاز وغيرها من بلاد المسلمين، حتى أنه روي أن بعض الأمراء أمر بهدم المقاهي وتكسير أواني الشرب وإتلاف حبوب البن ومعاقبة من يشربونها.
حرب القهوة لا يحجب فضلها في ترسيخ الحياة الاجتماعية العربية، فهي أسهمت في بلورة مكونات المنظومة السلوكية العربية باعتبارها كانت وسيطا رمزيا في مجالس عقدت للصلح والتجاوز عن خصومات، أو للخطبة أو للضيافة والكرم، لتكون بذلك سفيرا عالميا بأسماء ومذاقات مختلفة.
ولا تخفي القهوة في مرارتها حلاوة تحمل شاربها إلى عوالم وردية فحسب، بل تبطن موروثا تاريخيا يزيح النقاب عن عادات وتقاليد وآداب ومواعيد شربها.
ولأن القهوة كما ردد محمود درويش “لا تشرب على عجل، القهوة أخت الوقت تحتسى على مهل، القهوة صوت المذاق، صوت الرائحة، القهوة تأمل وتغلغل في النفس وفي الذكريات.. القهوة كالحب قليل منه لا يروي وكثير منه لا يشبع”، فإن احتساءها بعد الإفطار وعند السحور لا يروي ظمئي منها ولا يشبع نهمي إلى مجالستها.