سكوت.. أنتم في حضرة بائعة الخبز

أن تصطف شخصيات سياسية ومالية وإعلامية ورياضية ضد إيمان خليف، فذلك ذروة الجبروت والطغيان الذي يهدد الشعوب الضعيفة.
الثلاثاء 2024/08/13
الإرادة والتحدي سلاح الضعفاء أمام جبروت الأقوياء

انتهى أولمبياد باريس 2024 بمظاهره واستعراضاته ونتائجه التي كرست هيمنة الأقوياء، ليثبتوا أنهم أقوياء في كل شيء، في الاقتصاد والسياسة والإعلام وحتى الرياضة، لكن الضحية في هذه الطبعة هو الميثاق الأولمبي الذي لم يشهد انتهاكا منذ ظهوره قبل الميلاد، كما شهدته دورة باريس.

أشياء كثيرة طفت على السطح، تحمل في ثناياها تعريفات جديدة حوّلت الرياضة والميثاق الأولمبي تحديدا، إلى بوتقة تنصهر فيها تحولات عميقة، وأظهرت أن عقيدة اليمين الغربي لا تتحرج في توظيف أيّ شيء من أجل تكريس القوة وعقدة الاستعلاء على الضعفاء.

ما حدث للملاكمة الجزائرية إيمان خليف قسّم الرأي العام الدولي والرياضي بين معسكر متعجرف ذكّر الناس بالموجة الاستعمارية التي سحقت الشعوب الضعيفة في القرن الماضي، وبين معسكر متمسك بالقيم الأولمبية والرياضية، ومدافع عن الرياضية القادمة من ريف الجزائر الغربي، من أجل إثبات جدارتها وحقها المشروع في النزال من أجل التتويج.

أن تنتقل قضية تنظيمية حسمت فيها الهيئة المنظمة، من أروقة اللجنة الأولمبية إلى مجلس الأمن، هو تحول خطير ينذر باستعداد الأقوياء لدهس أيّ شيء في طريقهم، حتى ولو كانت الضحية مجرد رياضية بسيطة، ذنبها الوحيد أنها من بلد لا يزن شيئا في موازين الكبار.

وأن تصطف شخصيات سياسية ومالية وإعلامية ورياضية ضد إيمان خليف، فذلك ذروة الجبروت والطغيان الذي يهدد الشعوب الضعيفة، حتى وإن صنعت نجوما في الرياضة أو حاولت السير في طريق البناء والتشييد، فوقوف أمثال رئيس سابق لأميركا تحتمل عودته إلى البيت الأبيض في الخريف القادم، ورئيسة وزراء إيطالية متطرفة، ورجل أعمال من صناع الرأسمالية العالمية، ضد الملاكمة الجزائرية بسبب إشاعة روّجها خصومها منذ عام، يوحي بأن رموزا كدونالد ترامب، وجورجيا ميلوني وإيلون ماسك، تحمل رؤية ومنطقا خاصا للعالم لا مكان فيه للضعفاء.

كان بالإمكان أن تفوز إيمان خليف أو تنهزم دون ضجيج ولا صخب، لولا الضجة التي أحيطت بها منذ منازلتها، ومنذ تعمد خصومها في الاتحاد الدولي للملاكمة المسنود بنرجسية الروس وعجرفتهم، إجهاض طموحها منذ منازلتها الأولى، ومنذ أن عزمت المرأة على رفع التحدي لإثبات جدارتها للعالم، وتوجيه اللكمة القاضية لخصومها.

إيمان خليف، باتت تجربة رائدة تدرّس وتدوّن في المعاهد، فالإرادة  والتحدي والايمان بالقضية، هو سلاح الضعفاء الوحيد أمام جبروت الأقوياء، فبأعصابها الباردة وتحديد هدفها بعيدا عن الضجيج والصخب، استطاعت بطلة الجزائر والعرب والعالم الضعيف، أن تتجاوز حملة التنمر والازدراء والإشاعات الكاذبة، وتؤكد للجميع في نهاية المطاف، أن للحق طريقا نيّرا وللباطل هوية مجهولة ومسلكا مظلما.

لقد أطلقت تجربة الملاكمة الجزائرية في أولمبياد باريس، أجراس الإنذار من الأخطار التي تهدد الرياضة العالمية والشرف الأولمبي، وعلى نزهاء وشرفاء العالم الدفاع عن مكاسب الإنسانية والحفاظ على الصفحات المشرقة منذ ميلاد البشرية، خاصة وأن حماية القيم المشتركة بات ضروريا أمام تمدد عقيدة شاملة تريد اختصار العالم في نفسها فقط.

إيمان خليف، التي باعت الخبز على حافة الطرقات في صغرها، وباعت بقايا البلاستيك والحديد من أجل توفير مبلغ من المال يساعدها على بناء مشوارها الرياضي، لم يشأ حينها لا الاتحاد الدولي للعبة، ولا أسلاف ترامب وميلوني وماسك السؤال عنها إن كانت أنثى أم ذكرا، لأنها ببساطة فتاة فقيرة من بلد متخلف، والآن لمّا وصلت إلى قمة المجد بإرادتها وعزيمتها يريد هؤلاء سرقة ثمرتها، كما سرق أجدادهم بلدها والكثير من البلدان، لكن لا خوف على لبؤة تحمل في جسدها النحيل جينات جميلات الجزائر.

18