سكان غدامس يرفضون وجود قوات موالية للدبيبة

طرابلس – دخل المجلس البلدي لمدينة غدامس في اعتصام شامل منذ الخميس حيث تعطلت الحياة العامة وتوقفت جميع الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية، وقال المجلس في بيان إن الاعتصام مستمر حتى تُلبّى طلبات الأهالي والبلدية في إخلاء المدينة من التشكيلات العسكرية المسلحة.
وذكرت مصادر محلية لـ”العرب” أن الحركة توقفت داخل جميع المؤسسات بالمدينة، فيما اتهم الأهالي ميليشيات تابعة لحكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها بإحداث فوضى أمنية وترويع السكان واستباحة الممتلكات العامة والخاصّة وانتهاك السلم الاجتماعي منذ وصولها المدينة، مطالبين بضرورة سحبها وترك مهمة تأمينها لمديرية الأمن فقط.
وحمّل أهالي غدامس رئيس المجلس الرئاسي ورئيس حكومة الوحدة ووزير الداخلية وجهاز المخابرات العامة كافة المسؤولية للأحداث التي يقوم بها أفراد الجهات الأمنية والعسكرية القادمة إلى المدينة.
وجاء في بيان موجه إلى كبار المسؤولين في العاصمة طرابلس، وحمل توقيع أعيان ووجهاء المدينة والقادة الاجتماعيين والزعماء القبليين “نحن أهالي غدامس مدينة السلام نحمّلكم كافة المسؤوليات للأحداث التي يقوم بها أفراد الجهات الأمنية والعسكرية في مدينتنا والتي أحدثت الفوضى وأرعبت المواطنين واستعرضت الآليات العسكرية بإطلاق الرصاص واستباحت الأملاك العامة والخاصة داخل المدينة”.
مجلس النواب الليبي يدين ما يحدث داخل مدينة غدامس من انتهاكات للأمن والسلام بالمدينة وترويع أهلها، ودعا في بيان إلى خروج كافة التشكيلات المسلحة من المدينة
ودعا البيان “إلى إخراج جميع هذه القوات فورا أيا كانت صفتها وتبعيتها من داخل غدامس وإسناد مهمة التأمين إلى مديرية أمن غدامس دون غيرها حفاظا على سلامة الأهالي”.
وشهدت الأوضاع في منطقة المثلث الحدودي مع تونس والجزائر حالة من التوتر بعد دخول ميليشيات تابعة لحكومة عبدالحميد الدبيبة إلى غدامس لبسط نفوذها عليها، وهو ما هدد السلم الاجتماعي، وأثار ردود فعل مناهضة لسلطات طرابلس.
وبحسب أوساط مطلعة، فإن القوة التي تسيطر على المعبر هي ميليشيا «الكتيبة 17» التي يقودها محمد عبدالنبي الزنتاني وتتبع جهاز حرس الحدود المنخرط بدوره تحت لواء وزارة الدفاع، قد اتفق مع وزير الداخلية عماد الطرابلسي على أن تلتحق كتيبة تابعة للأخير بالعناصر المتحكمة في المعبر، وذلك في سياق تحالفات قبلية في صلب الجناح الموالي لحكومة الدبيبة من داخل قبائل الزنتان.
وفي خطوة مفاجئة، قام الطرابلسي بإرسال كتائبه إلى غدامس للسيطرة على المدينة، في تجاوز للاتفاق الحاصل بين المجلس الاجتماعي للزنتان والقوة المشتركة المعينة من قبل الدبيبة، بأن يتم تأمين المعبر من قبل مديرية أمن غدامس والقوة الموجودة لتأمين معبر الدبداب الحدودي مع الجزائر.
وقد أدى هذا الاتفاق إلى خلاف مع آمر المنطقة العسكرية الغربية اللواء أسامة الجويلي المتحدر بدوره من الزنتان ويتزعم حاليا الجناح الموالي لمجلس النواب والقريب من قائد الجيش الجنرال خليفة حفتر، والذي يتمسك بضرورة أن يتم توزيع مناطق النفوذ في غدامس والمناطق المحيطة بها في سياق التحالفات من داخل قبيلة الزنتان دون غيرها، مهما كانت الخلافات داخلها بين الموالين لحكومة الدبيبة والموالين لمجلس النواب.
وأدان مجلس النواب الليبي ما يحدث داخل مدينة غدامس من انتهاكات للأمن والسلام بالمدينة وترويع أهلها، من قبل التشكيلات المسلحة التابعة لحكومة الوحدة، ودعا في بيان إلى خروج كافة التشكيلات المسلحة من المدينة وترك مهمة تأمينها لمديرية أمنها.
وطالب كافة الأطراف بالكف عن استخدام غدامس في أيّ صراعات جهوية أو سياسية أو أمنية مشيرا إلى أن المدينة كانت الحاضنة للقاءات الإخوة من أجل وحدة الصف والمصالحة الوطنية.
وطلب مجلس النواب من النائب العام الليبي فتح تحقيق عاجل في ما نتج عن اشتباكات بين التشكيلات المسلحة من أضرار لحقت بسكان المدينة والممتلكات العامة والخاصة، معربا عن تأييده لمطالب سكان مدينة غدامس بخروج كافة التشكيلات المسلحة منها.
والأحد الماضي، جرى استقبال الجويلي من قبل رئيس المجلس الرئاسي القائد الأعلى للجيش محمد المنفي الذي اطلع على الوضع العسكري بالمنطقة الغربية وسير العمل بها، وأكد له حرصه على تعزيز الاستقرار عبر التنسيق المستمر مع رئاسة الأركان وفق التوجيهات والتعليمات الصادرة بالخصوص.
وتم الاجتماع بين الجويلي والمنفي بحضور رئيس أركان المنطقة الغربية محمد الحداد، فيما لم يتم التوصل على اتفاق للقاء بين الجويلي والدبيبة بسبب الخلافات الحادة بينهما والتي وصلت إلى مرحلة القطيعة.
رغم محاولات الدبيبة فتح جسور للتواصل مع اللواء أسامة الجويلي، إلا أن الأخير تمسك بموقفه المناهض للحكومة المنتهية ولايتها
ورغم محاولات الدبيبة فتح جسور للتواصل معه، إلا أن الجويلي تمسك بموقفه المناهض للحكومة المنتهية ولايتها، وهو ما يفسّر عدم عقد لقاء بينهما خلال الأيام الماضية لحلحلة الأزمة.
وأدت الخلاف بين الطرفين إلى تأجيل السلطات الجزائرية افتتاح معبر الدبداب من الجانب الجزائري بعد أن كان موعد الافتتاح الثلاثاء الماضي بعد ثماني سنوات من إغلاقه، وسط تحفظ من الجانبين الليبي والجزائري على ذكر الأسباب.
وكشفت مصادر محلية، أن التراجع عن افتتاح المعبر يعود إلى تمسك الجزائر بأن تكون السيطرة عليه وعلى غدامس عموما بأيدي قوات موالية لحكومة الدبيبة، واستبعاد أيّ قوات موالية لمجلس النواب، وأن هناك حسابات جديدة بدأت تبرز وتتعلق بصراع النفوذ بين قوى إقليمية ودولية من بينها الجزائر على منابع الثروة في حوض غدامس ومنطقة الحمادة الحمراء.
وفي نوفمبر الماضي، زار وفد من شركة سوناطراك الجزائرية طرابلس للإعلان رسميا عن عودة أنشطتها الوشيكة إلى ليبيا بعد توقف استمر ثماني سنوات.
وتتعلق المشاورات بترسيم عملية استئناف الالتزامات التعاقدية لمجمع سوناطراك في مجال الاستكشاف برقعتي (065) و(96/95) في حوض غدامس، فضلا عن مناقشة سبل ترقية الشراكة الثنائية.
وفي أغسطس الماضي أعلنت ثلاث شركات نفطية عالمية استئناف عملياتها في الحقول الليبية التي انقطعت عنها لنحو عشر سنوات، وتم إخطار مؤسسة النفط سوناطراك وشركتي إيني الإيطالية وبريتيش بتروليوم البريطانية برفع القوة القاهرة واستئناف التنقيب واحترام التزاماتها التعاقدية على الرقع المخصصة لها بحوض غدامس الواقع في جنوب غرب ليبيا، وهو منطقة غنية بالنفط والغاز على الحدود مع الجزائر وتونس.
ووفق أوساط سياسية، فإن صراعا بات مفتوحا على استغلال النفط والغاز في منطقة حوض غدامس بين الجزائر وفرنسا وإيطاليا وروسيا، وأن الجانب الجزائري يرغب في السيطرة على المنطقة عبر ميليشيات قريبة منه، تتولى وضع يدها على الحدود والمطار والمؤسسات الإدارية والأمنية، وهو لا يثق إلا بالجماعات المسلحة الخاضعة لإمرة سلطات طرابلس التي تتميز بعلاقات وطيدة مع السلطات الجزائرية عكس سلطات المنطقة الشرقية.