سقطات الصوفيين تثير غضبا ضد الظهير الديني للحكومة المصرية

القاهرة - أثار الداعية الصوفي صلاح الدين التيجاني جدلا واسعا في مصر بعد اتهامه بالتحرش الجنسي بإحدى الفتيات، ما استدعى قيام وزارة الداخلية بإلقاء القبض عليه، وعرضه على النيابة العامة وحبسه أربعة أيام على ذمة التحقيق، ما وضع الجماعة الصوفية في مرمى غضب الشارع، وتسبب في حرج بعض الجهات في السلطة التي تعتبر الصوفية ظهيرا دينيا لها في مواجهة تيارات الإسلام السياسي.
وضجت مواقع التواصل الاجتماعي بنقاشات، شارك فيها رجال دين ومثقفون وكتاب ومتخصصون في شؤون الإسلام السياسي، بينما تبرأت الطرق الصوفية من الداعية، وقالت إنه مفصول منها منذ فترة طويلة، وممنوع من ممارسة أيّ نشاط صوفي، وتسابق أنصار السلفيين والإخوان في اتهام الصوفية بالتربح وجمع مبالغ مالية من خلال مريديهم عبر التقرب من السلطة.
وزاد من الغضب الشعبي أن الداعية يشتهر بين أتباعه بالورع والتقوى، ولديه علاقات قوية مع فنانين ومشاهير وكتاب ومثقفين، تبيّن لاحقا أنهم يلجأون إليه للحصول منه على “البركة”، وإضفاء مشروعية على ما يخص شؤون حياتهم، وبعضهم يتخذون من علاقاتهم به ستارا يتخفون وراءه لتبرير أيّ تصرف أو قرار أو رؤية خاص بهم.
واتهمت فتاة التيجاني بالتحرش بها، وأنها تعرضت لصدمات نفسية بسببه، ما زالت تعالج منها، وتنافس أتباعه من المشاهير في دعمه والثناء عليه، وإنكار التهمة، بحجة أنه يتعرض لابتزاز، حتى جاء موقف أجهزة الأمن ليرفع الضغوط السياسية عن الحكومة بأنها لا تقبل أيّ تجاوز، وإن نتج من أحد المنتمين لظهيرها الديني.
وارتبط التحرك الأمني السريع بتحول التيجاني إلى قضية رأي عام في مصر، وأصبح مادة خصبة للسخرية والتعليقات الضاحكة وتوجيه أصابع الاتهام بشكل غير مباشر إلى بعض دوائر الحكومة، بأنها تصمت عن خروقات بعض الصوفيين لمجرد أنهم ارتضوا أن يكونوا في مواجهة المتشددين فكريا.
واستثمر أنصار الإخوان والسلفيين تلك الأزمة لاتهام السلطة بأنها تدلل الصوفية كتيار إسلامي وحيد أصبح مقبولا أن تتشارك معه، في مشهد ظهرت ملامحه بتزعم الصوفية للأغلبية البرلمانية، وهو موقف لا تنساه التيارات المتشددة للنظام المصري، لأن هناك عداء تاريخيا بينها وبين الصوفية.
وشكل السخط الشعبي ضد تصرفات بعض الصوفيين ورطة للحكومة قد تدفعها لإعادة ترتيب العلاقة معهم كي تبرئ ساحتها من دعمهم، لكنها مدفوعة أيضا للحفاظ على تلك العلاقة بما يحقق التوازن بين التيارين الليبرالي والإسلامي، كنوع من التعددية.
وتظل أزمة الشارع في مصر مع الطرق الصوفية أنها تمارس نفس الوصاية الدينية التي يفترض أن المجتمع تخلص منها برحيل نظام الإخوان عن الحكم إبان ثورة 30 يونيو 2013، وزادت باقتحام السياسة من بوابة التقرب إلى السلطة، باعتبار أن ذلك هو الحل الأمثل للبقاء في المشهد والنجاة من الخصوم.
ودأب صوفيون على النأي بأنفسهم بعيدا عن الصدام مع الرأي العام، خشية تشويه صورتهم واللعب على وتر علاقتهم الجيدة بالسلطة، لكن بعض التصرفات السلبية، ومحاولة التغطية عليها من رموز سياسية واجتماعية، وتصنيفهم كأنهم لا يخطئون، ضاعف السخط الشعبي عليهم، كون الأغلبية ترفض الوصاية وتغييب العقول.
وبدا أن هناك استغلالا من جانب دعاة صوفيين لكراهية الأغلبية المصرية للإخوان والسلفيين، من أجل جني مكاسب مالية عبر الزهد، وسط صمت رسمي غير مبرر وترك الساحة مفتوحة لهذه الفئة تحت مسميات مختلفة.
وجاء الجدل المرتبط بتسلل الصوفية داخل المجتمع بشكل مفاجئ ليكشف إلى أي درجة تُعاني الحكومة من أزمة مرتبطة بضبط الظهير الديني لها، وعندما انشغلت بمواجهة تيارات الإسلام السياسي لم تحدد الإطار الحاكم الذي تتحرك من خلاله الصوفية كتيار بديل.
◙ السخط الشعبي ضد التسلل غير المنضبط للصوفية بين الناس عكس حجم الوعي عند شريحة معتبرة تجاه أي هيمنة من تيارات إسلامية جديدة على عقول المصريين
وتعتقد دوائر سياسية في القاهرة أن السخط الشعبي ضد التسلل غير المنضبط للصوفية بين الناس عكس حجم الوعي عند شريحة معتبرة تجاه أي هيمنة من تيارات إسلامية جديدة على عقول المصريين، ولو كانت معتدلة، ما يستدعي تدخلا حكوميا لمواجهة وقائع احتيال تتستر خلف الصوفية قبل أن يدخل الشارع في صدام مع الحكومة نفسها.
ويصعب فصل تصعيد البعض ضد الصوفية عن تحفظهم على انخراطها في الدعم السياسي للحكومة، وهي سمة غالبة على أكثر الصوفيين، لأنهم يعتبرون الحاكم بمثابة الحصانة المثالية لهم، ولا يُمانعون أن تكون تلك الحصانة متبادلة، فهم ظهير سياسي للسلطة، وهو ظهير وداعم لهم.
وقد لا يخلو استهداف الصوفية بسبب وقائع فردية من رموزها من وجود تحفظ شعبي ضد لجوء سياسيين للتصوف لإبعاد أنفسهم عن شبهة الانتماء والتعاطف مع الإخوان أو السلفيين، لأن الصورة العامة المأخوذة عن الصوفي عند المجتمع ودوائر الحكم أنه أحد رجالات السلطة، وبالتالي يحمل الاستهداف محاولة للاغتيال المعنوي للصوفية.
وأشار سعيد صادق أستاذ علم الاجتماع السياسي بالجامعة الأميركية في القاهرة لـ”العرب” إلى وجود رفض مجتمعي لأيّ هيمنة دينية على عقول المصريين، وإصرار من الأغلبية على الخلاص من تركة الجماعات الإسلامية، ما يشكل ضغطا على الحكومة لتحجيم نفوذ أي فصيل ديني لمآرب سياسية أو فكرية.
وأضاف أن مصر في حاجة إلى مواجهة صارمة مع أيّ تيار أو جهة أو جماعة تقدم نفسها كأساس لصحيح الدين بحجة أنها ظهير للدولة، لأن الصمت يقود إلى استقطاب ديني وسياسي، ويعيد إنتاج واقع يكرس تغييب الوعي، ويجعل الناس أسرى لأفكار بعيدة عن مدنية الدولة، ويوسع دائرة التحديات أمام الحكومة في توقيت سياسي حرج.
وترتب على الصمت الرسمي أن تحولت كل طريقة صوفية إلى ما يشبه الحزب الديني المنغلق على أنصاره، من منطلق أن السلطة لا تُمانع ذلك طالما أنهم بعيدون عن السياسة، لكن المعضلة في سعي كل طريقة لحشد مريدين جدد لتقوية شوكتها وتعظيم نفوذها في غيبة الحكومة، حتى وجد كلاهما أنه أصبح في مواجهة محتدمة مع الشارع.