سفراء الخير يرسمون البسمة على وجوه فقراء تونس

مجموعة من شبان بدرجة سفراء يجوبون المناطق الفقيرة في تونس بسياراتهم الخاصة التي يحملون عليها مساعدات إنسانية لتكون سبب فرحة عائلات معوزة.
الثلاثاء 2021/04/27
مبادرات إنسانية

تونس- حولت مجموعة “السّفراء الثّمانية” مبادرةً لتشجيع التّونسيين على استهلاك المنتوجات المحلية إلى تحرك خيري واسع يوزعون خلاله المساعدات في شتّى أرجاء البلد الذي -كغيره من البلدان- فاقم انتشار فايروس كورونا معاناةَ العائلات الفقيرة فيه.

والسفراء الثمانية هم شبان بدرجة سفراء، نشطاء برتبة أشقاء، يجوبون المناطق الفقيرة في مختلف أنحاء تونس، ليس لغرض سياسي أو مكسب مالي وإنما يبحثون عمّن يحسبهم الجاهل أغنياء من كثرة التعفف، كي يمدوا لهم يد العون.

هدى وسهير ودرصاف وزوجها مراد وأيمن، خماسي كان حاضرًا (وغاب آخرون) لدى تنقل المجموعة إلى سفوح جبال بمنطقة الفحص في محافظة زغوان جنوب العاصمة والتي يقطنها 177 ألف نسمة، مُحمِّلين سياراتهم الخاصة بكَرَاتِين مساعداتٍ تضم مواد غذائية ومقتنياتٍ ستكون سبب فرحة عائلات معوزة.

جميعها تم تأمينها من مساعدات شركات محلية تُتابعُ وتُشجع عمل الفريق النّاشط على موقع فيسبوك

وقد رُصدت داخل الكَراتِين الورقية مواد غذائية منذ الصّباح الباكر وبجهود فردية، من بين هذه المواد الحليب والسكر والأرز والمعجنات وزيت الأكل والشاي والبيض، جميعها تم تأمينها من مساعدات شركات محلية تُتابعُ وتُشجع عمل الفريق النّاشط على موقع فيسبوك.

وتقول هدى النّاصري صاحبة هذه المبادرة التّطوعية لمراسل الأناضول “أنا وأصدقائي نعرف بعضنا البعض مسبقًا وفي نهاية 2019 بدأنا حركتنا الخيرية هذه بشكل غير مدروس (وذلك) بإنشاء مجموعة ‘استهلك تونسي’ على موقع فيسبوك (يتابعها 465 ألف متابع)، ليقبل التّونسيون على استهلاك المنتجات المحلية”، قبل أن تتطور بالتزامن مع التفاعل معها إلى مبادرة خيرية.

وتابعت هدى وهي مهندسة في الإعلام والاتصالات “التّفاعل الإيجابي كان ببداية انتشار فايروس كورونا وخلال فترة الحجر الصحي حيث دعونا لالتزام المواطنين منازلهم على أن يتكفل أعضاء المجموعة بإيصال مقتنياتهم”.

وأضافت أن “الأمر تطور مع تفاعل أصحاب الشركات المنتجة التي وفرت المواد الاستهلاكية التي قمنا بتوزيعها، فضلًا عن قيامنا في الفترة الأخيرة بتأمين بناء منزلين بمجهودات فردية وبمساعدات من مواطنين يريدون أن يُنجحوا هذه المبادرات”.

وخارج مناطق العمران بمدينة الفحص (تبعد عن العاصمة تونس 60 كيلومترًا) انطلق السّفراء في رحلتهم باتجاه سفوح جبالٍ وعرة حيث تعيش عائلات عديدة من الزراعة ولا تتمكن في أحيان كثيرة من تأمين احتياجاتها خاصة مع بداية شهر رمضان، حيث يمدّ يد العون فاعلو الخير على غرار هدى وسهير وبقية المجموعة التي رافقها فريق الأناضول.

وباتت “قفة رمضان “(كراتين المساعدات) عادةً دأبت عليها الجمعيات الخيرية كلما حلّ شهر رمضان، حيث يزيد نشاطها في هذه الفترة بجمع التّبرعات والمساعدات التي توزع على المحتاجين.

في أعلى أحد الجبال توقف موكب المجموعة عند بيت من ثلاث غرفٍ، نصفه بُني من حجارة وعلى غير نظامٍ، ونصفٌ ثانٍ شُيّد حديثًا. وفي الجزء الثاني من المشهد ظهرت “الخالة حبيبة”، وهي امرأة ستينية بملامح كادحةٍ، وقد سبقتها دموعها أثناء التّرحيب بسهير وأصدقائها من المجموعة.

بعد متابعة وسؤالٍ تبين أن المجموعة هي التي قامت بتأمين بِناء الغُرف الجديدة في المنزل الذي لا يوحي شكلُ حُجُراته الحجرية بأنه قادرٌ على إبعاد برد الشّتاء أو الحماية من حرّ الصّيف.

تداخلت المشاعر واستفزت الحاضرين من العائلة وضيوفها حالة ٌمن الشّجن؛ سعادةٌ بانتهاء أشغال البيت الجديد ولقاء مع “الخالة حبيبة” التي لم تكف عن معانقة وتقبيل من وصفتهم بأبنائها (أعضاء المجموعة)، وذلك بحضور أحفادها الذين يعرفون المجموعة جيدًا، إذ يبدو أن صداقة ارتسمت في مصافحاتهم.

لحظات السّعادة هذه أبت “الخالة حبيبة” إلا أن تزيدها جمالًا برفع صوتها بأغنية تحاكي طيبتها وحبها للأرض التي هي مسقط رأسها وربت فيها أبناءها الثلاثة وأحفادًا اجتمعوا حولها وأعينهم تسترق نظرات حبٍ لضيوفهم.

كرم الضّيافة تلخص في تقديم الطعام لضيوف البيت الجديد، طبق زيت زيتون وخبز، ولحم خروف مشوي سجل حضوره احتفاءً بباعثي السعادة في هذه الدّار، حيث تجمع الحاضرون حول طاولة وسط البيت وتقاسموا الأكل. واختارت العائلة إكرام المجموعة على صنيعها بلحم مشوي قد لا يتكرر كثيرا في منزل يحتاج كل فرد فيه إلى ثمن هذا اللّحم ليعيش أيامًا.

"قفة رمضان" (كراتين المساعدات) باتت عادة دأبت عليها الجمعيات الخيرية كلما حلّ شهر رمضان
"قفة رمضان" (كراتين المساعدات) باتت عادة دأبت عليها الجمعيات الخيرية كلما حلّ شهر رمضان

وعن هذه الحالة يقول مراد بن زيد، أحد أعضاء المبادرة التّطوعية، للأناضول “حقيقة لم أجد الكلمات والخالة حبيبة تجازينا، سعيد ورفاقي بإدخال السعادة والفرح لهذه العائلة وأملنا أن يكون آخرون مثلنا قادرين على تقديم ما يستطيعون لأبناء جلدتهم”.

وأردف “أتمنى أن نتمكن من تقديم المساعدة لأكبر عدد من العائلات، قمنا حتى الآن بمنح 17 ألف قفة رمضان بين العام الماضي وهذه السنة وسنعمل على رفع هذا الرقم أكثر.. أمامنا الكثير لتقديمه لأبناء بلدنا”.

وبعد إنهاء الزيارة للمنزل الجديد واصل الفريق رحلته وتنقل بين الجبال وفي وسط مدينة الفحص، حيث قدم أعضاء المجموعة ما حملوا من مساعدات لعائلات محددة في حاجة ماسة إلى مواد غذائية قبل يوم من بداية شهر رمضان.

إن تخصيص وقت طويل من حياة هؤلاء الشباب للقيام بأعمال خيرية دون مقابل ودون مآرب ذاتية، كما الأمر بالنسبة إلى السياسيين الذين يتهافتون على أحياء الفقراء قبل كل انتخابات دون أن يفوا بوعودهم لاحقًا، كان النقطة الفاصلة بين عمل هؤلاء وما يأتيه أولئك.

21